العشري: طرح رخص جديدة للبليت خطوة استراتيجية لتنظيم سوق الحديد ودعم مصانع الدرفلة    استشهاد الصحفي الفلسطيني بلال الحاطوم في غزة    لا ينتظر كثيرًا.. الأهلي يبدأ طريق البطولات النسائية في الموسم الأول    موناكو يخطط لضربة هجومية من قلب برشلونة    الترجي التونسي يحصد برونزية بطولة أبطال الكؤوس الأفريقية لكرة اليد    بيراميدز يختتم تدريباته في بريتوريا استعدادا لمواجهة صن داونز في نهائي دوري أبطال إفريقيا    بالصور| السيطرة على حريق هائل داخل سوبر ماركت بموقف إدكو الجديد بالبحيرة    الوصول إلى عرق الذهب مارد يوسف إدريس وفن التنقيب القصصى    تراجع أسهم وول ستريت والأسواق الأوروبية وأبل عقب أحدث تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية    محافظ البحيرة: إزالة 16 حالة تعدي على أملاك الدولة بالموجة ال 26    «المشاط» تلتقي رئيس المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة لبحث سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين    من مصر إلى إفريقيا.. بعثات تجارية تفتح آفاق التعاون الاقتصادي    كم تبلغ قيمة جوائز كأس العرب 2025؟    انطلاق امتحانات العام الجامعي 2024–2025 بجامعة قناة السويس    ضبط كيان صناعي مخالف بالباجور وتحريز 11 طن أسمدة ومخصبات زراعية مغشوشة    عاجل|بوتين: مستقبل صناعة السلاح الروسية واعد.. واهتمام عالمي متزايد بتجربتنا العسكرية    مستشفى الحوض المرصود يطلق يوما علميآ بمشاركة 200 طبيب.. و5 عيادات تجميلية جديدة    رئيس "التنظيم والإدارة" يبحث مع "القومي للطفولة" تعزيز التعاون    أمين اتحاد دول حوض النيل يدعو للاستثمار في أفريقيا |خاص    بين الفرص والمخاطر| هل الدعم النفسي بالذكاء الاصطناعي آمن؟    القاهرة 36 درجة.. الأرصاد تحذر من موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد غدًا    مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة: لا عودة للمستشفيات دون ضمانات أممية    مروة ناجي تُجسد «الست» في عرض بصري مبهر يعيد سحر أم كلثوم للقاهرة    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    حزب الإصلاح والنهضة: نؤيد استقرار النظام النيابي وندعو لتعزيز العدالة في الانتخابات المقبلة    إيفاد قافلتين طبيتين لمرضى الغسيل الكلوي في جيبوتي    تقديم الخدمة الطبية ل 1460 مواطنًا وتحويل 3 حالات للمستشفيات بدمياط    ندوة توعوية موسعة لهيئة التأمين الصحي الشامل مع القطاع الطبي الخاص بأسوان    أحمد غزي يروج لشخصيته في مسلسل مملكة الحرير    جوارديولا: مواجهة فولهام معقدة.. وهدفنا حسم التأهل الأوروبى    البريد المصري يحذر المواطنين من حملات احتيال إلكترونية جديدة    "نجوم الساحل" يتذيل شباك التذاكر    "طلعت من التورتة".. 25 صورة من حفل عيد ميلاد اسماء جلال    قصور الثقافة تعرض مسرحية تك تك بوم على مسرح الأنفوشي    بينها عيد الأضحى 2025.. 13 يوما إجازة تنتظر الموظفين الشهر المقبل (تفاصيل)    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    ضبط مدير مسئول عن شركة إنتاج فنى "بدون ترخيص" بالجيزة    ننشر مواصفات امتحان العلوم للصف السادس الابتدائي الترم الثاني    ضمن رؤية مصر 2030.. تفاصيل مشاركة جامعة العريش بالندوة التثقيفية المجمعة لجامعات أقليم القناة وسيناء (صور)    بدون خبرة.. "الكهرباء" تُعلن عن تعيينات جديدة -(تفاصيل)    محافظ الجيزة: الانتهاء من إعداد المخططات الاستراتيجية العامة ل11 مدينة و160 قرية    وزير الزراعة يعلن توريد 3.2 مليون طن من القمح المحلي    أسعار الحديد والأسمنت اليوم فى مصر 23-5-2025    