زرت ومجموعة من الباحثين بجامعة قناة السويس مدينة سانت كاترين فى مهمة علمية فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى مساء يوم بارد عاصف وممطر، وكانت أولى تجاربنا فى محيط مركز أبحاث البيئة لدراسة المناطق الباردة والمرتفعة فى بلادنا، وبرغم الرياح العاصفة والبرودة الشديدة والجبال الشاهقة التى تحيط بنا عند نزولنا من حافلة شرق الدلتا فقد أنستنا حرارة استقبال أهل المكان «الجبالية» برودة الطقس ورهبة الجبال، وعند ذهاب الروع عنا أخذنا المكان المقدس بجلاله وتجلياته وخلب ألبابنا منظر الأودية التى سار فيها أنبياء الله موسى وهارون وصالح بجانب الوادى المقدس الذى يوجد به واحد من أقدم الأديرة فى العالم «دير سانت كاترين». ومنذ ذلك اليوم أصبحنا جميعا بعد التحامنا بالرواد الأوائل دراويش للجبال و«الجبالية» فقد وجد كل باحث غايته فى جبال سانت كاترين وبين أهلها برغم تعدد تخصصاتنا ومشروعاتنا البحثية، فمنا من كان يبحث عن أنواع النباتات الطبية والمتوطنة التى لا توجد فى مكان آخر من العالم سوى فى سانت كاترين، ومنا من خصص حياته لدراسة المياه الجوفية والعيون الكبريتية الحارة، وآخرون كرسوا جهدهم لدراسة الزواحف السامة «الطريشة والعقرب» وغير السامة، وقد خصص زملاء آخرون جل وقتهم لدراسة النحل البرى والفراشات النادرة، بينما عمل البعض فى دراسة الجبال والخامات المعدنية والرخام والأحجار الصناعية الأخرى التى يمكن استخراجها من بين صخورها المتنوعة. وأتاح لنا البحث بين الجبال والجبالية فرصة الحصول على مشروعات بحثية متعددة وفريدة، بالإضافة الى لقاء وصحبة كبار العلماء من مصر وخارجها ونقل تجاربهم إلى مصر، وقد أعلنت فى ذلك الوقت منطقة جبال سانت كاترين محمية طبيعية مما زاد من الطلب على إجراء الأبحاث وتعددت زيارات العلماء والطلاب الأجانب لسانت كاترين، فكنا نقضى ليالى وأياما فى سياحة علمية بين الأودية والجبال ونحن شبه رحل نقضى النهار فى البحث، وفى المساء نحيا حياة «الجبالية» فنوقد النار ونتسامر حولها ثم ننام فى خيام أو تحت الأشجار ملتحفين السماء سعداء، وكنا نشعر بالأمان والسلام والطمأنينة ونحن بصحبة دليل شاب من أبناء الجبالية المخلصين يسهر على راحتنا، ونتفرغ نحن للبحث والتنقيب، ولا نخشى على أنفسنا إلا الهوام أو الدواب. لقد تذكرت كل ذلك وأنا أتابع ما حدث فى هذه المنطقة من عمل إرهابى وأسأل نفسى: ما الذى بدل الحال، وكيف وصل سم الأفعى إلى مشارف الوادى المقدس بسانت كاترين؟ وأناشد أهلنا الذين عرفناهم أبطالا وقضينا أجمل سنين عمرنا بينهم ببعض الأبيات من كتاب «سيناء وأنا» لمؤلفه الذى ولد فى بادية سيناء ويوصى أهله بالمقاومة والثبات والصبر حتى النصر: أوصيكوا يا أخوانى كما قال لقمان لابنه وهو يوصيه أعز الوصية قاوموا العدو مقاومة أجدودكم كان فالنفس ما تموت إلا بمنيه ولا تأمنوا مكر العدو فهم لئيم خوان يسقيكم بالعسل سم لفعيه والثبات والصبر من شيمة الشجعان وساعة النصر ما هى بطيه د.كمال عودة غديف جامعة قناة السويس