سجلت العسكرية المصرية فى مثل هذه الأيام » العاشر من رمضان » منذ 45 عاما انتصارا أبهر العالم فى معركة الأرض والكرامة، حيث جسدت تلك الذكرى قوة الإرادة وحكمة القرار، فضلا عن إظهار قدرة الشعب فى الالتفاف حول قيادته وقواته المسلحة بعقيدة ثابتة، كما أثبتت حرب العاشر من رمضان عزيمة الجنود والضباط على أن يصلوا الليل بالنهار فى تدريبات شاقة خلال صوم رمضان لأنجاز المهمة التى طال إنتظارها، وتكللت جهودهم بنصر من الله كمكافأة تحققت لهم فى شهر رمضان المبارك، حيث تم ردع ما سمى بالجيش الذى لايقهر، وتحطيم أكبر ساتر ترابى فى العالم وهو خط بارليف الممتد بطول قناة السويس مسافة تصل إلى 160 كيلو مترا من الرمال على هيئة جبل يمتد من بورسعيد شمالا وحتى السويس جنوبا على الضفة الشرقية للقناة. وبمناسبة مواكبة تلك الذكرى العطرة نسرد أهم ما جاء على لسان الخبراء والقادة السابقين عن حرب العاشر من رمضان عام 1973 كأهم حدث فى تاريخ مصر بالقرن العشرين، وأول نصر عسكرى مصرى تدرسه المعاهد والأكاديميات العسكرية فى أنحاء العالم حتى يومنا هذا فى السطور التالية. فى البداية يسرد اللواء عبدالمنعم سعيد أحد أبطال حرب أكتوبر رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة سابقا بعض ذكرياته عن بطولات الجيش المصرى فى حرب العاشر من رمضان مؤكدا أن معجزة أكتوبر كانت فى المقاتل المصري، لأن المفاجأة كانت فى هذا المقاتل لأنه قاتل بسلاح أقل حداثة تطوراً بمقارنته بالسلاح الأمريكى الذى كانت تقاتل به إسرائيل، ولكن تصميم المقاتل المصرى على أن يحرر أرضه ويستعيد كرامته جعله يعبر ويقتحم ويدمر خط بارليف تدميراً شاملاً بعدما اعتبروه خطاً منيعاً ضد أى قوات معتدية حتى حطمه المقاتل المصرى فى 6 ساعات. ومن هنا كان المقاتل المصرى مفخرة للأمة العربية كلها لتاريخ العسكرية المصرية التى تملك تاريخا يعبر عن سبعة ألاف سنة، وخمسة آلاف قبل الميلاد، وألفين بعد الميلاد.. وهيئة البحوث فى القوات المسلحة لها دراسة عن تاريخ مصر العسكرى وكيف كان الجندى المصرى يدافع عن أرضه التى هى عنده كالعرض حتى الانتكاسات التى حدثت، لكن ميزة الإنسان المصرى أنه يعبرها بسرعة ويعيد لنفسه كرامتها ويصمم على أن يمحو آثار هذه الانتكاسة تماماً كما حدث فى عام 1967. ويضيف عبد المنعم سعيد قائلا: أن يوم العاشر من رمضان كان يوافق فى ذلك العام يوم » كيبور« وهو احد أعياد إسرائيل وهو عيد الغفران، وقد اعلنت مصر وسوريا وقتها الحرب على إسرائيل فى هذا اليوم وفقا لدراسة على ضوء الموقف العسكرى للعدو واستعدادات القوات المصرية، وفكرة العملية الهجومية المخططة، والمواصفات الفنية لقناة السويس من حيث المد والجزر، بعدما تمت دراسة كل شهور السنة لاختيار أفضل الشهور لاقتحام القناة على ضوء حالة المد والجزر وسرعة التيار واتجاهه، واشتملت الدراسة أيضا على جميع العطلات الرسمية فى إسرائيل بخلاف يوم السبت وهو يوم الإجازة الأسبوعية عندهم، حيث تكون القوات المعادية أقل استعداداً للحرب، وتمت دراسة تأثير كل عطلة على اجراءات التعبئة فى إسرائيل، ووجد ان لإسرائيل وسائل مختلفة لاستدعاء الاحتياطى بوسائل غير علنية ووسائل علنية تكون بإذاعة كلمات أو جمل رمزية عن طريق الإذاعة والتليفزيون، وكان »يوم كيبور« هو اليوم الوحيد خلال العام الذى تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد هذا العيد