◙ فرانسيس: مصر أرض التآلف والدين والعلم وأكدت أهمية الاعتراف بالغير أعرب الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف عن شكره للبابا فرانسيس بابا الفاتيكان لحضور فعاليات مؤتمر الأزهر العالمى للسلام تلبية لدعوة الأزهر الشريف. ودعا الطيب، فى مستهل كلمته خلال الجلسة الختامية لمؤتمر الأزهر العالمى للسلام، إلى الوقوف دقيقة حداد على ضحايا الإرهاب فى مصر والعالم. وقال إن تجارة السلاح وتسويقه وضمان تشغيل مصانع الموت سبب غياب السلام فى العالم، مضيفا أن السلام العالمى أصبح الفردوس المفقود رغم كل المتاجرات العالمية. وأكد شيخ الأزهر الشريف أنه لا حل للمشكلات التى يعانى منها العالم إلا من خلال إعادة الوعى برسالات السماوات. وشدد على ضرورة العمل على تنقية صورة الأديان مما علق بها من فهم مغلوط وتدين كاذب. ودعا إلى إعادة الوعى برسالات السماء ونشر القيم الأخلاقية والإنسانية وإبراز قيمة السلام والعدل والمساواة واحترام الإنسان مهما كان دينه أو عرقه. وطالب الطيب، خلال كلمته فى المؤتمر فى حضور البابا فرانسيس، بتنقية صور الأديان مما علق بها من أى أشياء تحث على العنف والتأكيد على القيم الأخلاقية بالأديان وإبعاد عنها أى دعاوى للعنف أو الإرهاب. وقال: ليس الإسلام أو المسيحية أو اليهودية دين إرهاب، وأن كل الأعمال التى يتم القيام بها باسم تلك الأديان بعيدة جدا عن قيم تلك الأديان، منتقدا ما يتعرض له الفلسطينيون من ممارسات. وأشار إلى أهمية زيارة البابا فرنسيس لمصر وعقد مؤتمر الأزهر العالمى للسلام فى ظل ضياع السلام فى العديد من الدول بسبب الصراعات. وانتقد الطيب تجاهل الحضارة الحديثة القيم الدينية وأهمها قيم الأخوة والتعارف بين الناس والتذكير بأن الخلق عيال الله واحبهم لله انفعهم للناس حتى لا نعيش فى غابة. وقال: «مما يثير الإحباط أن تحدث هذه الأزمة الحادة فى القرن الحادى والعشرين، قرن التحضر والرقى وحقوق الإنسان والتقدم العلمى والتقنى الهائل وفى عصر مؤسسات السلام ومجالس الأمن وتجريم استخدام القوة والتهديد بها فى العلاقات الدولية بل عصر المذاهب الاجتماعية والفلسفات الإنسانية والتبشير بالمساواة المطلقة ومجتمع الطبقة الواحدة والحداثة اللا دينية وما بعد الحداثة إلى اخر هذه المنجزات الاجتماعية الفلسفية التى يتيه بها عصرنا الحديث». وأكد الطيب ضرورة تنقية صورة الأديان مما علق بها من فهوم مغلوطة وتطبيقات مغشوشة وتدين كاذب يؤجج الصراع ويبث الكراهية ويبعث على العنف، وألا نحاكم الأديان بجرائم قلة عابثة من المؤمنين بهذا الدين أو ذاك، فليس الإسلام دين إرهاب بسبب أن طائفة من المؤمنين به سارعوا لاختطاف بعض نصوصه وأولوها تأويلا فاسدا، ثم راحو يسفكون بها الدماء ويقتلون الأبرياء ويروعون الآمنين ويجدون من يمدهم بالمال والسلاح والتدريب. وأشار شيخ الأزهر إلى أن المسيحية ليست دين إرهاب بسبب أن طائفة من المؤمنين بها حملوا الصليب وراحوا يحصدون الأرواح لا يفرقون بها بين رجل وامرأة وطفل ومقاتل وأسير، وليست اليهودية دين إرهاب بسبب توظيف تعاليم موسى عليه السلام فى احتلال اراضى راح ضحيتها الملايين من أصحاب الحقوق من شعب فلسطين المغلوب على أمره. كما أكد أن الحضارة الأوروبية ليست حضارة إرهاب بسبب حربين عالميتين اندلعتا فى قلب أوروبا وراح ضحيتها أكثر من 70 مليون قتيل، ولا الحضارة الأمريكية حضارة إرهاب بسبب ما اقترفته قنابلها من تدمير البشر والحجر فى هيروشيما ونجازاكي.. هذه كلها انحرافات عن نهج الأديان ونهج الحضارات، وهذا الباب من الاتهامات لو فتح كما هو مفتوح على الاسلام الآن، فلن يسلم دين أو نظام أو حضارة ولاتاريخ من تهمة العنف والإرهاب. وأعرب شيخ الأزهر عن تقديره لتصريحات البابا المنصفة التى تدفع عن الإسلام والمسلمين تهمة الإرهاب، مشيرا إلى أنه التمس فيه حرصه على احترام العقائد والاديان ورموزها والوقوف معا فى وجه