شرطة الاحتلال تعتقل 4 متظاهرين ضد الحكومة بسبب فشل إتمام صفقة المحتجزين    "بئر غرس" بالمدينة المنورة.. ماء أحبه الرسول الكريم وأوصى أن يُغسَّل منه    غلق كلي لطريق الواحات بسبب أعمال كوبري زويل.. وتحويلات مرورية لمدة يومين    الدوري الإيطالي.. كونتي يقترب من تحقيق إنجاز تاريخي مع نابولي    صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج من «بي بي سي»    ضبط 379 قضية مخدرات وتنفيذ 88 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    رمضان يدفع الملايين.. تسوية قضائية بين الفنان وMBC    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    برلين تنتقد تباطؤ إسرائيل في إيصال المساعدات إلى غزة: لا ينبغي لأحد أن يتجاهل المعاناة الهائلة في غزة    مصادر عسكرية يمينة: مقتل وإصابة العشرات فى انفجارات في صنعاء وسط تكتّم الحوثيين    زلزال بقوة 6.3 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    القنوات الناقلة مباشر ل مباراة الأهلي ضد وادي دجلة في نهائي كأس مصر للكرة النسائية    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطر بين انسحاب الكبار ومغامرات الصغار
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 06 - 2017

منذ سنوات ونحن نتحدث عن منظومة جديدة يجرى الإعداد لها في العالم العربى بحيث تسير بخطى ثابتة تضع في نهايتها قواعد لعبة جديدة بحيث تنسحب الأصول وتظهر الأطراف
وبمعنى آخر تقفز الهوامش إلى المقدمة وتنسحب المتون إلى الخلف وما بين تهميش المتون وتكبير الهوامش دارت المعركة وقد ظهرت آثارها بوضوح شديد في حالة الانقسام والانهيارات التى أصابت عواصم عربية تخلت عن دورها وسقطت في صراعات ومعارك أهلية دمرت كل شىء فيها..منذ سنوات كتبت مقالا كان عنوانه «بين المتن والهوامش» حذرت فيه من مؤامرة كبرى لتصغير الكبار وتكبير الصغار وكان الهدف من ذلك ضرب الأدوار الكبرى في المنطقة, ويبدو أن الخطة حققت الكثير من أهدافها..لم يكن غريبا أن إمارة صغيرة مثل قطر مساحة وسكانا ودورا تتجه إليها الأنظار الآن وقد كانت سببا في إرباك المشهد العربى وتغيير الكثير من الحسابات والمواقف بحيث تحولت هذه الإمارة الصغيرة إلى واحدة من اخطر المناطق في العالم العربى التى تصدر للجميع كل وسائل الانقسام والانهيار والفوضى في بغداد ودمشق وصنعاء وبنغازى..
لم يكن احد يعلم شيئا عن دويلة قطر فهى تقع في أحضان دول الخليج ما بين الإمارات والسعودية ومن حيث عدد السكان فان سكانها لا يزيدون على سكان احد الأحياء الفقيرة في أي عاصمة عربية..وللإنصاف فإن الشعب القطرى شعب مسالم ومجامل ويقدر أشقاءه في كل مكان..كانت مصادفة غريبة أن يعرف الإنسان العربى قطر من خلال اسم مجلة ثقافية شهيرة هى «الدوحة» حين رأس تحريرها الكاتب المصرى القدير رجاء النقاش وأصبحت الدوحة المجلة أشهر من قطر الدويلة ويومها شاركت نخبة من الصحفيين المصريين في إنشاء الصحافة القطرية كان منهم عثمان أبو زيد وصلاح الدين حافظ ومحفوظ الانصارى وحسن توفيق.. وحتى عهد قريب كان المثقفون العرب يلتفون حول المجلة بعد أن حققت شهرة مدوية في الثقافة العربية، حتى هذا التاريخ لم تكن هناك أطماع سياسية للدولة القطرية وكانت تعيش فيما يشبه العزلة واكتفت بأن تكون عضوا في مجلس التعاون الخليجى في ظل حماية مشتركة ما بين السعودية والإمارات وكميات الغاز التى تتدفق كل يوم على أرضها ووصلت إلى مائة مليار دولار لشعب لا يزيد تعداده على بضعة آلاف من البشر حتى أن الشيخ زايد كبير الإمارات رحمة الله عليه قال يوما إن احد فنادق القاهرة يمكن أن يستوعب كل الشعب القطرى..
