يمكن قياس فاعلية الدولة وحضورها فى المحافل الدولية والمجتمع الدولى، بقوتها العسكرية وقدرتها على بلورة تصور لأمنها الوطنى ووضعه موضع التنفيذ والتطبيق، أو بقوة بنائها الاقتصادى وعلاقاتها التجارية وطاقتها التصديرية وفتح أسواق جديدة لمنتجاتها، وكذلك بقدرة الدولة على نسج علاقات دولية مؤثرة وفعالة، وإقامة تحالفات جديدة تعزز مكانتها السياسية والدولية. وترتبط هذه الفاعلية بمدى كفاءة أجهزة الدولة المعنية بالتخطيط الاستراتيجى والسياسى وقدرتها على رصد وتحليل المتغيرات الجديدة فى الساحة الدولية، وتشخيص الوضع الدولى واستثماره فى إطار تعزيز المصلحة الوطنية بجميع الأدوات العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية ليس باعتبارها مجالات منفصلة، وإنما تكمل بعضها بعضاً وتصب فى اتجاه تحقيق الهدف المشترك للدولة. وإذا صح اعتماد هذه المقياس لفاعلية الدولة فإن العديد من التقارير العربية والدولية، وكذلك الأبحاث والدراسات، تشير بوضوح إلى تفوق الكيان الإسرائيلى فى المجال الاقتصادى ومؤشراته النوعية كالقدرة على التصدير فى مجال البرمجيات وغيره ومستوى الدخل الفردى، وكذلك فى إطار التطور العلمى والتكنولوجى ومؤشراته المختلفة، كالأبحاث والمؤتمرات وبراءات الاختراع وميزانيات التطوير وانفتاح الجماعة العلمية الإسرائيلية على الخارج. في هذا السياق يجيء تطور علاقات إسرائيل الدولية خاصة في آسيا والهندوالصين علي نحو خاص, وكذلك إفريقيا ودول حوض النيل كمقياس للفاعلية الإسرائيلية والصهيونية في تعزيز علاقات الكيان الصهيوني الدولية والإقليمية وقدرته علي فتح أفق لعلاقات جديدة ونوعية تضفي علي هذا الكيان مزيدا من شرعية الأمر الواقع وتحرره من قيود الارتباط الأحادي بالولاياتالمتحدةالأمريكية والتبعية السياسية الممكنة من جراء الاقتصار في علاقاتها علي قطب واحد أو أوحد, وتوسع في الوقت ذاته هامش المناورة السياسية والدبلوماسية أمامه وتمنحه أوراقا للضغط علي العالم العربي, وتمكنه من كسر أطواق العزلة التي تمكنت الدبلوماسية المصرية والعربية من بنائها حول إسرائيل طوال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات. بيد أنه إذا أمكن بناء تفسير للتفوق الإسرائيلي العسكري والاقتصادي والتكنولوجي علي ضوء المثلث المعروف المتمثل في تحالف إسرائيل والغرب والولاياتالمتحدة علي نحو خاص, والمساعدات والمنح والقروض التي تتلقاها, وامتدادات إسرائيل اليهودية والصهيونية في الخارج, الجاليات اليهودية واللوبيات اليهودية في الولاياتالمتحدة وغيرها من بلدان أوروبا الغربية وأخيرا وليس آخرا التماس المباشر والاقتراب المباشر أيضا من دوائر ومراكز البحث العلمي والتكنولوجي في الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها وانتفاء القيود الغربية علي ولوج إسرائيل للتكنولوجيات المتقدمة في الدفاع وغيره من المجالات, فإنه من الصعوبة بمكان تفسير تطور علاقات إسرائيل الدولية في آسيا وإفريقيا والهندوالصين علي نحو خاص, إلا علي ضوء تقاعس النظام العربي والدول المؤثرة فيه عن القيام بمهمته في حصار ومقاطعة إسرائيل وكشف طبيعتها العنصرية والعدوانية بل وتخليه عن هذه المواجهة الدبلوماسية الضرورية والمهمة في سياق الصراع العربي الإسرائيلي إن في حالة السلم وإن في حالة الحرب. غير أن النظام العربي لم يعد كما كان عليه الحال في هذه الحقبة التي سلفت الإشارة إليها; حيث افتقد إلي الفاعلية والتأثير وتعرضت قاعدة العمل العربي المشترك والتضامن العربي لهزات عنيفة, وتعرضت الدول العربية لتأثيرات كبيرة وضخمة من جراء نمو أدوار الفاعلين الإقليميين كتركيا وإيران وإسرائيل, ودخل العالم العربي منذ بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة في مسلسل يبدو أنه لا نهاية له, من الإرهاب والانتفاضات. وتعرضت الدول الوطنية في سورياوالعراق وليبيا واليمن لهزات عنيفة, وتغير جدول الأعمال بطريقة ملفتة للنظر, عنوانها إنقاذ الدولة الوطنية وإعادة البناء والتركيز علي الاعتبارات الداخلية, وحسم معركة وجود الدولة الوطنية في مواجهة الإرهاب والعنف, الذي لم يعد احتكارا للدولة بل شاركتها فيه جماعات وفاعلون أقل من الدولة من الإرهابيين والمتشددين والعقائديين الطائفيين, ولم تفلح الحدود الجغرافية والسياسية التي كانت قائمة في منع تدفق الإرهابيين من كل حدب وصوب, وكذلك تدفق الأموال والسلاح لتمويل هذه الجماعات, وتملكها عتادا وعدة متجددين طوال هذه السنوات العجاف, ولم تعد هذه الدول والأنظمة قادرة علي حماية مواطنيها, وتوفير ملاذات آمنة لهم فتدفقوا في موجات نزوح وهجرة إلي الشواطئ الأوروبية في مشهد غير مسبوق في تاريخ الهجرات في المنطقة برمتها. وقد أفضي كل ذلك إلي تواري القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي إلي خلفية المشهد العربي, وأصبح لكل دولة عربية شأن يغنيها عن الاهتمام بهذه القضية في حين أن الدبلوماسية الإسرائيلية تستثمر هذا الفراغ الذي أوجده تعثر النظام العربي والتحديات التي يواجهها إقليميا وداخليا. وتكاد تكون مصر هي الدولة الوحيدة الناجية من آثار هذه العواصف والاحتجاجات التي أفضت إلي زعزعة أركان الدولة العربية الوطنية وعصفت بالاستقرار القائم قبلها, وفرضت أجندة جديدة علي المنطقة العربية وفتحت الباب للإرهاب والجماعات الإرهابية تحت مسمي الإسلام السياسي ودولة الخلافة. فمصر انتبهت مبكرا لهذا المخطط وخبرت عواقبه إبان العام الواحد الذي سيطر فيه الإخوان المسلمون وحلفاؤهم من التيارات الإسلامية علي مقدرات البلاد, ووضعت نهاية لهذه السيطرة في الثلاثين من يونيو عام2013 وتمكنت من استعادة كيان الدولة وهيبتها ومواجهة الإرهاب والسير قدما في مضمار التنمية وتجديد البنية التحتية وخطة انطلاق الاقتصاد المصري. ومن الملفت للنظر حقا ذلك النجاح الكبير الذي حققته مصر في مجال العلاقات الدولية والسياسة الخارجية المصرية, حيث تمكنت مصر من القيام بنقلة نوعية وكيفية في علاقاتها الدولية الآسيوية والإفريقية والأوروبية, علي قاعدة التوازن والتعدد والانفتاح علي مختلف التكتلات الإقليمية والدولية, واستثمرت مصر في ذلك التقاليد العريقة للدبلوماسية المصرية والثقل المعنوي والحضاري الذي تتمتع به مصر, وتمكنت مصر من استعادة مواقعها التقليدية في إفريقيا ودول حوض النيل من خلال العديد من الخطوات والأساليب مثل الحوار والتفاوض وزيارات القمة بين الرؤساء وإنشاء الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في عام2014 مع إفريقيا والعالم الإسلامي, وتبادلت مصر زيارات القمة مع الصينوالهند وغيرها من الدول الإفريقية والآسيوية والأوروبية الغربية. وتمكنت مصر من تأكيد حضورها في المشهد الدولي وفي الدوائر التي كانت مؤثرة فيها في العقود السابقة وهذا الحضور يعزز مكانة القضية الفلسطينية والمطالب العربية, فثمة علاقة جدلية بين تطلع مصر لتحقيق مصالحها القومية وأمنها القومي وبين الأمن القومي العربي واستعادة القضية الفلسطينية لمكانتها في الساحة الدولية, ودفع الجهود التي ترمي إلي تحقيق السلام في حدوده المقبولة دوليا وإقليميا وعربيا والمستقرة منذ عدة عقود. ولا تزال مصر تسير في طريق بناء النموذج الذي كانت قادرة دوما علي بنائه; إن في الداخل أو في الخارج من زاوية التنمية والتعاون والشراكة مع مختلف الأقاليم والتكتلات التي بمقدورها تعزيز المصالح المصرية والمصالح المشتركة. ولا شك أن حضور مصر في المشهد الدولي من شأنه أن يعزز المطالب العربية في السلام والاستقرار ومحاربة الإرهاب كما أن تنويع علاقات مصر الدولية يصب في النهاية لمصلحة القضايا العربية وعلي رأسها القضية الفلسطينية, ويحجم التغلغل الإسرائيلي في آسيا وغيرها من المناطق والأقاليم ومن المهم في هذا السياق معرفة وتفهم الكيفية والأساليب التي تمكنت بها إسرائيل من مخاطبة الدول الكبري في آسيا والخطاب الإسرائيلي الموجه لهذه الدول, فهذه المعرفة تفتح الطريق لابتكار أساليب وبلورة وصياغة خطاب موجه لهذه البلدان. إسرائيل وآسيا: حققت إسرائيل اختراقات استراتيجية مهمة علي صعيد القارة الآسيوية, حيث نجحت في إقامة علاقات مع العديد من دول القارة, أبرزها تركياواليابان وتايلاند وبورما وكمبوديا والصينوالهند, وذلك عبر استراتيجية الطرق المتواصل علي أبواب آسيا, التي كانت فيما يبدو محكمة الإغلاق في وجه إسرائيل; بسبب التعاطف الآسيوي مع القضية الفلسطينية والعلاقات التاريخية التي ربطت العرب بآسيا عبر حركة التضامن الإفريقي الآسيوي وحركة عدم الانحياز. ولم تستند إنجازات إسرائيل في هذا المضمار علي مجرد انتظار فتح أبواب آسيا أو التعويل علي المتغيرات الدولية, وإنما تبنت استراتيجية نشطة; منذ أن اصطدمت بجدار الرفض الآسيوي خاصة من قبل الصينوالهند في عقد الخمسينيات عندما كان موسي شاريت رئيسا لوزراء إسرائيل. خطاب إسرائيل الدعائي الموجه للهند ارتكز الخطاب الإسرائيلي الموجه للهند من أجل تحقيق الأهداف الإسرائيلية حول عدد من العناصر المترابطة التي بمقدورها التأثير علي مواقف النخبة والحكومة والرأي العام, أول هذه العناصر يتمثل في زعم إسرائيل أنها دولة آسيوية وأنها جزء لا يتجزأ من القارة الآسيوية, وفق ما قاله موسي شاريت في الخمسينيات, ومن هذا الموقع الجغرافي فإن إسرائيل وضعت نفسها في حالة جوار جغرافي وحسن جوار يرتب إمكانية تبادل المصالح والمنافع كما هو العرف في العلاقات الإقليمية, ويعني ذلك أن إسرائيل ليست غريبة علي المنطقة وأن علاقتها بالغرب لا تقلل من انتمائها الآسيوي ولا تعرقله, من ناحية أخري فقد زعمت في خطابها الموجه للهند أنها تمثل بيت خبرة في مقاومة الإرهاب الإسلامي والفلسطيني في الأراضي المحتلة وإسرائيل, ويمكنها أن تقدم خبرتها للهند لمواجهة تداعيات النزاع الهنديالباكستاني حول كشمير, وتقليص موجات الإرهاب والتمرد التي يقودها إسلاميون متشددون من كشمير, وبذلك تستغل إسرائيل مشكلات الهند في كشمير ومع باكستان لإيجاد مصالح مهمة للهند مع إسرائيل عبر إقامة العلاقات والتعاون بين البلدين. علي صعيد آخر فإن إسرائيل تزعم أنها البلد الديموقراطي الوحيد في منطقة الشرق الأوسط, كما أن الهند من أكبر وأعرق الديموقراطيات في شبه القارة الهندية والبلدان الآسيوية, وذلك أحد أوجه الشبه والتماثل بين البلدين ويبرر تعاون الديموقراطيات في مواجهة الإرهاب والدول الاستبدادية. وتعلم إسرائيل في هذا السياق, المشكلات التي تواجهها الهند في مجال تطوير نظمها الدفاعية والتسليحية, وتأكيد أمنها الإقليمي, حيث تعاني الهند قدم أنظمة التسلح السوفيتية الروسية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق, وحاجتها لتجديد هذه النظم وتطويرها, وصعوبة الحصول علي تكنولوجيات متقدمة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وتقدم إسرائيل نفسها في هذا الإطار كحلقة وصل الهند بالتكنولوجيات المتقدمة في مجال الدفاع والتسليح وتطوير نظم التسلح وأجهزة الإنذار المبكر من طراز فالكون المحمول جوا, وتحتل إسرائيل المرتبة الثالثة في الدول التي تصدر السلاح إلي الهند. ومن الواضح أن الخطاب الدعائي الإسرائيلي الموجه للهند يجمع بين إرضاء الطموح الهندي في التفرد كأكبر ديموقراطية في آسيا وبين المصلحة الوطنية الهندية في الحصول علي تكنولوجيا متقدمة في مجال الدفاع ومعالجة قضايا الأمن القومي الهندي في كشمير وشبه القارة الهندية, بيد أنه مهما يكن الخطاب الإسرائيلي فإن استجابة الهند لهذا الخطاب وصياغة معالم سياسية هندية إزاء إسرائيل, اقترنت بظروف إقليمية ودولية اقتضت إعادة النظر في موقف الهند إزاء إسرائيل, فثمة من ناحية مشهد التسوية الرسمية العربية والتي بدأتها مصر باتفاق كامب دافيد والمعاهدة المصرية الإسرائيلية في عام1979, واعتراف مصر بإسرائيل وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها, وبعد ذلك وعقب انتهاء حرب الخليج الثانية ضد العراق قبل العرب مجتمعين صيغة مؤتمر مدريد وإطار التفاوض الثنائي والتفاوض متعدد الأطراف بهدف التوصل لاتفاقيات سلام وفق القرار242 و338, وكذلك انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية في شرق أوروبا والذي كان حليف الهند ومصدر تسليحها حتي ذلك الحين, وفي الوقت داته فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية والحديث عما أسمي النظام العالمي الجديد قد فرضا مزيدا من القيود علي الانتشار النووي والتكنولوجيات المتقدمة; للحؤول دون تملك بعض القوي والدول لهما وانطبق ذلك علي الهند التي كانت تطور مشروعها الوطني لتحديث الدفاع وتعزيز أمنها الوطني. وكان الاعتراف بإسرائيل وإقامة العلاقات معها وتدعيم التعاون بين البلدين في المجال العسكري والسياسي والاقتصادي والتكنولوجي مخرجا واقعيا لتطوير وتحديث الدفاع الهندي وتعزيز المصلحة الوطنية الهندية وإعادة بناء الموقف التقليدي الهندي إزاء إسرائيل خاصة أن الدول العربية ذاتها أو بعضها قامت بالفعل بتغيير موقفها إزاء إسرائيل, فالهند ليست ملكية أكثر من الملك, وأدركت الهند بحكم خبراتها وحساسياتها السياسية أن إسرائيل هي المدخل إلي التعاطف الغربي, وبوابة الحصول علي مستلزمات تطوير أبحاث الدفاع الهندية. علي صعيد آخر فإن غياب أية مبادرات عربية موجهة للهند تنطوي علي إحياء بعض الأطر المؤسسية للعلاقات التاريخية بالهند, أو إيجاد مؤسسات جديدة تدعم المصالح المشتركة العربية الهندية, أو تقدم الهند مزايا نسبية مقارنة بعلاقتها بإسرائيل, قد عزز من التوجه الهندي الجديد وساعد الهند علي التحرر من تلك القيود المعنوية والرمزية والتقليدية التي كانت تحكم الموقف الهندي من إسرائيل. إسرائيل وباكستان: كان لتطور العلاقات الهندية الإسرائيلية خاصة في مجال الدفاع والتسليح والتكنولوجيا تأثيرات مهمة علي باكستان الجار النووي المسلم للهند, والطرف الآخر في النزاع حول كشمير, حيث ارتأت باكستان أن التعاون الهندي الإسرائيلي خاصة في مجال التجسس بالطائرات ذات التكنولوجيا المتقدمة في جمع المعلومات, من شأنه أن يخل بالتوازن الإقليمي بين الهندوباكستان, وأن يعزز قدرات الدفاع الهندي في مواجهة باكستان, لاسيما وأن الهند طالما زعمت مرارا أن التعاون مع إسرائيل عسكريا موجه للباكستان; بمعني أنه في حالة قيام حرب بين البلدين فإن الهند ستحظي بدعم قوة عسكرية لا بأس بها ألا و هي قوة إسرائيل في مواجهة ذلك لوحت باكستان بأن مصلحة إسرائيل معها تفوق بكثير مصلحتها مع الهند; لأن باكستان