من يسيء إليها ومن يوظفها فى إشعال الصراع بين المؤمنين. وشدد على حرص الأزهر للسعى من أجل التعاون فى مجال الدعوة إلى ترسيخ فلسفة العيش المشترك واحترام عقائد الآخرين والعمل معا فى مجال متفق عليه بين المؤمنين بالأديان وهو كثير وكثير، داعيا إلى الحفاظ على الكيان الأسرى مما يتربص به من انحراف الأخلاق وكيانات البحث العلمي، والوقوف فى وجه سياسات الهيمنة ونظريات صراع الحضارات ونهاية التاريخ ودعوات الإلحاد والعقلية الميكيافيلية والحداثة اللادينية وفلسفات تأليه الإنسان وما ينشأ عن ذلك من مآس وكوارث فى كل مكان. ومن جانبه أشاد بابا الفاتيكان بمصر أرض الحضارة والتاريخ، حيث كان نهر النيل رمز الحضارة وضوء العلم فى مصر وأن مصر أرض التآلف والدين والعلم، معربا عن أمله فى أن يحفظها الله دائما، حيث رعت مصر الحضارات والثقافات المختلفة وأكدت أهمية الاعتراف بالغير مما ترك أثرا واضحا فى تقدم مصر فى جميع المجالات منها الرياضة والعمارة وكل فروع المعرفة والتعليم، وأثنى على الشعب المصرى وسعيه للبحث عن السلام. وأشار فرانسيس، فى كلمته فى مؤتمر الأزهر العالمى للسلام، إلى أهمية تعليم الشباب وتلبية احتياجاتهم الأساسية من أجل نشر السلام، مبينا أن التعليم يسعى للارتقاء بالنفس والمشاركة الفعالة. وأكد أهمية الهوية المنفتحة على الجميع والتى تسعى للحوار مع الحاضر دون أى إضرار، وانتقد بابا الفاتيكان العنف الذى يؤدى إلى الشر والعنف ، مبينا رفض الرسالات الإلهية العنف وحرصها على كرامة الإنسان. وأوضح أن مستقبل البشر يعتمد على الحوار بين الأديان والثقافات وهو ما تقوم به لجنة الحوار بين الأزهر والفاتيكان وتقوم على أداء الواجب بشجاعة وإخلاص والحفاظ على الهوية بعيدا عن الغموض وعدم الصراحة، مبينا أننا نعمل بشجاعة مع الخلاف والذى لا يدعو إلى أى ضرر. وأكد البابا ضرورة رفض البربرية التى تدعو للعنف،داعيا إلى تنشئة الأجيال على الخير واعتماد استراتيجية كاملة لتحويل التنافسية إلى تعاون مع احترام الآخر. وقال: إننا كمسلمين ومسيحيين مدعون للمساهمة فى التعاون فى إطار من الأخوة، موجها الشكر للإمام الأكبر لتنظيم المؤتمر والدعوة إليه. وأضاف: إننا كمسيحيين ومسلمين أخوة ونعترف أننا مشاركون جميعا فى مكافحة الشر الذى يهدد العالم. وشدد فرانسيس على أهمية الجهود لصنع السلام وليس للتسليح أو إثارة النزاعات ولابد أن نكون دعاة تصالح ولا ننشر الدمار وكذلك التعاون لإنهاء الفقر ووقف تدفقات السلاح التى تشجع العنف والسعى لنشر العوامل التى تساعد على وقف سرطان الحرب. وأعرب عن أمله فى أن يعم الأمان أرض مصر وأن يسهم فى صنع السلام من أجل شعب مصر الطيب وشعوب كل دول الشرق الأوسط. وأشار إلى أهمية التفرقة بين الدين والسياسة، مؤكدا أن الدين ليس المشكلة بل جزء من حل المشكلة وطالب بازدهار الأديان من جديد لنتعلم كيف نبنى الحضارة، مشيرا لرفض الدين لكل أشكال العنف والكراهية. وشدد على مسئولية رجال الدين فى كشف العنف الذى يظهر ويقدم نفسه تحت غطاء ديني، مطالبا بكشف حقيقة ذلك وكل صور الكراهية التى تعارض حقيقة كل الأديان التى تدعو للسلام ونبذ أى شكل من أشكال العنف باسم الله. وجدد فرانسيس من أرض مصر رفضه الواضح لأى شكل من أشكال العنف والانتقام والكراهية التى ترتكب باسم الدين أو باسم الله، مؤكدا قدسية كل حياة بشرية بعيدا عن أى نوع من أشكال العنف، وأن قدسية الحياة البشرية ترفض أى عنف دينى أو نفسى أو تربوى فالإيمان ينبع من حب الله وحب الآخر بعيدا عن الكراهية. وتابع: «الدين مدعو إلى نشر السلام دون التخلى عن الأدوات المساعدة للوصول إلى التصالح، ولا بد أن نطلب من الله أن يهبنا السلام ونستطيع الحوار وأن نصل إلى الوئام والتعاون والصداقة». وعقب الانتهاء من كلمته عانق البابا شيخ الأزهر الدكتور الطيب مرتين وسط تحية الحضور ترحيبا به وتقديرا للمعانى الطيبة التى حملتها كلمته.