استضافت مدينة «جنيف» السويسرية مهرجانها العشرين المستقل لفنون الحكى تحت عنوان «ساحة الحكايات». شارك فيه نحو خمسة وخمسين حكاء قدموا أربع وأربعين حكاية بالفرنسية والإنجليزية من سويسرا وفرنسا واليونان والمغرب العربي، منها خمسة عشر عرضًا للجمهور فوق 12 عامًا، وثمانية عشر عرضًا لمن هم أقل من ذلك، فضلًا عن عشرة عروض مجانية تم تقديمها فى بعض المقاهى والمراكز الثقافية المستقلة على مدار تسعة أيام. تناول عرض الافتتاح حياة الكاتبة الرحالة «إيزابيل إيبرهارت» (1877-1904)، وذلك فى إطار سلسلة حكايات «بطلاتنا» عن النساء القويات المنسيات، لإعادة إحياء ذكرى شخصية فريدة فى المشهد الأدبى السويسري، أنجزت الكثير وماتت قبل أن تكمل عامها السابع والعشرين. ولدت «إيزابيل» فى «جنيف» من أم روسية وأب أرميني، ليتم تسجيلها كلقيطة قبل أن تحمل اسم جدتها لوالدها. بوفاة الجدة التى كفلتها، ولصعوبة وضعها الاجتماعي، سافرت «إيزابيل» التى تعلمت العربية والتركية بصحبة أمها لعدة أشهر إلى الجزائر بعد أن سبقها أخواها إلى هناك. فى الجزائر، اعتنقت الإسلام واتخذت من اسم «محمود سعدي» هوية لتستطيع التحرك بسهولة، ووصلت إلى عمق الصحراء الجزائرية مرتدية «عباءة» الفرسان، وعاشت فى ركاب شيخ الطريقة القادرية الصوفية وانتقلت مع رجاله من الصحراء، إلى الزاوية، وحتى باريس. عاشت «إيزابيل» متنقلة كالبدو الرحل بين أرجاء الجزائر لتكتب وتنام تحت النجوم المتلألئة، متجولة بين الكثبان الرملية التى لم تنج من لطمات هبوب رياحها عندما تم اتهامها بالتجسس لصالح الألمان، والفرنسيين، والإنجليز فى الوقت ذاته، وهو ما تسبب فى نفيها إلى مرسيليا قبل أن تتزوج فيها من الجندى «سليمان» وتحصل على الجنسية الفرنسية وتعود معه إلى الجزائر. انتهت حياة «إيزابيل» عندما هدمت السيول بيتها الطينى فى «عين الصفراء» جنوب غربى الجزائر بالقرب من زاوية شيخها، وذلك بعد أن فضحت الاحتلال كأول مراسلة حرب لجريدة «الأخبار» الناطقة بالعربية والفرنسية، تحت إشراف الكاتب الفرنسى «فيكتور باريكان»، المناهض للسياسات الاستعمارية الفرنسية، وذلك قبل أن تزهد فى ذلك كله مكتفية برعاية الماشية والأغنام فى منطقة مقاومة تقع خارج سيطرة المحتل الذى لم تتعاون معه يومًا. استمر العمل على نص حكاية «إيزابيل» عامين، بالتعاون بين أربعة من النسويات السويسريات، حيث قدمته وشاركت فى كتابته الناشطة السياسية والحكاءة «كاثرين جيلارد»، بالتعاون مع الشاعرة والكاتبة -من أصل مغربي- «لمياء دورنر»، بينما كان الإخراج الفنى ل «مانون بولفر»، والإضاءة ل «دوروثى ليبرون». تقول «كاترين»، التى قدمت العرض على مدار ما يزيد عن الساعة: «منذ 2008، وأنا أتتبع خيوط سيرة «إيزابيل» حتى التقيت «لمياء» ووجدنا الفرصة سانحة لاستعراض سعى «إيزابيل» فى بحثها عن الحرية، ودفاعها عن حقوق الآخرين، وكذلك علاقتها و«سليمان» الذى منحها حبًا وجنسية وتفهمًا ومالًا للإنفاق على الفقراء على الرغم من محدودية دخله. ويبدو ملائمًا لامرأة استثنائية خطفها الموت فى سن مبكرة بعدما تركت عدة كتب ومخطوطات، ليوارى جسدها فى تراب الجزائر حيث يحمل شاهد قبرها اسمى «سى محمود سعدي» بالعربية، و«إيزابيل إيبرهارت» بالفرنسية. الرجل القادم من الصحراء تضمن مهرجان «ساحة الحكي» عرضين للكاتب والحكاء الفرنسى –من أصل مغربي- «حامد بوزين»، أولهما: «رحلات عبر حيوات متعددة» لجمهور يبدأ من سن السادسة، وثانيهما: من سن الثانية عشرة، وهو «جزء من ملحمة للطوارق»، حيث ينتمى «بو زين» المولود عام 1962 فى إحدى الواحات الصغيرة فى الصحراء المغربية لإحدى قبائل البربر «آيت أو موسى» حيث «الأمازيغ» أو الرجال الأحرار، الذى أخذ «بو زين» على عاتقه نقل تراثهم الشفهى من ملاحم وقصص تغنى بها الرواة، مازجًا ذلك كله بقصص «شهرزاد» و»السندباد» ورحلات «عوليس» وأنغام مطربى موسيقى «البلوز» ذات الجذور الأفريقية التى لا ينكرها أحد. يقول «بو زين»: «منذ سن الخامسة عشرة، علمتنى الصحراء التنقل بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب. فى تلك الطرق صعودًا وهبوطًا، استمعت لأعداد لا حصر لها من قصص الرجال والنساء والأطفال، وتعلمت من مرشدين وحكماء وصوفيين، واكتشفت تنوعًا ثقافيًا وأخلاقيًا، وثروة من العادات. امتزج ذلك كله مع تعلم سحر الحكى بالكلمات من فاس إلى جبال الأطلس ومنها هبوطًا إلى مراكش، ثم إلى البحر عبر الوديان، ومن المحيط إلى الصحراء، كنا نعبر على طريق من نسيج الحكايات التى حافظت على بقاء روح تلك البلاد متوثبة ووضاءة «. انتقل الشاعر المتجول «بو زين» إلى باريس عام 1970، وفى الثمانينات هجر دراسة الهندسة الإلكترونية ليصبح حكواتى الموسيقى حيث لا ينفصل السرد والحكى فى نصوصه المنشور فى عدة كتب عن الموسيقى التى يعتمد فيها على آلات تقليدية مختلفة فى كل مرة، وأكثر ما يميز أعماله هو الفكاهة المختلطة بالنصوص فى خبث فنى رائق يعكس إحكام قبضته على نصوصه وإيقاعاته التى تمتزج فيها ثقافته البربرية التقليدية وإبداعات شعراء الحضر المحدثين، حيث تعتمد أعماله على موروث شعبى من الحكايات والإيقاعات التى انتقلت إليه من أم وجد من المغرب وموريتانيا على متن قوراب وجمال قوافل وأجنحة رياح.