منذ سنوات بدأ الغرب، وعلى رأسه الإدارة الأمريكية، يروج لشعار جديد أن من حق الدول الصغيرة أن تتصدر المشهد وأن تكون على رأس القائمة وأن أسطورة الدول الكبرى وفى مقدمتها مصر والسعودية ليس من حقهما فرض أى نوع من أنواع الوصاية الدينية ممثلة في السعودية أو الوصاية السياسية ممثلة في مصر.. هنا انطلقت أحلام الأسرة الحاكمة في قطر وقد شجعها على ذلك علاقة خاصة جدا مع أمريكا بحيث أقامت اكبر قواعدها العسكرية في العالم على ارض قطر وفى قلب الخليج العربى وشجعها أيضا على أن تلبس هذا الدور ثروة بترولية ضخمة هبطت عليها وجعلت منها واحدة من اكبر دول العالم إنتاجا للغاز.. وشجع على هذا الدور أيضا انسحاب مصر من كثير من القضايا العربية.. وأمام المال القطرى سقطت قلاع كثيرة وتوافدت حشود من أصحاب الرأى والمثقفين إلى الدوحة وساعد على ذلك كله إنشاء قناة الجزيرة التى أصبحت بوقا من أهم أبواق الأسرة القطرية الحاكمة بل إنها تحولت إلى أداة تخريب وفوضى ابتداء بدورها في الاحتلال الأمريكى للعراق وافغانستان وانتهاء بما شهدته سوريا وليبيا من حروب أهلية بين أبناء الوطن الواحد ثم كانت أخر خطاياها في دعم خلايا الإرهاب على مستوى العالم..
الدعم الأمريكى بما فيه القاعدة العسكرية الضخمة التى تحول إلى مصدر حماية للعائلة الحاكمة وملايين الدولارات تحولت إلى وسائل مكشوفة لشراء القوى المختلفة في العالم العربى سواء الدينية أو السياسية أو حتى الثقافية..هنا بدأ نجم قطر الدولة الصغيرة يتجاوز حدود الوطن والدور والموقع حتى إنها حصلت على حق إقامة مباريات كأس العالم في 2022 في صفقة لا احد يعرف حتى الآن كيف تمت ومن كان وراءها وكم دفعت قطر فيها من الأموال..
في كثير من القضايا العربية المهمة وجدنا صوت قطر يرتفع حدث هذا في الأزمة اللبنانية رغم وجود دول مثل السعودية وسوريا في ذلك الوقت في الأراضي اللبنانية واقتحمت قطر حدود غزة وشاركت في إشعال الفتن بين حماس وفتح وقدمت دعما ماليا كبيرا لقادة حماس..ودخلت قطر بقوة في أحداث دارفور في السودان وكانت المعارضة في دارفور شبه مقيمة في فنادق الدوحة..وبعد ذلك كانت هناك علاقات خاصة بين الدوحة وتل أبيب رغم كل ما كان يقال عن القضية الفلسطينية من وراء ستار..استطاعت قطر أن تقفز إلى أكثر من بلد عربى وتمد الكثير من الجسور مع تيارات سياسية معارضة..وعلى المستوى الاقتصادى قامت بشراء عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية الدولية في انجلترا وفرنسا وأمريكا وألمانيا وأصبح لديها واحدة من اكبر المؤسسات الاستثمارية في العالم..كان من الممكن أن تتوقف أحلام قطر والعائلة الحاكمة عند هذا القدر من الطموحات ولكن الأطماع زادت وتحولت إلى وسائل إجرامية تسعى للتخلص من نظم سياسية قائمة بل إن الحساسيات القبلية القديمة تفجرت مرة أخرى بين العائلة الحاكمة وحكومات دول الخليج حين حاولت قطر التدخل في شئون هذه الدول..
