قبل ثورة 25 يناير عاشت المؤسسات الصحفية فترة ازدهار ملموسة تمثلت فى زيادة مواردها، وتعددية أنشطتها، وتحسين مستوى دخول العاملين فيها، وحينما قامت الثورة القت بظلالها على المؤسسات الصحفية مثلها فى ذلك مثل باقى قطاعات الدولة, حيث تراجع معدل العمل والإنتاج واضطرت المؤسسات إلى تعيين اعداد كبيرة لا لزوم لها حيث قامت مؤسسة الأهرام على سبيل المثال بتعيين اعداد تزيد على ثلث قوتها العاملة دفعة واحدة، مما أدى إلى زيادة أعباء الأجور والرواتب على حساب مستلزمات الإنتاج والتشغيل مما جعل المعادلة الاقتصادية «تختل» فى الكثير من المؤسسات بعد أن انخفضت معدلات الإنتاج والتشغيل، وزادت الأجور والرواتب مما أسهم فى إيجاد فجوة كبيرة بين الإيرادات والمصروفات. سوء الإدارة وتأخر الإصلاح والظروف الاقتصادية العامة وما يعانيه الاقتصاد من ركود وانكماش .. كلها عوامل فاقمت الأزمة وجعلهتا تبدو مثل كرة الثلج تزداد يوما بعد يوم. مساندة إصلاح المؤسسات الصحفية باتت ضرورة لإنقاذها لأنها عقل الأمة وتسهم فى تشكيل الوعى الجمعى للمواطنين, ودورها حيوى وخطير, ورغم أن البعض يحاول التقليل من أهمية دورها فإن هؤلاء يتحدثون للأسف عن جهل ونقص معلومات، فلا تزال الصحافة قوية فى دول العالم المختلفة، ولا تزال الصحف توزع عشرات الملايين فى اليابان وأمريكا والمانيا وبريطانيا وكل دول العالم المتقدم بلا استثناء، فى حين أن دولة مثل الهند يبلغ توزيع الصحف فيها مئات الملايين (310 ملايين نسخة) وليس العشرات فقط, وبالمقاييس الموضوعية فإن مصر دولة واعدة فى مجال الصحافة يجب أن يزيد فيها التوزيع ويزدهر وليس العكس، وأعتقد أن ذلك سوف يحدث خلال المرحلة المقبلة بعد إصلاح أحوال المؤسسات الصحفية . مساندة الإصلاح لا تكفى بالاعانات العاجلة، فهناك مثل صينى شهير يقول «أعطنى سنارة ولا تعطنى سمكة» ونفس المثل ينطبق على المؤسسات الصحفية القومية حيث تحتاج إلى نظرة مختلفة من الحكومة إذا كنا جادين فى إصلاح هذه المؤسسات وتحويلها إلى مصدر قوة إيجابية للدولة المصرية، بحيث تكون هناك خطة عاجلة وخطة طويلة المدى لإصلاح هذه المؤسسات بالتعاون بين الحكومة والهيئة الوطنية للصحافة، ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية، مع تأكيد خصوصية الإصلاح فى كل مؤسسة عن الأخرى، فهناك أوجه تشابه وتكامل لكن فى ذات الوقت هناك أوجه اختلاف ضخمة بين كل مؤسسة وأخرى، سواء فى أعداد العمالة أو الأجور أو الرواتب أو التوزيع أو الأنشطة الإنتاجية التى تقوم بها كل مؤسسة, وبالتالى لا بد أن تكون خطة الإصلاح نابعة من داخل كل مؤسسة ليكون متواكبا مع قدراتها، وملبيا لأحتياجاتها، ومستوعبا لأنشطتها المختلفة، بعيدا عن الأفكار الشمولية والنظريات العامة التى ثبت فشلها. الخطة العاجلة للاصلاح يجب أن تستوعب احتياجات الأجور ومستلزمات التشغيل فى آن واحد، فهناك ميراث ضخم من الديون والتراكمات لابد من تدخل حكومى لتخليص المؤسسات الصحفية منه مع دعم عاجل يكون قادرا على الوفاء باحتياجات هذه المؤسسات الفعلية لمدة عام على الاقل تلتزم خلاله المؤسسات الصحفية ومن خلال مجالس إداراتها وجمعياتها العمومية والخبراء والمتخصصين، وبالتعاون مع الهيئة الوطنية للصحافة والحكومة فى وضع تصورات التطوير والاصلاح والنهوض بتلك المؤسسات . ليس من مصلحة أحد ترك المؤسسات الصحفية كالرجل المريض «لا ينهض ولا يموت» الحل يبدأ من العلاج المتكامل، وضخ أموال فيها تكفى للتشغيل بعيدا عن فكرة المسكنات والحلول الوقتية. مؤسسة الأهرام هى المؤسسة الأهم فى الصحافة المصرية، ولديها امكانات ضخمة تفوق امكانات باقى المؤسسات الصحفية حيث تمتلك أفضل مطابع صحفية وتجارية فى مصر والشرق الأوسط، وتمتلك أفضل جهاز توزيع فى مصر والشرق الاوسط، وتمتلك أفضل خبرات تحريرية واعلانية, وكذلك فإن جريدة الأهرام هى الأكثر توزيعا فى مصر والشرق الأوسط، وهى الأكثر تأثيرا على المستويين المحلى والعالمى, ومؤسسة الأهرام تملك أصولا ضخمة ومتنوعة تتجاوز قيمتها السوقية عشرات، وربما مئات المليارات من الجنيهات, وهى تقوم بإصدار ما يقرب من العشرين إصدارا متنوعا فى السياسة، والاقتصاد، والمنوعات، والرياضة، والمرأة، وصحيفة باللغة الإنجليزية، وأخرى بالفرنسية, ولديها مواقع، إلكترونية مهمة، ومتميزة فى مختلف المجالات وتمتلك جامعة حديثة ومتطورة هى جامعة الأهرام الكندية. كل هذه الإمكانات الضخمة تحتاج إلى نوعية مختلفة فى التعامل معها فى إطار من توفير الإمكانات اللازمة لسد الفجوة بين الإيرادات والمصروفات, وتوفير ما يلزم لاحتياجات التشغيل, فلا إنتاج دون تشغيل, ولا إيرادات دون إنتاج, وبالتالى فإن حل مشكلات التشغيل والإنتاج لا يقل أهمية عن توفير احتياجات الأجور والرواتب. لحسن الحظ أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يؤمن بأهمية دور الصحافة والإعلام، وهو ما يجعل من التوصل إلى رؤية لحل المشكلات القائمة سهلا وممكنا، فلا يكاد يخلو لقاء للرئيس من تأكيده أهمية دور الصحافة والإعلام. على الجانب المقابل لا بد أن يسهم أصحاب الشأن انفسهم فى حل مشكلاتهم من خلال المزيد من العمل والإنتاج، والتحلى بروح المسئولية، والصبر من أجل تجاوز العثرات الحالية، وحتى تعود الصحافة المصرية مزدهرة وقوية كما كانت وأفضل إن شاء الله. لمزيد من مقالات بقلم عبدالمحسن سلامة