هي القوة النووية الإسلامية الوحيدة وبمقدورها تسريب تكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل لأطراف النزاع العربي مع إسرائيل, وفي الوقت ذاته فإن إسرائيل حريصة علي تحييد القوة النووية الباكستانية في أي صراع مستقبلي مع العرب والمسلمين. ونتيجة لحسابات معقدة أجرتها كل من إسرائيل وباكستان شاركت فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية وعلي ضوء ظروف خاصة بالحرب علي الإرهاب بعد11 سبتمبر, يمكن القول إن تفاهما استراتيجيا غير مكتوب بين إسرائيل وباكستان يجري العمل به, يقضي بعدم التدخل في المجال الجغرافي الحيوي للآخر, وعدم الإخلال بموازين القوي في الأقاليم التي توجد بهما إسرائيل وباكستان, فإسرائيل لا تتدخل إلي جانب الأطراف التي تناوئ باكستان في كشمير وآسيا الوسطي وأفغانستان كما أن باكستان لن تتدخل إلي جانب الأطراف المتنازعة مع إسرائيل. ولكل من البلدين مصلحة حيوية في هذا التفاهم غير المكتوب, أو التفاهم الاستراتيجي الصامت كما أسماه البعض. بيد أن ملف العلاقات بين باكستان وإسرائيل يخضع لتنازع تيارين أساسيين أولهما قومي ليبرالي يسلم بأن العرب قد خذلوا باكستان في قضية كشمير وهو علي استعداد للاعتراف بإسرائيل استنادا إلي هذه القاعدة, أما الثاني وهو التيار الإسلامي السائد وهو وإن كان يقر بخذلان العرب لباكستان في القضية الكشميرية إلا أنه يري أن القضية الفلسطينية هي قضية باكستان الأولي ولا يرغب في الاعتراف بإسرائيل. وتستهدف باكستان من المناورة حول ملف علاقتها بإسرائيل أمرين, وذلك في الحد الأدني المقبول باكستانيا, الأول تحييد المؤسسة العسكرية الصناعية في إسرائيل; حتي تقلص من دعمها التكنولوجي للهند, أما الثاني فهو تحييد اللوبي الموالي لإسرائيل في مؤسسة صنع القرار الأمريكي المتعلق بباكستان, خاصة بعد أحداث11 سبتمبر عام2001, والقرارات المهمة التي اتخذتها باكستان في إطار الحرب علي الإرهاب; وذلك بهدف صوغ سياسة أمريكية في المنطقة تعترف بمصالح باكستان الحيوية وضرورات أمنها القومي في الإقليم. إسرائيل والصين: خضعت علاقة الصين بإسرائيل لميراث ومعادلات الحرب الباردة; حيث اعترفت إسرائيل بالصين الشعبية اعترافا كاملا وقانونيا عام1950, غير أن الصين لم تبادل إسرائيل هذا الاعتراف; حيث انخرطت الصين الشعبية في معسكر باندونج وعدم الانحياز, وتبادلت العلاقات الوثيقة بالدول العربية, لا سيما في الستينيات, وأيدت نضال الشعب الفلسطيني وكفاح الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي, في عقد السبعينيات بدأت بوادر إيجابية في علاقات الصين بإسرائيل; حيث أيدت الصين مبادرة السادات ومعاهدة كامب ديفيد والحل السلمي للقضية الفلسطينية. من ناحية أخري كانت هذه الفترة تشهد تفاهما تدريجيا بين الصينوالولاياتالمتحدةالأمريكية عبر ما عرف بدبلوماسية, البينج بونج,, وتبنت الصين في أواخر السبعينيات سياسة الانفتاح الاقتصادي, وسعت لتحسين علاقاتها بالدول الأخري. كانت محصلة هذه التطورات إيجابية علي العلاقات بين الصين وإسرائيل, حيث قلصت هذه التطورات الحرج عن إسرائيل في معرض سعيها لتطوير علاقاتها بالصين, فالحليف الأول لإسرائيل, أي الولاياتالمتحدةالأمريكية, اتخذ مسارا مختلفا في علاقته بالصين, ومن ناحية أخري, فإن توقيع معاهدة كامب ديفيد والمعاهدة المصرية الإسرائيلية قد رفع الحرج عن الصين في نظرتها لإسرائيل, ومنذ ذلك الحين اتجهت العلاقات الصينية الإسرائيلية إلي تجاوز مناخ الحرب الباردة واستكشاف آفاق المصالح الممكنة بين الجانبين. وعبر عدة صفقات عسكرية في مجال