أيام سوداء تمر بها بلادنا أيها الرفاق..هذا ما أجاب به أحمد كسراده رفيق نيلسون مانديلا فى الكفاح ضد التفرقة العنصرية زملاءه الذين سبقوه إلى الرفيق الأعلى عندما سألوه بلهفة بمجرد لحاقه بهم قبل أيام عن أخبار جنوب إفريقيا وفقاً لما تصوَّره رسام كاريكاتير بصحيفة وطنية،فقد تدهور مستوى المعيشة وحالة الاقتصاد وزادت حدة السخط على النظام الحاكم إلى أعلى مستوى منذ انتهاء حكم الأقلية العنصرية البيضاء عام 1994 وتدهورت شعبية حزب المؤتمر الوطنى المهيمن على السلطة وانقسم من الداخل بين مطالب بتنحى الرئيس جاكوب زوما لإنقاذ الحزب من خسارة انتخابات 2019 ورافضِ لذلك حفاظاً على مكاسبهم وعنداً فى المعارضة. فقد زاد معدل البطالة على 25% واضطر خريجون جامعيون عاطلون لحمل لافتات فى الشوارع عارضين العمل فى مهن وضيعة وانخفضت قيمة العملة الوطنية(الراند)وارتفعت نسبة التضخم وبقيت نسبة الفقراء فوق 50% رغم الوعود المتكررة بخفضها وكذلك أزمات الإسكان والتعليم والعلاج،وخفضت مؤسستا ستاندارد آند بورز وفيتش العالميتان درجة اقتصاد البلد الذى كان رقم 27 على مستوى العالم إلي(غير مرغوب فيه)وسط توقعات بهبوط ثقة المستثمرين أكثر خاصةً بعد إقالة زوما لوزير المالية برافين جوردان الذى حظى باحترام دولى لمكافحته الفساد وهو ما أثار غضب الشارع وانتقاد شخصيات بارزة داخل الحزب الحاكم نفسه واصفين قرار الإقالة بأنه غير مقبول قائلين إن وقت رحيل زوما قد حان إذا كان للحزب أن يحتفظ بالسلطة عقب الانتخابات التشريعية المقبلة، ودفعت الأزمة الاقتصادية بعض المواطنين الساخطين إلى الاعتداء على المهاجرين من دول أخرى ونهب ممتلكاتهم وقتل بعضهم اعتقاداً منهم أنهم استولوا على فرص عمل كانوا هم أحق بها. لتلك الأسباب واتهامات متزايدة بالفساد لزوما انتهز آلاف الغاضبين مناسبة إقالة الوزير وخرجوا إلى الشوارع بالمدن الكبرى الأربع(بريتوريا وجوهانسبيرج وكيب تاون وديربان)مطالبين باستقالته فى أضخم احتجاجات منذ سنوات،وزاد من حرج موقفه وحزب المؤتمر أن رموزاً لهم وزنهم مثل نائبه سيريل رامافوزا والقس الحاصل على جائزة نوبل للسلام ديزموند توتو والرئيس السابق ثابو مبيكى الذى طالب بإعلاء مصلحة الوطن على مصالح الحزب وحلفاء مثل اتحاد نقابات العمال(1٫8 مليون عضو) والحزب الشيوعى أيدوا المحتجين وطالبوا بتنحيه قائلين إنه لم يعد الشخص المناسب لقيادة الدولة.وحمل متظاهرون لافتات مثل(جنوب إفريقيا ليست للبيع)فى إشارة إلى اتهامات لأصدقاء زوما من عائلة رجال الأعمال المعروفة باسم(جوبتا)بالتدخل فى سير عمل الحكومة ورددوا هتافات طالبت باستقالته،وقال بعضهم إن كل يوم يبقاه فى السلطة يتقوض فيه استقرار البلد أكثر. الغضب على حكم زوما لم يأت من فراغ أو فجأةً،فقد تعرَّض لنحو 780 اتهاماً بالتورط فى فضائح من أبرزها استخدام أموال الشعب لأغراض شخصية مثل تجديد مقر إقامته الريفى وإنشاء حظيرة دواجن وحمام سباحة ورفضه تسديد الأموال التى أُنفقت عليها حتى حكمت المحكمة الدستورية بأنه انتهك الدستور بعدم تسديد تلك الأموال وأجبرته على دفعها ثم قررت هيئة مكافحة الفساد ضرورة فتح تحقيق قضائى فى مزاعم بوقوع عمل إجرامى داخل الحكومة يتعلق بعائلة(جوبتا)فضلاً عن اتهامه بالتورط فى فساد متعلق بصفقة سلاح قبل توليه الرئاسة عام 2009.وفى عهده ضربت البطالة رقماً قياسياً وزاد تباطؤ النمو الاقتصادى وغابت المساواة بين أبناء الشعب المتعدد الأجناس مما دفع شخصية مرموقة مثل كسراده لانتقاده وجَعَل أسرته ترفض حضوره جنازته وإعلان الرئيس السابق موتلانتى أنه لم يعد متأكداً من أنه سيصوت لحزب المؤتمر فى الانتخابات المقبلة.ذلك مع عوامل أخرى أفقد الحزب الذى حمل لواء الكفاح ضد نظام حكم الأقلية العنصرية البيضاء الكثير من شعبيته لدى الأغلبية السوداء فمُنى بأسوأ نتائجه الانتخابية فى المحليات العام الماضى وفقد دوائر انتخابية رئيسية كانت حكراً عليه. وإذا كان زوما قد نجح فى الإفلات من العزل ثلاث مرات العام الماضي،اثنتان لسحب الثقة منه فى البرلمان والثالثة داخل حزبه،بفضل وقوف اتحاد نقابات العمال القوى والحزب الشيوعى ورابطة المحاربين القدماء إلى جانبه فإن ظهره أصبح شبه مكشوف بعد سحبهم دعمهم له وحدوث انقسام بشأنه داخل حزبه نفسه وتخلى رفقاء له عنه بشكل غير مسبوق محذرين من تصاعد شعور الجماهير بالإحباط إزاء الفساد والأداء السيئ للنظام.ورغم أن الأغلبية البرلمانية أكدت رفضها مطالب بإجباره على التنحى قبل انتهاء رئاسته للحزب فى ديسمبر واكتمال مدة رئاسته الثانية للدولة فى 2019 إلاَّ أن الاتهامات والاحتجاجات ستظل تلاحقه وقد تدفعه للمبادرة بالاستقالة لوقف تدهور شعبية الحزب حيث أعلن أنه مستعد للاستقالة لو أراد حزبه وهو ما قد يرفع الحرج عمَّن يترددون فى مطالبته بالتنحى خاصةً إذا استجابت المحكمة الدستورية لطلب المعارضة إجراء اقتراع برلمانى سرى لسحب الثقة منه،كما أن التغيير الاقتصادى والاجتماعى الجذرى الذى وعد به لن يسعفه الوقت المتبقى لإنجازه بالقدر الذى يحسِّن صورته لدى الرأى العام. لمزيد من مقالات عطية عيسوى