في المشهد الأخير من هذه المسرحية أفصح حاكم قطر وأميرها الصغير عن أطماع تجاوزت كل الحدود..لقد انفق أموالا ضخمة في تمويل الإرهاب بكل مصادره وساعد حشود المعارضة في سوريا.. وكان وراء اغتيال القذافى ولم يتردد في مساعدة الحوثيين في اليمن وأقام قلعة لحشود الإخوان المسلمين في الدوحة وقدم لهم ملايين الدولارات في تركيا ولندن وعواصم أخرى وبعد كل هذه الأعمال لم يتردد في أن يعلن أمام العرب جميعا عن علاقات قوية تربط بينه وبين إيران..وإسرائيل، وهنا ألقى الأمير الشاب بقفازه في وجه العرب جميعا معتقدا أن القاعدة الأمريكية هى مصدر الحماية والأمان..
كل هذا المسلسل كان نتيجة دعوة انطلقت يوما في سراديب الإدارة الأمريكية إن المستقبل للهوامش وعلى المتون أن تختفى خلف سحابات الزمن والتاريخ..هذه الدعوة أطلقتها أمريكا وصدقها الأمير الشاب فلم يتردد في أن يعلن العصيان على دول الخليج وهو في القلب منها..أن يعلن تضامنه مع الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية ويدعمها بالمال والسلاح..أن يلجأ إلى تقديم الدعم المالى لكل القوى المعارضة في المنطقة وأن يهدد الجميع بعلاقات مع إيران واسرائيل..
إن جميع هذه الأخطاء التى ارتكبها الأمير الشاب ليست خطيئته وحده ولكنها مسلسل طويل من الخطايا حين فرط الكبار في أدوارهم وتركوا شابا مغامرا يخلط كل الأوراق ويأخذ أدوارا ليست من حقه ولا من حجم بلده ولا تليق بمستقبل امة يعبث فيها الصغار..إن يد الأمير الشاب امتدت إلى لبنان بكل تراثه الحضارى والتاريخى وامتدت إلى قضية العرب الأولى فلسطين التى سال على ترابها الدم العربى وامتدت إلى إشعال الحرب الأهلية في سوريا وليبيا واليمن والعراق وتجنيد الإخوان المسلمين لتدمير دول الخليج وتقسيم الشارع المصرى هل يعقل أن يشعل المال القطرى كل هذه الحرائق وهل يمكن أن ينجح شاب طائش في إشعال المنطقة بهذه الصورة لولا أن هناك من يخطط له ومن يحميه ومن يرسم له الأدوار..
إن الخطأ الأكبر فيما نراه الآن على المسرح العربى أن أمريكا تبدو بأكثر من وجه ورغم العلاقات المميزة بينها وبين دول الخليج وفى مقدمتها السعودية والإمارات إلا إنها تركت هذا الجزء الفاسد يعبث في الجسد ويشوه كل شىء فيه..
لا يمكن أن نتجاهل أخطاء الدول الكبيرة التى فرطت في أدوارها والمنطقة تواجه أزمات الانقسامات والصراعات التى استغلتها العائلة القطرية الحاكمة كما حدث في إشعال الفتن في سوريا والعراق وليبيا ولبنان وغزة والسودان، إن قطر بحكم الإمكانيات والظروف غير مؤهلة لأن تقوم بهذه الأدوار التى جعلتها أداة لتدمير العرب من الداخل..من كان يصدق أن تكون قطر وراء الانقسامات والحروب وحشود الإرهاب التى اجتاحت العالم العربى في السنوات الأخيرة..
الخلاصة عندى..إن الشعب القطرى لا علاقة له بما يجرى من خطايا وأخطاء العائلة الحاكمة لأن الشعب مغلوب على أمره ويكفى أن يشاهد كل يوم أسراب الطائرات الأمريكية وهى تحلق صباحا ومساء في سماء الدوحة بينما تسبح ناقلات الجنود والغواصات والسفن الحربية على الشواطئ..إن ما يجرى الآن حصيلة مؤامرات تم رسمها منذ سنوات حين بدأ الحديث عن المتن والهوامش وكيف بدأ السوس ينخر في عظام هذه الأمة وكانت الحصيلة ملايين القتلى..وبلايين الدولارات..وانقسامات في أكثر من دولة وانهار من الدماء تدفقت في عواصم عربية لا احد يعرف متى تستعيد شعوبها المهاجرة..إن المؤامرة اكبر بكثير من أمير شاب تنقصه التجربة والخبرة فهو ليس أكثر من أداة أشعلت النيران وبقيت الرؤوس بعيدة تجنى الثمار حتى ولو كانت من دماء الشعوب..
