يجرى الان مناقشة مجموعة من القوانين الجديدة تمهيدا لاصدارها من مجلس النواب ضمن العديد من القوانين التى تصيغ اطارا قانونيا جديدا يحكم علاقات الدولة بأطراف عديدة فى المجتمع ومن بين هذه القوانين قانون العمل وقانون النقابات العمالية. وتحت ضغوط رجال الاعمال وفى اطار الاهتمام بالاستثمار المصرى والعربى والاجنبى تضمنت القوانين الجديدة انتقاصا من حقوق العمال، تلك الحقوق التى انتزعوها من الرأسماليين من خلال نضال عمالى طويل، ولا يدرك هؤلاء الذين يقفون خلف صياغة القوانين الجديدة وخاصة قوانين الاستثمار والعمل والنقابات العمالية، ان عمال مصر لديهم خبرة طويلة من أجل انتزاع حقوقهم أو الدفاع عنها. فقد ولدت الطبقة العمالية المصرية فى خضم النضال ضد الاستغلال الرأسمالي، ووعت مبكرا أهمية التضامن العمالى فى مواجهة اصحاب الأعمال الرأسماليين، كما وعت أن قوة العمال فى وحدتهم، واكتشفت مبكرا ان النقابة هى حصنها للدفاع عن حقوقهم، وارادتهم لتحسين شروط وظروف العمل سواء ما يتعلق منها بالاجور او العلاوات او التأمينات الاجتماعية والحق فى المعاش والامن الصناعى والسلامة المهنية. ولم تتأخر الطبقة العاملة المصرية الحديثة فى ادراك ان مصالحها لا يمكن ان تتحقق بشكل نهائى ما لم يمتلك العمال حزبا سياسيا قادرا على التأثير فى السلطة السياسية باعتبارها القوة التى تمسك زمام الامور فى المجتمع باصدار التشريعات وحيازة القوة المادية القادرة على اخضاع المجتمع لسلطتها والانصياع للتشريعات القائمة التى تعبر عن مصالح الطبقات التى تحوز السلطة السياسية. هكذا ناضل عمال مصر منذ اواخر القرن التاسع عشر من اجل ضمان ظروف عمل أفضل وتأسيس نقابات عمالية مستقلة تدافع عن مصالحهم، وتشكيل أحزاب سياسية تطرح برامج تلبى طموحاتهم نحو احتلال موقع قوى فى الفضاء الطبقى والسياسى فى المجتمع المدني. وقد ولدت النقابات العمالية فى مصر وتأسست الاحزاب السياسية الاشتراكية والعمالية قبل ان يعترف بها القانون وفرضت قوة العمال وتضامنهم هذه المؤسسات فى الواقع قبل ان تعترف بها السلطات القائمة وتتضمنها التشريعات المطبقة. كما نجح العمال فى انتزاع مكاسب تتعلق بالاجور وعلاقات العمل قبل ان تتضمنها التشريعات وتقننها بالفعل. وتنبه عمال مصر الى حقيقة مهمة وهى ان هذه المكاسب والمؤسسات سوف تظل فى مهب الريح وعرضة للعصف بها ما لم يتم النص عليها فى قوانين البلاد. وخاض العمال العديد من المعارك من أجل ان يتحقق لهم قانونيا حق تأسيس النقابات رغم ان هذه النقابات كانت قائمة بالفعل وتمارس نشاطا واقعيا. ورغم ان المكاسب التى انتزعوها متحققة بالفعل فى علاقات العمل فى معظم المؤسسات الصناعية اوالتجارية وغيرها فإنهم حرصوا على إصدار القوانين التى تعترف بها. فهكذا كانت احدى السمات الاساسية التى ميزت الطبقة العاملة المصرية فى تاريخها النضالى الطويل هى قدرتها على انتزاع مكاسبها وممارستها فى الواقع ثم النص عليها فى القوانين. وقد نجح العمال فى السنوات الماضية فى ممارسة أنشطة نقابية مستقلة خارج التنظيم النقابى الرسمى توجتها بتأسيس نقابة مستقلة لموظفى الضرائب العقارية ونقابة مستقلة لعمال الغزل والنسيج فى المحلة الكبرى عام 2009. وكانت ثورة 25 يناير فرصة مهمة للعمال مكنتهم من تأسيس عشرات النقابات المستقلة فى طول البلاد وعرضها وفى كل مجالات العمل. وكان قد سبق ذلك تأسيس اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية كما تأسست حركة عمال من أجل التغيير ومركز هشام مبارك للقانون، ودار الخدمات النقابية، ولجنة التضامن العمالى وغيرها من اشكال ممارسة النشاط النقابى العمالي. ولما كان العمال يدركون ان توازنات القوى التى تمكنهم من ممارسة هذا النشاط واقعيا يمكن ان تتغير فى اى وقت ويتم العصف بها، كان اهتمام نشطاء الحركة العمالية باعداد مشروع قانون جديد للنقابات العمالية يكفل تأسيس نقابات حرة تتوافق مع المعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر التزاما منها بضمان استقلال الحركة النقابية العمالية وبذلك يواصل الجيل الحالى من القادة النقابيين تراث الاجيال السابقة فى انتزاع المكاسب اولا وفرضها فى الواقع والسعى فى نفس الوقت الى النص عليها فى القوانين. ومما يميز هذه الحملة انه توافرت لها كثير من عوامل النجاح، فضلا عن توافر المعرفة الكافية بطبيعة هذه المعركة والاطلاع على التراث العالمى للنقابات الحرة والخبرة المكتسبة من صياغة رؤى جديدة فى مجالات متتعددة. وقد توافرت ايضا فى هذه الحملة القدرة على حشد وتعبئة دوائر واسعة من النشطاء السياسيين والنقابيين والاعلاميين لمساندتها مما ادى الى نجاحهم فى طرح قضيتهم على المجتمع المصرى واقناع دوائر واسعة بأهمية قيام نقابات عمالية حرة تضمن للعمال الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم باعتبار ذلك الطريق المضمون لاستقرار المجتمع وتجنب الاضطرابات الناجمة عن اغتصاب حقوق العمال. ومع ذلك فان قانون العمل الجديد يتضمن فى نصوصه حق صاحب العمل فى فصل العامل متى شاء، كما ان مشروع قانون النقابات العمالية الجديد يرفض عمليا تأسيس نقابات عمالية مستقلة خاصة وان اتحاد النقابات العمالية الرسمى لا يمثل بصدق عمال مصر وهناك من المخاطر ما يهدد حقوق العمال المستقرة والتى انتزعوها بنضالهم وتضحياتهم فى السنوات الطويلة السابقة. وهكذا فإن عمال مصر على وشك خوض غمار معركة عمالية جديدة فى ظل ظروف غير مواتية لصالح رجال الاعمال ولا نشك لحظة فى ان العمال سوف ينتصرون فى هذه المعركة الجديدة. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر;