لم يكن مستغربا ما حدث من قطر، لأنها وقعت في بئر الغدر مبكرا، فقد وقعت خمسة انقلابات خلال نحو أربعين عاماً، والانقلاب السادس قد يكون اقترب من خلال احتمالين: إما أن يأتي التهديد لتميم من والده حمد بن خليفة آل ثاني، ونجله مشعل، الذى كانت قد أبعدته الأم (موزة) عن المشهد لصالح ابنها تميم، حتى يضمن لنفسه عودة هيبته التي أسقطها ابنه تميم. والاحتمال الثاني من أسرة أحمد بن علي صاحبة الحق الأصلي والشرعي في حكم قطر، والمنتسبة لأول حاكم للإمارة بعد الاستقلال عن الاحتلال البريطاني، وبدأت الأسرة ملامح التحرك لاستعادة حكمهم ووضع حد لحكم أسرة خليفة من خلال إصدار بيان اعتذار للسعودية والإمارات عن سياسات تميم. وفي ظل الأزمة الحالية أمام قطر ثلاثة سيناريوهات: الأول: جهود الوساطة لحل الأزمة وهو ما ظهر في زيارة أمير الكويت إلى السعودية بعد زيارة قام بها حاكم قطر إلى الكويت، والظاهر انه قد تحتاج هذه الوساطة الى بذل جهد اكبر حتى تؤتي ثمارها، فضلا عن كون النجاح يتوقف على قطر ذاتها ومدى تقبلها لما يتم الاتفاق عليه، باعتبار حاكم قطر أنه فرد من العائلة الخليجية وطبقا لعادات وأعراف القبيلة ولم الشمل عليهم النصح والحوار والمصارحة لخطورة ما يقوم به، سواء على قطر أو على دول الخليج أو على المنطقة بأسرها، وأن علاقاته المتميزة مع إيران، ووجود الإخوان المسلمين في الدوحة، أمر خطير وخطأ جسيم في تقدير الأمور، والتهديد لن يكون إلا من إيران ومن الإخوان ومن دعم للتنظيمات الإرهابية وليس من الجيران، ولكي يحدث ذلك يجب أن تتنازل قطر وتنفذ ما تم الاتفاق عليه في الرياض في نوفمبر 2013 وتطرد قادة الإخوان من أراضيها وتتوقف عن دعم التنظيمات المتشددة وعدم توفير الغطاء السياسي والإعلامي لهم وتتوقف عن التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية، بشكل مباشر أو غير مباشر. الثاني: المواءمة والتكيف القطري ومحاولة تهدئة الأمور لكسب الوقت وقد يكون بوساطة أمريكية، بمعني أن تقبل الدوحة تنفيذ بعض الشروط وتعترض وتتمسك بموقفها في مواقف أخرى، وتمر الأزمة، لكن المشكلة التي تمثلها قطر بالنسبة لجيرانها وغيرهم ستبقى على حالها. الثالث: أن تستمر قطر في المسار الذي تتبعه ويستمر حاكمها في الغطرسة والكبر والعناد وتتمسك بموقفها بل وتزيد عليه انسحابها من مجلس التعاون الخليجي. ويصب هذا السيناريو في صالح إيران، حيث ستكون قطر مع إيران في كفة ضد الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي خصوصا في كفة أخرى. واضح وفق ما تشير إليه الأحداث وتسارعها أن حاكم قطر يتجه إلى مزيد من العناد والتمسك بمواقفه ومحاولة الاستعانة بقوات من الحرس الثوري الإيراني من أجل حمايته بل وموافقة البرلمان التركي على إرسال قوات إلى الدوحة من أجل حمايته أيضا، في خطوة إذا تمت ستعمق ما يمكن أن يوصف ب »الخيانة« لكل ما هو عربي وخليجي، ما يعقد الأمر أكثر ويصعب الحل. والأخطر أن يتم الاتجاه للإيعاز للجماعات والتنظيمات الإرهابية بشن هجمات انتقاما من الدول التي قاطعت قطر وإحداث المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة. هذه السيناريوهات ممكنة في حال، إذا ظل حاكم قطر في نفس موقعه ولم تنجح جهود العائلة الحاكمة في تنحيته وعزله وتقديم الاعتذار عن سياساته ومواقفه العدائية. عرفت علاقات قطر مع جيرانها في الخليج، خاصة السعودية ومصر، ارتفاعاً وهبوطاً، لكن في نهاية الأمر تابعت الدوحة طريقها. لكن هذه المرة الصبر نفد ولم يعد من المقبول عدم وقوف قطر وخروجها عن الصف العربي وتهديدها لاستقرار الدول العربية والمنطقة والعالم بأسره. وبعد قطع أكثر من دولة عربية علاقاتها الدبلوماسية مع قطر مما يضيف إلى التدهور والضعف العربي، فإن الجامعة العربية أبعدت نفسها عن المشهد مبررة ذلك بأن الموقف الحالي هو من قبيل العلاقات العربية - العربية، ولا مجال لمناقشة ذلك داخل الجامعة، ومن ثم فلن تقوم بشيء في ظل خروج أحد أعضائها عن كل ما تم الاتفاق والتوقيع عليه من ضمان الأمن العربي المشترك والمستقبل والمصير المشترك، ولن تعقد جلسة طارئة تناقش هذا الوضع أو تصدر قرارات حاسمة نحو توقيع عقوبات أو تعليق عضوية قطر التي تنتهج سياسة الضد للجامعة العربية ولأعضائها ولكل ما هو عربي بشكل عام. أما باقي الدول العربية، فإما تلتزم الصمت حتى الآن أو تدخل في جهود وساطة من أجل حل الأزمة أو ينتظر البعض الآخر حتى يعلن المقاطعة أيضا وفقا لتطور الأمور. الأمر الذي ينذر بأزمة جديدة تضاف إلى أزمات الإقليم العربي ليس أقلها حالة استقطاب بين معسكرين وزيادة الانقسام والاختلاف والخلاف بين الدول العربية. لمزيد من مقالات د. نانيس عبد الرازق فهمى