الإسكان: جار تنفيذ 64 برجا سكنيا بها 3068 وحدة.. و310 فيلات بتجمع صوارى في غرب كارفور بالإسكندرية    الانتفاضة الطلابية بأمريكا.. ماذا يحدث في حرم جامعة كاليفورنيا؟    دور العرض ترفع أحدث أفلام بيومي فؤاد من شاشاتها.. تعرف على السبب    بحضور السيسي.. تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    سفير روسيا لدى واشنطن: اتهامات أمريكا لروسيا باستخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا بغيضة    طقس أسيوط اليوم.. جو ربيعي وانخفاض درجات الحرارة لمدة يومين    ارتفاع في أسعار الذهب بكفر الشيخ.. عيار 21 بكام؟    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    قوات الجيش الإسرائيلي تقتحم مخيم عايدة في بيت لحم وقرية بدرس غربي رام الله ومخيم شعفاط في القدس    "الحرب النووية" سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    إجراء عاجل من الفلبين ضد بكين بعد اشتعال التوترات في بحر الصين الجنوبي    رامي ربيعة يهنئ أحمد حسن بمناسبة عيد ميلاده| شاهد    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 2 مايو 2024    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    نسخة واقعية من منزل فيلم الأنيميشن UP متاحًا للإيجار (صور)    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    تامر حسني يوجه رسالة لبسمة بوسيل بعد الإعلان عن اغنيتها الجديدة.. ماذا قال؟    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    كوكولا مصر ترفع أسعار شويبس في الأسواق، قائمة بالأسعار الجديدة وموعد التطبيق    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    الخطيب يطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة افشة .. فماذا حدث ؟    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    انخفاض جديد في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 2 مايو بالمصانع والأسواق    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
الحلقة الجهنمية!
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 04 - 2017

أكتب إليك بعد أن فاض بى الكيل، وخارت قواى، ولم أعد قادرا على الخروج من الحلقة الجهنمية التى وجدتنى فيها، وأبدأ رسالتى بهذين البيتين من الشعر:
دع ذكرهن فما لهن وفاء
ريح الصبا وعهودهن سواء
يكسرن قلبك ثم لا يجبرنه
وقلوبهن من الوفاء خلاء
فلقد قرأت رسالة «سجينة الرعب» التى ذاقت كاتبتها الأمرين مع زوجها الذى زور توقيعها وهددها بإيصالات وهمية، ووجدت أحداثها متوافقة مع كل ما حدث لى مع اختلاف بعض الأمور، فأنا رجل فى سن الخمسين، وأعمل فى إحدى الوظائف، ونشأت وعشت وتزوجت فى مدينة بجنوب بنى سويف منذ سبعة عشر عاما، ولدى ثلاثة أبناء «ولدان وبنت» هى الوسطى، وكنا ننعم بحياة مستقرة إلى أن اشتريت شقة فى المحافظة إلى جانب مسكننا، وسجلتها باسم زوجتى بمحض إرادتى، فهى أم أولادى ولا يشغلنى شىء فى الدنيا سوى إسعادهم، ولكنها تحولت تماما إلى النقيض بعد أن تسلمت الشقة وتمكنت منها، وأصبحت تختلق المشكلات يوميا بلا سبب، وعندما أعاتبها ترد علىّ بأنها فى إمكانها أن تعيش فى شقتها على مزاجها، وشيئا فشيئا صارت أمها ملازمة لنا فى كل شىء وتمكث معنا طوال أيام الأسبوع ماعدا يوم واحد تعود فيه إلى بيتها، ثم تعاود الحضور من جديد، بعد أن أغلق أخوة زوجتى أبوابهم فى وجهها، بل وطردوها فى كثير من الأحيان بسبب تدخلها غير المبرر فى حياتهم، ولم تجد سوى زوجتى لكى تحيل حياتنا إلى نكد دائم، وذات يوم أخرجها أحد أبنائها من بيته فى الثالثة فجرا، وفوجئنا بأحد الأصدقاء يصطحبها إلينا ويبلغنا بما حدث، فرحبنا بها وظلت معنا ثمانية وثلاثين يوما متصلة، وليست هى وحدها التى تلجأ إلينا، فإحدى شقيقات زوجتى لم تجد لها مأوى عندما غضبت من زوجها سوى بيتى، مع أن حماى حى يرزق، ويتباهى بأنه رجل تقى وحافظ القرآن الكريم، ولم تتوقف زوجتى عند هذه النوعية من الخلافات الأسرية، إذ امتدت مشكلاتها إلى النواحى المادية بشكل فج، ومنها أننى ذات يوم اكتشفت ضياع خمسة وعشرين ألف جنيه من المنزل، وكان هذا المبلغ يخص عملى فى أحد المشروعات، وأذكر أيضا أننى خرجت ذات صباح كعادتى يوميا، وقصدت عملى، وعندما عدت آخر النهار لم أجدها، وكانت أمها بالمنزل وقتها، فسألتها عنها فقالت لى إنها خرجت إلى السوق فى الصباح ولم تعد حتى الآن، فاتصلت بهاتفها فوجدته مغلقا، واحترت ماذا أفعل فسألت كل أقاربنا عسى أن تكون لديهم معلومات حولها فأكدوا جميعا أنهم لا يعرفون عنها أى شىء، وأصاب اليأس الجميع من العثور عليها، وفى منتصف الليل جربت الاتصال بها فوجدت الهاتف مفتوحا وردت علىّ بأنها مخطوفة، وأن خاطفيها ذهبوا بها إلى القاهرة، فأصابتنى حالة ذهول، بينما ظل أبوها وأمها وإخوتها صامتين ولم يحركوا ساكنا، وبدا الأمر وكأنهم يعرفون أن ما قصصته علىّ مجرد تمثيلية فسكت ولسان حالى يقول لهم: أنتم كاذبون، وتساءلت فى نفسى: ما السر وراء ادعائها أنها مخطوفة على غير الحقيقة؟، وفى اليوم التالى جاءنى أبوها ومعه المصحف الشريف، وبصحبته ابن عم لى، وقال إنه مستعد للقسم على المصحف بأن ابنته كانت مخطوفة، فاعتبرت الأمر كأن لم يكن، وحدث ما توقعته إذ أخفت بعض المصوغات الذهبية التى كانت ترتديها ومنها القرط والخواتم وغويشة، ولا أدرى كيف ترك خاطفوها هاتفها المحمول، وهو أول ما يأخذه اللص أو الخاطف لكى يضمن عدم الوصول إليه؟.. لكنى لم أطرح ذلك عليهم، وأبديت عدم الاكتراث بما فعلته من أجل أن تسير الحياة بأولادى فى أمان.
ومرت أسابيع ثم تعرضت لحادث سيارة ومكثت فى مستشفى الهلال الأحمر بالقاهرة ثلاثة أشهر كاملة، وأجريت لى عدة جراحات لتركيب شرائح ومسامير فى أكتافى بعد أن أظهرت الأشعات وجود كسور فى عظام الترقوة، وتم عمل دعامة لعينى اليسرى فى مستشفى عيون تخصصى بمدينة نصر، وبعد أن تماثلت للشفاء عدت إلى منزلى فوجدتها أكثر عنفا، وزادت شراسة أهلها ضدى لدرجة أن شقيقها حاول طردى من منزلى، فثرت فى وجهه بأنه ليس له حق التدخل فى أمورى، أما زوجتى فأخذت صف أهلها وقسمت الشقة إلى نصفين فأعيش وحدى فى حجرة، وهى وأمها والأولاد فى غرفة أخرى، وأصبحنا منذ تلك اللحظة لا نتناول الطعام معا، كما أنها حرضت أبناءنا على عدم الرد علىّ أو الحديث معى، مستغلة صغر أعمارهم حيث إن الأكبر كان وقتها فى الصف الأول الثانوى، والبنت بالسنة الثالثة الإعدادية، أما أصغر أبنائى فيدرس بالصف الخامس الابتدائى، وفوضت أمرى إلى خالقى، وحاولت أن أضبط أعصابى، وفى صباح أحد الأيام اقتحمت حماتى حجرتى، وقالت لى إن ابنتها تطلب الطلاق، وأنها لن تتراجع عنه بعد أن تعبت معى، فرددت عليها بأن زوجتى مازالت معى فى شقة الزوجية، ولا يمكن أن تؤخذ الأمور بين أى زوجين على هذا النحو ثم سألتها عما إذا كان حماى يعلم شيئا عن ذلك، وما هو موقفه، فقالت: إنها المسئولة عن ابنتها وليس هو!.. أما عن وجود رجل لإنهاء ترتيبات الطلاق، فإنهم سيوكلون الأمر إلى أحد الجيران وذكرت لى اسمه، فبادرت بالاتصال به، وشرحت له الأمر، وقلت له كن أنت الحكم بيننا، فأقنع حماتى بالعودة إلى منزلها، واكتشفت بعد ذلك أنها خطة أو قل إنها «حلقة جهنمية» يشارك فيها الجميع بمن فيهم جارنا، وزوج شقيقة زوجتى، إذ قال لى حماى إن هذا الرجل «الجار» سوف يحل محله فى كل ما يخص ابنته من أمور، وتمادوا أكثر من ذلك فى شحن نفوس أبنائى ضدى وبأننى أكرههم، وهذا ما قاله لى ابنى الأكبر!، ورددت عليه بأنه لا يعقل أن يكره أب أبناءه.
