كيف تصف فرانسيس بأنه «بابا السلام فى أرض السلام»، وأنت تعلم أن رسول السلام هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا أحد غيره، تلقيت هذا العتاب الشديد من صديق على صفحتي: فقلت له: السلام هو الله الحق وأما الأنبياء والتابعون هم أدوات لنشر رسالة السلام على الأرض، و«بابا السلام» فرانسيس الذى زارنا يختلف عن «بابا الكراهية» بندكت الذى اتهم الإسلام بنشر العنف فأوقف الأزهر الحوار معه عشر سنوات كما كان على خلاف مع الكنيسة القبطية المصرية وتم إنهاء هذا الخلاف فى وثيقة وقعها مع البابا تواضروس خلال «زيارة السلام» للقاهرة. قاطعنى صديقى الذى وصل إلى قعر الفشل: أن من تدعوه «بابا السلام» تجنب ذكر كلمة الإسلام صراحة فى خطابه، بل وطوال لقاءاته مع الرئيس السيسى ثم كلمته أمام مؤتمر الأزهر، فرددت بغيظ شديد: وهل تعتقد أن «الحبر الأعظم» لأكثر من مليار كاثوليكى جاء إلى مصر لكى يشهر إسلامه؟!.. لقد جاء لنشر ثقافة السلام وللتحاور مع الأزهر ممثل الوسطية الإسلامية السمحاء، وما يهمنى أنه رغم تعقيدات الزيارة وتنوع الأماكن التى زارها والحشود التى سار بينها أظهرت مصر الأزهر والحضارة بأحسن صورها أمام فضائيات 152دولة، وكشفت سعادته بمصافحته المصريين فى أثناء القداس الإلهى وشعوره بالأمان التام فى الكلية الإكليريكية والفرق الرهيب بين ملامح وجهه، فى أثناء نزوله من الطائرة فى بداية الرحلة وبين صعوده بحيوية وشباب فى أثناء وداع الرئيس له وإشادته فى الطائرة بكرم «أم الدنيا»،، بقى المهم أن نستثمر الزيارة، فقال لى صديقي: إن مصاريف تأمين مواكبه كانت تكفى لإنقاذ حياة مئات الأسر التى هرستها الأسعار، قلت له: ألم تقرأ إعلان الصفحة الأخيرة فى أهرام السبت الماضى الذى حمل رجاء ومناشدة كتب بخمس لغات من مليون عامل مصرى يعملون بقطاع السياحة قداسة البابا بالدعاء لأمن شرم الشيخ؟ ، إن ابتسامة الرضا التى علت وجه البابا فى تنقلاته بالشوارع النظيفة أحسن دعاء بالرزق والبركة لقطاع السياحة، وأثبتت اللقطات التى نشرت له أمام النيل أن مصر التى وفرت الأمن للعائلة المقدسة فى رحلة هروبها من بطش الرومان تستطيع أن تنادى العالم بثقة «ادخلوها بسلام آمنين» وأنها تستطيع حماية أى سائح من الهرم والجزيرة إلى شرم الشيخ، وأهمية الزيارة أنها جاءت بعد الأحداث الإرهابية التى أصابت صناعة السياحة فى مقتل وهددت حياة ملايين من العاملين فى هذا القطاع الحيوى بالشلل. فسألنى متهكما: وماذا فعل لأمن الفلسطينيين الذين اكتفى بالإشارة إليهم فى نداء ساوى بين الضحية والجلاد، على عكسه كان الإمام الأكبر شيخ الأزهر دافعت كلمته عن الفهم المغلوط للأديان، حين قال: ليس الإسلام دين إرهاب لمجرد أن طائفة من المؤمنين به سارعوا لتأويل بعض نصوصه تأويلًا فاسدًا، ويجدون مَن يمدهم بالمال والسلاح والتدريب.. ولَيْسَت المَسيحيَّة دين إرهابٍ بسبب أن طائفة من المؤمنين بها حملوا الصليب وحصدوا الأرواح، وليست اليهودية دين إرهاب بسببِ توظيف تعاليم موسى عليه السلام فى احتلالِ أراضٍى الغير، راحَ ضَحِيَّته الملايين من أصحاب الحُقُوق من شَعْبِ فلسطين المَغلُوب على أمرِه، ولا الحضارة الغربية إرهابية بسبب حربين عالَميتَين اندَلعتَا فى قلبِ أوروبا وراحَ ضَحِيَّتهما أكثر من سبعين مليون قتيل، ولا الحضارة الأمريكية حضارة إرهاب بسبب ما اقترفته من تدمير البَشَر والحَجَرَ فى هيروشيما ونجازاكي، هذه كلها انحرافات عن نهج الأديان وعن منطق الحضارات وهذا الباب من الاتهام لو فُتِحَ كما هو مفتوحٌ على الإسلام الآن فلَنْ يسلَم دينٌ ولا نظامٌ ولا حضارةٌ بل ولا تاريخٌ من تُهمة العُنف والإرهاب. فقلت: إذا كانت كلمة «إمام السلام» شيخ الأزهر كشفت بذكاء ازدواجية المعايير فى اتهام أتباع الديانات والتغاضى عن اجرام الصهاينة والدول التى تمول جماعات التطرف، فإن صلاة البابا فى القداس الإلهى كانت كلها دروسا وعبرا عن قتلة الأنبياء وأحفادهم الذين ما زالوا يمارسون البلطجة فى حق مهد السيد المسيح وأتباع رسالته وحالة الإحباط وخيبة الأمل التى تسيطرعلى النفوس بعد ما شًُبِّه لهم أن المسيح قد صلب «من قصة تلميذى عمواس أنه لاجدوى ان نملأ دور العبادة اذا كانت قلوبنا خاوية من مخافة الله ، .. وإن ما ادعوه بصلب المسيح كان صلبا للأفكار التى بنوها عن الله» ثم وجه البابا درسا للمغترين بقوتهم: إن الإيمان الحقيقى هو الذى يجعلنا ندافع عن حقوق الآخرين بنفس القوة التى ندافع بها عن حقوقنا، ويجعلنا ننشر ثقافة الحوار واللقاء والتسامح، كما استنكر البابا من قبل سياسة تشييد الجدران للفصل والتمييز وهاله دعوة الرئيس ترامب إلى بناء جدارعازل لمنع المهاجرين الملهوفين الأجانب من دخول أمريكا ! ولتعلم يا صديقى المكتئب وأمثالك أن «بابا السلام» بحرصه على إغاثة الملهوف وهداية العاصى وتحسين صورة مصر لقادر على نجدة الملايين ممن تضرروا بالظلم الذى وقع على مصر بسبب وقوفها ضد جماعات التكفير، بشرط أن تنجح مصر فى استثمار نتائج رحلة «الباب فرانسيس» المقدسة! لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف;