يحكي الإعلام الأمريكي أن سبعينية تدعى كايل ماكورمك طلبت الطلاق بعد زيجة دامت 22 عاما لاكتشافها اعتزام زوجها التصويت للرئيس الأمريكي حاليا والمرشح الجمهوري حينذاك دونالد ترامب. صحيح أن الزوج المغدور لم يصوت في نهاية الأمر لترامب، لكن ماكورمك تمسكت بموقفها لرأيها أن مجرد تفكير طليقها في التصويت لترامب كانت القشة التي قصمت ظهر سنوات من احتمال أفكاره المحافظة المنغلقة، وهي الليبرالية الأصيلة. حالة ماكورمك ليست متفردة، فالمجتمع الأمريكي إجمالا ورغم هدوء غبار معركة الانتخابات الرئاسية ما زال أغلبه يقاسي من حالة الصدمة، مع تسبب الاستقطاب السياسي الشرس في تفشي الانقسامات الإنسانية وشيوع أعراض التوتر المرضي والاكتئاب النفسي حتى بعد حسم النتائج ومرور أكثر من ثلاثة أشهر على تولي ترامب مهام منصبه. فالرابطة النفسية الأمريكية، مثلا، تشير لبعض شواهد هذا المزاج المتأزم مع الارتفاع الحاد في معدلات التوتر النفسي والقلق بين عموم الأمريكيين. وتتضمن شواهد عصر القلق الأمريكي تعميق حالات الانقسام والنزاع واتخاذها شكلا عنيفا داخل الدوائر الاجتماعية بسبب حالة الاستقطاب السياسي المستعرة منذ الانتخابات، وليس لفوز ترامب في حد ذاته. فقد كشف استطلاع حديث أجرته هيئةRasmussen Reports تأكيد 40% من الأمريكيين أن الانتخابات والجدل الذي خلفته أثرت على علاقات صداقة وروابط عائلية وثيقة، بزيادة نسبتها 26% في مرحلة ما قبل التصويت الرئاسي مباشرة. وأضاف استطلاع أجرته وكالة أنباء رويترز للصورة مزيدا من التأكيد، إذ تبين أن 16% من المشاركين فيه قطعوا علاقاتهم بصديق أو أحد أفراد الأسرة بسبب الخلاف حول الانتخابات الرئاسية ونتائجها. كيف إذن كان لهذه الدورة الانتخابية تأثيرعظيم على توجيه المزاج العام الأمريكي بشكل فاق الدورات السابقة؟ يرجع ذلك إلى عدة عوامل أساسية بعضها يرجع إلى خطاب الرئيس الجديد ذاته الذي يعتبره خصومه متعارضا مع ما يطلق عليه «الثوابت والقيم الأمريكية» من حيث التنوع والانفتاح وقبول الآخر والقيادة الأمريكية للعالم الحر، ضمن قيم أخرى. والصدمة الأكبر لم تكن في أفكار المرشح في حد ذاتها، بل في رواجها حد فوزه الفعلي، فكان الإدراك أن السائد في المجتمع الأمريكي لا يتوافق مع موروث القيم المفترضة، بعبارة أخرى، الإدراك أن الأمريكيين ليسوا بوحدة القيم والأفكار المفترضة، وأن الاستثناء المتطرف والداعي للعزلة ليس محدودا، بل يشكل جمهورا كبيرا وقف وراء ترامب. وتحولت الصدمة إلى شعور بالتهديد الفعلي لدى فئات بعينها كانت من المغضوب عليها في خطاب ترامب مثل الأقليات الدينية والعرقية والمهاجرين والأمريكيين من أصول أجنبية والنساء وغيرهم، فالبعض اعتبر فوز ترامب تشجيعا على المجاهرة بعنصريتهم، مما انعكس على تزايد وقائع الاعتداء على الأمريكيين من أصول أفريقية أو لاتينية واستهداف المسلمين، رغم حقيقة أن الاعتداءات على السود مثلا كانت أكثر وضوحا في عهد أوباما، وأيضا على الرغم من حقيقة أخرى وهي أن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» بدأت في عصر بوش الإبن بعد هجمات سبتمبر 2001، ولم يكن ترامب وقتها موجودا! ويبدو غياب التوافق حول هوية الولاياتالمتحدة نتيجة منطقية إذا ما طالعنا بيان مركز «بيو» للدراسات حول أن الانقسام بين أنصار الحزب الجمهوري والديمقراطي بلغ مرحلة غير مسبوقة خلال الربع قرن الأخير. وأحد العوامل الرئيسية التي كرست للقلق الأمريكي كانت في التوافر الدائم لمنصة الجدل والصدام، ويقصد بذلك مواقع التواصل الاجتماعي، فالفيسبوك وأخواته تحولوا إلى ساحة للتصادم خلال مرحلة الانتخابات وما بعدها، وضعت حالة من الحصار والضغط العصبي بالنسبة لأغلب الأمريكيين بهيمنة الأخبار السياسية وفرض المناقشات حول الميول الحزبية حتى على من لا هم له في السياسة أصبح الهروب بالغ الصعوبة، كما أن مواقع التواصل توجت فكرة «القطيعة» بمعنى أن سهولة الإتيان بفعل «إلغاء الصداقة» لزميل أو أحد أفراد العائلة بضغطة زرار سهلت نفسيا عملية الاختلاف وقطع الصلات. فلا عجب أن خبراء التوجيه النفسي في الولاياتالمتحدة ينصحون حاليا ب«حمية»، أو ريجيم، فى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، رحمة بأعصاب الأمريكيين وللحد من فرص الصدام.