جاء قرار تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة فى 8 يونيو المقبل كالصاعقة على الكثيرين سواء من المعارضة أو حكومتها خاصة وأنها نفت مرارا أنها ستتخذ مثل هذا القرار البالغ الأهمية. ومن هنا سارعت التكهنات تشير إلى أن ماى ربما تراهن بهذه الخطوة لكسب عصفورين بحجر واحد : تحقيق أغلبية محافظة أكبر فى البرلمان، وإطلاق يديها فى المفاوضات المقبلة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وربما يرى البعض أن ماى بدأت مغامرة متهورة ولكنها عكس ذلك تماما، فعلى الرغم من عدم إمكانية التنبؤ بنتائج الانتخابات، فقد رأت ماى على الأرجح كثيراً من المكافآت المحتملة، وقليلاً من المخاطر فى إجراء انتخاب مبكر خاصة فى ذلك الوقت. وكشف أحدث استطلاعين للرأى أن حزب المحافظين الحاكم الذى تقوده ماى يتقدم على منافسه الرئيس حزب العمال بفارق 20 نقطة، وهو ما وصف بأنه «فارق تاريخي» بين الحزبين، إذ لم يسبق أن كانت الهوة بينهما بهذا المستوى. كما يتفوق حزب المحافظين أمام الديمقراطيين الأحرار بفارق 32 نقطة، ويتفوق على حزب الاستقلال الذى تزعم الحركة الداعية للخروج من الاتحاد الأوروبى بأكثر من 34 نقطة. وفى حالة ما إذا كانت نتائج استطلاعات الرأى صحيحة، فهذا يعنى أن الانتخابات المبكرة ستنتهى لمصلحة حزب المحافظين مرة أخرى، وبأغلبية ربما تزيد عن الأغلبية المريحة التى يتمتع بها الحزب فى البرلمان حالياً. ومن شأن الفوز فى الانتخابات أن يمنح ماى أيضا تفويضاً مباشراً من الشعب البريطاني، حيث إنه لم يتم انتخابها فعليا، بل تسلمت زمام الأمور فقط بعد استقالة ديفيد كاميرون رئيس الوزراء السابق فى يونيو الماضي, ومن شأن ذلك تعزيز موقفها مع نظرائها فى الاتحاد الأوروبي، ومع المتشددين فى حزبها أيضاً، فى المحادثات المعقدة المقبلة الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكما قالت ماى خلال دعوتها للانتخابات المبكرة : «لقد تعهدت بعدم إجراء انتخابات حتى عام 2020 لكنى خلصت إلى أن السبيل الوحيد لضمان اليقين والاستقرار للسنوات المقبلة هو إجراء هذه الانتخابات والسعى للحصول على دعمكم للقرارات التى يجب على اتخاذها». ورغم شعبية حزبها، فإن كل احزاب المعارضة المتناحرة فيما بينها، اتفقت جميعا، بما فى ذلك حزب العمال و«الديمقراطيون الأحرار» والحزب الوطنى الأسكتلندي، على التصويت ضد التشريع الذى يلغى رسميا عضوية بريطانيا فى الاتحاد الأوروبي، وبذلك سيمثلون القشة التى ستدفع كل جهودها لإقرار حكمها إلى الانهيار. وفى هذه اللحظة ذات الأهمية الوطنية الهائلة، قطعت ماى الطريق على الجميع بخطوات محسوبة، وليست متهورة مندفعة، لكسب التأييد الجارف فى اللحظة الحاسمة سواء كان ذلك لمكاسب شخصية أو لمصلحة شعبها كما تقول. وإذا أصابت حسابات ماى سيكون بإمكانها سحب أصوات من المعارضة، خاصة من حزب استقلال بريطانيا اليمينى المتطرف، إلا أن اللعب بورقة الخروج من الاتحاد الأوروبى سيفقد المحافظين أصوات حزب الديمقراطيين الأحرار التى اجتذبها من جنوب غربى بريطانيا فى انتخابات 2015. ومن ناحية أخرى فإن ماى لن تتمكن من استخدام ورقة أخرى للترويج لحزبها، خاصة وأن التدشين الرسمى لمفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبى قد يكون هو الأمر المهم الوحيد الذى فعلته خلال شهور حكمها التسعة حتى الآن. ولكن يظل أداء الاقتصاد البريطانى العائق الأهم أمام حزب المحافظين لإقناع الناخبين، إذ إن سرعة نموه التى كانت الأكبر بين دول مجموعة السبع عام 2015 بدأت فى التباطؤ شيئا فشيئا بعد قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهبط الجنيه الاسترلينى لأدنى سعر له خلال 30 عاما، كما يتصاعد التضخم بشكل سريع، وتنخفض القوة الشرائية. ويعد حزب المحافظين ناخبيه بتحقيق النجاح الاقتصادى لبريطانيا عبر توقيع اتفاقات تجارة حرة ثنائية مع دول العالم والتى يأتى على رأسها دول الاتحاد الأوروبي. إضافة لذلك فإن ماى تصور نفسها باعتبارها الضامن الوحيد لبقاء أسكتلندا وآيرلندا الشمالية ضمن المملكة المتحدة، وهو بالطبع ما ستؤكد عليه خلال الحملة الانتخابية، ومن الوعود الهامة الأخرى التى تقدمها ماي، تخفيض عدد المهاجرين الذين يصلون إلى بريطانيا من حوالى 300 ألف مهاجر سنويا، إلى 100 ألف. وعلى الرغم من ذلك، فحتى لو فشلت ماى فى زيادة الأغلبية كما هو متوقع، فإنها ستظل موجودة بقوة عامين إضافيين قبل أن تواجه انتخابات أخرى عام 2022، لتضع بذلك قليلا من المسافة الإضافية بين اللحظة التى تغادر فيها بريطانيا الاتحاد الأوروبى فى مارس عام 2019 وفقا للجدول الزمنى الحالى وحتى تصبح فيها شروط الخروج واضحة تماما واللحظة التى يقدم فيها الشعب البريطانى حكمه النهائى مجددا عبر صناديق الاقتراع. ومهما تكن النتيجة فإن السؤال الحقيقى الذى ستثيره انتخابات يونيو ليس هو أى حزب سيشكل الحكومة البريطانية المقبلة، ولكن أى حزب سيرتدى عباءة المعارضة؟ فمن المؤكد أنه رغم نتائج استطلاعات الرأى لكن هناك استياء واسع النطاق من سياسات الحكومة المحافظة، ابتداء من نهجها بشأن مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى إلى الاستياء من التخفيضات المستمرة فى الإنفاق العام.