اى ان استدعاء قوات الاحتياط بالطريقة العلنية السريعة غير متاحة، وبالتالى يستخدمون وسائل أخرى تتطلب وقتا أطول لتنفيذ تعبئة الاحتياطى، وتم الاتفاق على ساعة الصفر فى العاشر من رمضان 1973. ويسترسل فى الحديث قائلاً: لقد تم اختيار عام 73 بالتحديد لوصول معلومات تفصيلية الى القيادة المصرية آنذاك بأن إسرائيل بعقد اتفاقيات على عقود التسليح وعن الاسلحة ونوعياتها التى سوف تصلها فى عام 74 لذلك فإن الانتظار الى ما بعد عام 73 سوف يعرض القوات المصرية إلى مفاجآت قد تكلفهم جهودا وتكاليف أكثر . ويؤكد اللواء عبد المنعم سعيد أن حرب العاشر من رمضان هى إحدى جولات الصراع العربى الإسرائيلي، التى لا يدرك قيمتها إلا من عاصر حرب يونيو1967، حيث استمرت إسرائيل فى الادعاء بقدرتها على التصدى لأى محاولة عربية لتحرير الأرض المحتلة، وأسهمت الآلة الإعلامية الغربية فى تدعيم هذه الادعاءات بإلقاء الضوء على قوة التحصينات الإسرائيلية فى خط بارليف وأنابيب النابالم الكفيلة بتحويل سطح القناة إلى كتلة نيران تحرق أجساد الجنود المصريين. وقد قام الرئيس السادات بالتصديق على الخطة فى يوم الاول من اكتوبر -الخامس من رمضان - وذلك فى اجتماع استمر 10 ساعات للرئيس مع قرابة 20 ضابطا من قيادات القوات المسلحة . وفى الثانية وخمس دقائق من بعد ظهر يوم العاشر من رمضان (السادس من أكتوبر) انطلقت أكثر من 220 طائرة الى سيناء لتعبر قناة السويس فى توقيت واحد متجهة صوب أهدافها المحددة وكان لكل تشكيل جوى أهدافه وسرعته وارتفاعه ونفذت ضربة جوية مركزة وقوية حققت أقل من الخسائر المتوقعة لها بعدما أصابت مواقع العدو اصابات مباشرة وعادت جميع الطائرات عدا طائرة واحدة استشهد قائدها، ونجحت ضربة الطائرات نجاحا كاملا ومذهلا وفتحت أبواب النصر، حيث أدت إلى ارتباك القوات الاسرائيلية بعد تحطيم مراكز القيادة والسيطرة لديها، وأيضا تحطيم مواقع التشويش الاليكترونى والمطارات. كما دمرت عشرات المواقع لمدفعيات العدو وراداراته ومراكز التوجيه والانذار فضلا عن تدمير العديد من المناطق الادارية للعدو والتجمعات العسكرية المهمة فى سيناء. وفى الوقت نفسه الثانية ظهر العاشر من رمضان أعلنت المدفعية المصرية على طول المواجهة كسر الصمت الذى ساد الجبهة منذ أغسطس 1970 وتحول الشاطئ الشرقى للقناة الى جحيم وفوجئ العدو بأقوى جحيم للنيران تم تنفيذه فى الشرق الاوسط، وخلال عملية أطلاق النار على مواقع العدو وتحصيناته على الضفة الشرقية للقناة بدأت فرق المشاة وقوات قطاع بورسعيد العسكرى فى اقتحام قناة السويس مستخدمة نحو ألف قارب اقتحام مطاط ونحو 1500 سلمً لتسلق خط بارليف، كما انطلقت كافة طائرات السلاح الجوى المصرى فى وقت واحد لتقصف الأهداف المحددة لها داخل أراضى سيناء وفى العمق الإسرائيلي، ثم انطلق أكثر من ألفى مدفع ميدان ليدك التحصينات الإسرائيلية على الضفة الشرقية للقناة، ثم عبرت الموجة الأولى من الجنود المصريين وعددها 8000 جندى، ثم توالت موجتى العبور الثانية والثالثة ليصل عدد القوات المصرية على الضفة الشرقية بحلول الليل إلى 60000 جندى، فى الوقت الذى كان فيه سلاح المهندسين المصرى يفتح ثغرات فى الساتر الترابى باستخدام خراطيم مياه شديدة الدفع، وبعد 8 ساعات من القتال تم فتح 60 ممرا فى الساتر الترابى على القناة وإنشاء 8 كبارى ثقيلة وبناء 4 كبارى خفيفة وبناء وتشغيل 30 معدية. وسقط