ومرت الأيام وذهبت إلى القاهرة لإجراء بعض الفحوص الطبية والمتابعة فى أحد المستشفيات، وعندما عدت إلى بيتى وجدت أن زوجتى استولت على محتويات الشقة، ولم تترك سوى بعض الأشياء القديمة والتالفة، وعرفت من الجيران أنها أخذت كل شىء على مدار ثلاثة أيام هى فترة وجودى بالقاهرة، فاتصلت بأبيها لأعرف ما حدث، فردّ علىّ بأن أعصابها تعبانة هى والأولاد، وسوف ترجع إلى بيتها بعد أن ترتاح «شوية»، وجاءنى بعض الجيران، واقترح علىّ أحدهم أن أحرر محضرا ضدها لكن لم أفعل ذلك، وإنما ذهبت إلى عمها فى قرية مجاورة وقصصت عليه أفعالها الأخيرة، فقال لى إن شقيقه «والد زوجتى» أبلغه بأنها تريد الطلاق بسبب عجزى وعدم قدرتى على ممارسة حياتى الزوجية! فضربت كفا بكف، وقلت له: أبعد سبعة عشر عاما تقول هذا الكلام؟.. وكيف تحملتنى كل تلك السنين؟، وكيف أنجبنا ثلاثة أبناء؟.. وتدخل أهل الخير من أجل أن تعود المياه إلى مجاريها، ولكن هيهات أن يلين جانبها، بل إنها رفعت ضدى قضايا نفقة وخلع وتبديد عفش ومصاريف مدارس وغيرها.
ومن بين الألغاز التى لم أفهمها أن الجار الذى تدخل بيننا هو الذى نقل العفش وافتتح محل بقالة لها، وإزاء ذلك كله لم يكن أمامى حلا سوى أن أحرر محضر إثبات حالة بأنها أخذت المنقولات، وبالفعل أثبتت تحريات المباحث ذلك، ووجدتنى أتذكر ما قاله الشاعر الإيطالى دانتى من «أن الأقدار قد حكمت على من لا يحفلون بالروابط الأسرية بالمشى الأبدى فوق رمال حارقة ملتهبة، فإذا أرهق السير أحدهم، ووقف لحظة ليستريح من التعب، تجمد فى مكانه مائة عام يكابد فيها لهيب الرمال»، فإذا كان هذا العقاب فى خيال الشعراء والمفكرين، فما بالنا بعقاب رب السماء لظالمى أزواجهم «رجال ونساء»، ولكل من يتدخل للتفرقة بين زوج وزوجته وأولاده، ولأم وأب كل همهما فى الحياة الاستيلاء على شقة زوج ابنتهما التى كتبها باسمها من باب حسن النية، والمعيشة على نفقة يدفعها الأب لأولاده؟..