الطيران والدبابات والصواريخ والأجهزة الإلكترونية المتنوعة, في أوائل الثمانينيات ومنتصف الثمانينيات, حدد كل من الجانبين أجندة المصالح والأولويات التي ينشد تحقيقها من خلال التعاون والتقارب الذي أفضي إلي إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء بين البلدين في24 يناير عام.1994 فيما يتعلق بالصين; فإن وجهة تطور علاقاتها بإسرائيل قد اتخذت مسارا مشابها لتطور العلاقات الهندية الإسرائيلية, حيث بدأت هذه العلاقات في مجال التسلح والتكنولوجيا العسكرية وأنظمة التسليح المتقدمة الغربية, خاصة في مجال الطيران; لإعادة تشكيل موازين القوي بجنوب آسيا لمصلحة الصين في نزاعها مع تايوانوالهند والمنافسة التقليدية مع اليابان, وأصبحت إسرائيل بالنسبة للصين هي بوابة الحصول علي التكنولوجيا المتقدمة لتحديث الدفاع الصيني, بالإضافة إلي المجهود الوطني الصيني لتحديث وتطوير البنية الدفاعية الصينية. يضاف إلي ذلك أن تقارب الصين وإسرائيل, من وجهة النظر الصينية, قد يمكن الدبلوماسية الصينية من الاستفادة علي نحو أو آخر من وجود اللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل في مؤسسات صنع القرار الأمريكي, خاصة في مجال حقوق الإنسان في الصين, وتعزيز موقف الصين إزاء تايوان, وتسهيل انخراط الصين في المجتمع الدولي وإنهاء عزلتها الدولية. أما من ناحية إسرائيل فإن قراءة الخبرة التاريخية للصهيونية وإسرائيل طوال ما يفوق نصف القرن تشير إلي أن إسرائيل تسعي لتوطيد علاقاتها بالقوي الكبري الفاعلة في النظام الدولي, حيث ركزت في البداية علي المملكة المتحدة, ثم توجهت إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية فيما بعد, واستنادا إلي هذه الخبرة فإن إسرائيل تري في الصين قطبا عالميا مؤثرا في القرن الحادي والعشرين, بحكم ثقله الاقتصادي والجغرافي والعلمي والسكاني, وفضلا عن ذلك فإن الصين تحظي بحق الفيتو في مجلس الأمن, وأن استثمار علاقتها بالصين والفرصة المتاحة لتطويرها سيكفل لإسرائيل دعما سياسيا ودوليا خصما من رصيد العرب خلال عقد الستينيات والخمسينيات, وسيترتب علي ذلك تخفيف الضغط علي إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية, وهو الأمر الذي سيعزز الموقف الإسرائيلي في مواجهة العرب, كما أن تطوير علاقة إسرائيل بالصين سيدفع بالأخيرة لمراجعة سياساتها العربية, وسيمكن إسرائيل من تقليص صفقات ونوعية الأسلحة التي قد تقدمها الصين للدول العربية. تعتمد إسرائيل في علاقاتها مع الغرب علي مصادر داخلية في بنية المجتمعات الغربية ونسيجها الداخلي, مصادر تتنوع بين الثقافة والحضور في الدوائر الاستراتيجية والسياسية والعلمية وتحرص علي تجديد وتغذية وتفعيل هذه المصادر بشكل مستمر واستثمارها إلي حدودها القصوي, غير أنه في الحالة الآسيوية تعتمد إسرائيل علي أدواتها الدبلوماسية والاستخباراتية والاقتصادية وقدرتها علي تطوير خطاب يتوجه مباشرة لمصالح هذه الدول وينشيء فضاء مشتركا معها من تبادل المنافع والرؤي ولا شك أن العالم العربي ومصر خاصة تمتلك من هذه الأدوات الكثير, فهي تمتلك الرصيد التاريخي لهذه العلاقات والذي يمكن البناء عليه وتمتلك السوق الواسعة للتبادل التجاري وفرص الاستثمار, وتشاطر هذه البلدان التطلع المشترك لعالم متعدد الأقطاب يحكمه القانون الدولي وتشكل هذه العناصر مجالا واسعا لإنشاء فضاء عربي أسيوي من المصالح والتطلعات المشتركة تعزز الحضور العربي والمطالب العربية ومصر بادرت في هذا الاتجاه وفتحت الأبواب مجددا أمام الدبلوماسية العربية لتفعيل الحوار والشراكة مع هذه البلدان.