فى ست ساعات هذا الخط الأسطورة الذى أشاعت إسرائيل عنه أنه لا يقهر إلا باستخدام قنبلة ذرية، وفشلت إسرائيل فى استيعاب الضربة المصرية السورية المزدوجة وأطلقت جولدا مائير فى الثامن من أكتوبر ندائها الشهير للعالم« انقذوا إسرائيل« ولأول مرة تظهر صور الأسرى الإسرائيليين فى وسائل الإعلام العالمية ليثبت أن الجندى المصرى قادر على صنع النصر. وفى سياق متصل يقول اللواء طيار سمير عزيز مخائيل قائد سرب فى أثناء حرب اكتوبر إن زملائى كانوا صائمين، وجاء أمر لكى يفطروا لأن الحرب سوف تبدأ الساعة 2 ظهرا، ومن المعروف ان الطيران يتطلب بذل مجهود شاق، ولكن زملائى أصروا على إكمال صيامهم، ووقتها كنت المسئول عن تشكيل مكون من 4 طائرات، وتمثلت مهمتى فى حماية كل الطائرات المتجهه إلى سيناء من الاسماعيلية إلى بورسعيد شمالاً . ويشير الطيار سمير عزيز إلى إنه فى الوقت الذى كان قائدا لإحدى الطائرات حلق بصحبة ثلاث طائرات أخرى على إرتفاع 5 كيلومترات لكى يرى طائرات العدو بوضوح ليبدأ بمهاجمتها أولا، وأوضح إنه قام مع زملائه بعمل مظلة جوية فوق القناة من بورسعيد إلى الإسماعيلية، وعادات كل طائرتنا إلى المطار سالمة، وحققنا نتائج تصل إلى 95% مع العلم بأن روسيا كانت تتوقع أن نحقق نتائج من 50 إلى 60 % وكان من المفترض أن نقوم بطلعة ثانية الساعة 4 ولكن تم الغاؤها بسبب نجاح الطلعة الأولى . وأكد الطيار سمير عزيز إن الجندى الذى يحارب فى أى موقع من أجل مصر كانت معنوياته مرتفعه، وكان الجميع يرغب بالمشاركة فى الطلعات الجوية. وفى الوقت الذى أعرب فيه الطيار سمير عزيز عن إستيائه بسبب إرسال الأسلحة الدفاعية فقط لنا من روسيا فى أوقات سابقة، إلا إنه عاد ليعبر عن سعادته فى الوقت الراهن بعد إمتلاكنا لطائرات إف 16 الأمريكية، وطائرات الرفال الفرنسية وهى طائرات هجومية تستطيع الوصول لمسافات بعيدة، لأن طائرات ميج 21 التى كانت تستخدم فى حرب اكتوبر كان مداها قصيرا جدا، وبالتالى نجد أن الأسلحة الهجومية الحديثة مداها أطول وعن طريقها يمكن الوصول للعدو فى أى مكان والتعامل معه،وعلى سبيل المثال فإن طائرات الرافال تعتبر قلعة متحركة فى السماء، والطائرة الواحدة منها توازى 8 طائرات طراز ميج 21 ولديها القدرة على السيطرة الجوية. اما الطائرة من طراز إف 16 فهى مقاتلة حديثة جدا وتستطيع أن تتصدى لأى هجوم من طائرات العدو على بلادنا . وأختتم اللواء طيار سمير عزيز حديثه بالإشارة إلى ان امتلاك مصر للاسلحة والمعدات الحديثة حاليا جعلنا فى تصنيف عالمى متقدم، حيث كنا نحتل المرتبة رقم 13 فى تصنيف الدول المتقدمة عسكريا، وأصبحنا الان فى المرتبة رقم 10 بعد امتلاكنا الأسلحة الحديثة. وأخيرا .. يظل نصر العاشر من رمضان الموافق يوم 6 أكتوبر عام 1973 عنوانا رئيسيا فى التاريخ، ورمزا تقتدى به الأجيال، وتبقى الصيحة المدوية » الله أكبر » التى انطلقت من ألسنة جنود مصر الصائمين قائمة تلقن درساً قاسياً لكل من تسول له نفسه المساس بأمن أو استقرار شعب مصر الأبى، كما ينبغى أن نذكر بكل فخر بسالة مصابى تلك الحرب، وأن نترحم على شهدائها، ومهما تمر السنون على تلك الذكرى العطرة تبقى كلمة الرئيس الراحل أنور السادات التى قال فيها : » إن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلا بالفحص والدرس أمام عملية السادس من أكتوبر » لغزا وكلمة سر لن يعرفها أحد من خارج هذا الوطن .