إن الأوضاع مازالت عالقة، ولكن بالحيل والألاعيب والطرق الملتوية حكمت علىّ المحكمة بالحبس ستة أشهر، وعملت معارضة على الحكم، ومازلت تائها فى بحر الأكاذيب وشهادة الزور، وأفوض أمرى إلى الله، وإننى أقف عاجزا عن فهم ما يفعله حماى خصوصا إزاء هذا الجار الذى يقول إنه بديل عنه فى حل مشكلة ابنته معى، فلقد سمح له أن يجلس معها ليلا ونهارا فى المحل التجارى الذى افتتحه لها، ولا أدرى كيف تسمح زوجة وأم لنفسها أن تركب سيارة مع رجل غريب عنها فى منتصف الليل، وهل والد زوجتى يطبق الدين فى بعض الأمور، ولا يطبقه فى أمور أخرى؟.
إننى أُعاقب على كرمى وطيبتى مع زوجتى وحماتى وكل من حولى، ومطالب الآن بأن أهدم أسرتى بسبب الاستهتار والجشع والطمع، وأعيش بمفردى، وكلما حاولت الاطمئنان على أولادى يتجاهلون الرد علىّ، وأجدنى أردد مع الشاعر قوله:
أمضيت زمانى أمنى الأمانى
أبيع الأغانى لكل الطريق
وكان جزائى رغم وفائى
لهيب الحروق
هذه هى حالى مع غدر الزوجة والأهل والأصدقاء والجيران، فماذا أفعل؟.
ولكاتب هذه الرسالة أقول :
ما أقسى الطعنات عندما تأتى من شريك الحياة، فأن يطعنك أحدهم فى ظهرك، فهذا أمر طبيعى، ولكن أن تلتفت وتجده أقرب الناس إليك، فهذه هى الكارثة، ومن المؤسف حقا أن تبحث عن الصدق فى عصر الخيانة، وعن الحب فى قلوب جبانة، وبصراحة شديدة فإننى أشفق عليك من «الحلقة الجهنمية» التى أحاطت بك وأحالت حياتك إلى جحيم بين زوجتك وأمها وأبيها وأخوتها وجاركم الذى تحوم حوله علامات استفهام كثيرة، فألقى كل منهم بك إلى الآخرين، وتقاذفك الجميع وتلقيت الطعنات بلا ذنب ولا جريرة، ولا حتى رحمة مع أنك لم تسئ لأحد، ولم يكن لك هم إلا إرضاء الآخرين، ومن الطبيعى والحال كذلك أن يحطم الغدر القلب، وينتزع الحياة من أحشاء الروح، لكن العاقل هو الذى يضع الأمور فى نصابها الصحيح، ويدرك أن ما انكسر يحتاج إلى صبر طويل حتى يمكن رأب صدعه, وربما لا يمكن إصلاحه، كما أن إعادة الحياة بينكما صارت أشبه بمن يحرث فى البحر، فما دامت زوجتك مصرة على موقفها منك بهذه الأنانية التى بلغت حدا يصعب تحمله، فإن الحل الوحيد هو الانفصال عنها مهما يكن الثمن، فحل المشكلات المستعصية لا يتحقق إلا عندما نكون على استعداد للعمل على إسعاد الآخرين بالإضافة إلى أنفسنا، ولو كان فى نية زوجتك الصلح ولو بعد حين ما صنعت صنيعها، ولما سعت إلى تراكم خلافاتكما وبقائها دون حل، ولاستمعت إلى صوت العقل بالسعى إلى صيغة مقبولة لتلافى شقاقكما، وما دام كل منكما لا يتخذ الخطوة الأولى للتخلى عن بعض ما يريده، فإن صراعكما سوف يستمر إلى ما لا نهاية. إننى لا أدرى ما الذى صنعته معها فأوصلها هى وأهلها ومعارفها إلى هذا الموقف المعاند لك، وأحسب أن هناك وقائع لم تذكرها ربما تكون قد ساهمت فى تأجيج خلافاتكما، إذ غاب عنكما أن الحرص على الحياة الزوجية هدف شرعى أصيل، ومن ثم أمر الله كلا الزوجين بالمعاملة بالمعروف والرفق ببعضهما، وإحسان كل واحد للآخر والتجاوز عن الهفوات، فإن وقع الشقاق رتب الله طرقا للعلاج من الوعظ وتدخل أهل الخير وغير ذلك، ولكن إذا احتد الشقاق واستحالت العشرة بين