إن قطر ليست أكثر من العرائس المتحركة في لعبة كبرى رسمتها القوى الكبرى منذ زمن بعيد وما نشهده الآن هو نتاج خطة جهنمية يجنى العرب الآن ثمارها المرة في تمزيق وحدة الشعوب العربية وقد تحولت إلى شظايا..حين اختفت أدوار الكبار قفز الصغار على المسرح وكانت الكارثة، وحين فرط الكبار في أدوارهم وتركوا الساحة خالية لمغامرات الصغار كان من السهل أن تعم الفوضى وتتدفق حشود الإرهاب وتعيش الأمة أسوأ مراحل تاريخها ما بين الدم والقتل والدمار.
..ويبقى الشعر
ياعَاشقَ الصُّبح وجهُ الشَّمْس ينشطِرُ
وأنجُمُ العُمْر خلفَ الأفق تنتحِرُ
نهفُو إلى الحُلم يَحْبُو فى جَوانِحِنا
حَتَّى إذا شبَّ يكْبُو..ثم يندثرُ
يَنْسابُ فى العَيْن ضوءًا..ثم نلمحُهُ
نهرا من النار فى الأعماق يستعرُ
عمرٌ من الحُزْن قدْ ضَاعتْ ملامحهُ
وشرَّدتْهُ المنى واليأسُ..والضَّجرُ
مَازلت أمْضِى وسرْبُ العُمْر يتبعُنى
وكلَّما أشْتدَّ حلمٌ..عَادَ ينكسرُ
فى الحُلم مَوتى..مَعَ الجلادِ مقصَلتِى
وَبينَ مَوْتى وحُلمى..ينْزفُ العمُرُ
إن يَحْكم الجهلُ أرضًا كيفَ ينقذهَا
خيط من النُّور وسْط الليل ينحسرُ؟
لن يَطلعَ الفجرُ يومًا من حناجرنَا
ولن يصونَ الحمى منْ بالحمَى غدرُوا
لن يكْسرَ القيدَ مَنْ لانتْ عزائمُهُ
ولنْ ينالَ العُلا..مَنْ شلهُ الحذرُ
***
ذئبٌ قبيحٌ يُصلِّى فى مَسَاجدنَا
وفوْق أقْدَاسِنَا يزهُو..ويفتخِرُ
قدْ كانَ يَمْشى على الأشْلاءِ مُنتشيًا
وَحَوْله عُصْبة ُ الجُرذان تأتمرُ
من أينَ تأتى لوجهِ القُبْح مكْرمة ٌ
وأنهرُ الملح هل يَنْمو بها الشَّجَرُ؟
القاتلُ الوغْدُ لا تحميهِ مسْبَحة
حتى إذا قامَ وسْط البيتِ يعتمرُ
كمْ جاءَ يسْعَى وفى كفيه مقصلة ُ
وخنْجَرُ الغدر فى جنبيهِ يستترُ
فى صفقةِ العمْر جلادٌ وسيِّدُهُ
وأمَّة فى مزادِ المْوتِ تنتحِرُ
يَعْقوبُ لا تبتئسْ..فالذئْبُ نعْرفُه
منْ دمِّ يوسُف كل الأهْل قدْ سكرُوا
أسماءُ تبْكى أمامَ البيتِ فى ألم ٍ
وابنُ الزُّبير على الأعْناق ِ يحتضرُ
أكادُ ألمحُ خلفَ الغيْبِ كارثة ً
وبحرَ دَمِّ على الأشلاءِ يَنْهَمرُ
يومًا سيحْكى هنا عَنْ أمَّة هلكتْ
لم يبْق من أرْضِها زرعٌ..ولا ثمرُ
حقتْ عليْهم مِنَ الرَّحْمن لعنتُهُ
فعِنْدَما زادَهم من فضْلِه..فجَرُوا
يا فارسَ الشِّعر قل للشِّعر معذرة ً
لنْ يسْمَعَ الشِّعرَ منْ بالوحْى قدْ كفرًوا
واكتبْ على القبْر : هذى أمَّة رَحَلتْ
لم يبق من أهْلها ذكرٌ..ولا أثرُ
***

من قصيدة «كانت لنا أوطان» سنة 1997
[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها: فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.