الزوجين، أباح الله الطلاق كحل لا مفر منه، فقال تعالى: «وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا» (النساء 130)، أما زوجتك التى تتفنن فى البحث عن ثغرات قانونية لكى تحصل بها على الخلع والنفقة وغيرها من الأمور المادية، فإننى أسوق إليها ما حدث للكاتب الفلسطينى الدكتور إحسان عباس والذى ذكره فى كتابه «غربة الراعى»، إذ أصر والده على أن يتزوج إحدى قريباته، ولم يكن هو راغبا فى الارتباط بها، لكنه لم يجد حلا سوى الخضوع لأبيه، ثم حاول كثيرا تأجيل الزواج لعل الله يكتب له انفكاكا منه، وللأسف لم يكن الوقت فى مصلحته، وكان ذلك فى الأربعينيات من القرن الماضى، وفى قرية فلسطينية صغيرة تم زفافهما، وهو غير مقتنع بها، وسارت بهما الحياة كئيبة، وأنجبا طفلين، وذات يوم طلب منها الانفصال، وأن تذهب إلى أهلها فى فلسطين، وكان وقتها يقوم بالتدريس فى جامعة الخرطوم بالسودان، فجمعت زوجته أغراضها وتقبلت الأمر، إذ كانت تشعر منذ ارتباطها به أنه ليس سعيدا، وأنه رضخ لرغبة والده حين تزوجها، ولما رأى الأمتعة مكومة فى ركن من المنزل وطفلاه يلعبان بها أخذته العبرة، وحدث ما غيّر تفكيره تماما، إذ أعلن وقتها قيام دولة إسرائيل، وبدأ تهجير الفلسطينيين من قراهم وبلدانهم إلى مناطق أخرى وصاروا لاجئين بلا مأوى ومشردين بلا مساكن خاصة أن قريتهم كانت ضمن القرى التى احتلتها إسرائيل، وعندما رأى مناظر الأطفال والنساء والشيوخ وهم يهيمون على وجوههم فى أماكن لم يعرفوها من قبل، قال لنفسه: هل اللاجئون فى حاجة لإضافة ثلاثة آخرين يقصد زوجته وطفليه؟, وعندئذ طلب من زوجته أن يبقوا ويعيشوا معا، وقال كلمته التى تحمل درسا بليغا: «إذن علىّ أن أنضم إلى أكبر حزب فى الوطن العربى، وهو حزب الأزواج غير السعداء»!.. هذا هو كلام الدكتور إحسان عباس عما عاشه منذ أكثر من سبعين عاما، وأجدنى أنصح به زوجتك كحل أخير حتى ينشأ الأبناء بينكما، فليس على الحب تبنى البيوت، وإنما على التراحم والتكافل، وحسن العشرة، ولعل من حولها يشيرون عليها بذلك، ويعملون على تقريب المسافات بينكما، فكنوز الدنيا كلها لا تساوى أن يتشرد الأبناء بين أبوين لا يريد أحدهما الآخر لغرض زائل، إذ كم تساوى الشقة والمنقولات أمام انهيار أسرة كانت آمنة مطمئنة حتى لعب الشيطان برأس أم الزوجة فأحالت حياة ابنتها إلى جحيم؟!.
إننى على هذا الأساس أدعوكم جميعا إلى تحكيم العقل بعيدا عن المحاكم، وأن تتوصلوا إلى حل وسط، فمن يدرى فربما تتبدل الأحوال ويعيد كل واحد النظر فى موقفه من الآخر، وفى ذلك يقول الشاعر:
ما بين طرفة عين وانتباهتها
يغير الله من حال إلى حال
والمؤمن لا ييأس أبدا مهما أصابه من بلاء، وأعلم أنك إن استقمت على طاعة الله وصبرت على ما ألم بك من آلام، فلن يضيّعك سبحانه وتعالى أبدا، وأبشر بكل خير لقوله تعالى: «إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» (يوسف 90)، وأقول لحماك وحماتك وأبنائهما وجارهما: لا تنسوا أن الله يمهل ولا يهمل، وأن ما تزرعونه اليوم سوف تحصدونه غدا، والله فعّال لما يريد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.