ضمن «السداد النقدي الفوري».. «المالية» تصرف 5 مليارات جنيه من دعم المصدرين ل 360 شركة    أسعار اللحوم البلدي والضاني اليوم الثلاثاء 11-6-2024 في الأسواق ومحال الجزارة في المنيا    تنظيم ندوات توعوية ودينية لحجاج السياحة يوميا بالتنسيق مع الأوقاف    الزراعة: تشكيل لجان توعية وإقامة ندوات إرشادية للتعرف على آفات المحاصيل الصيفية    وزيرة التعاون الدولي: مصر حريصة على تنويع علاقاتها الاقتصادية مع شركاء التنمية ومختلف بنوك التنمية متعددة الأطراف    محمد معيط: نستهدف بناء مستقبل اقتصادي أكثر مرونة واستدامة يقوده القطاع الخاص    مفاجأة بشأن الراحلين عن الزمالك في الانتقالات الصيفية    الاتفاق تم.. النصر يضع الرتوش الأخيرة لضم حارس يوفنتوس    الأرصاد تكشف موعد ذروة ارتفاع درجات الحرارة.. ستصل ل 48 درجة (فيديو)    بسبب الشبورة.. تفاصيل إصابة 10 أشخاص في حادث تصادم مروع على الدائري الإقليمي    ضبط 133 مخالفة تموينية متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق في المنيا    سفير الكونغو في زيارة لمكتبة الإسكندرية    الليلة.. مهرجان فرق الأقاليم المسرحية يواصل فعالياته ويعرض التحول والطاحونة الحمراء    تراجع كبير في أسعار السيارات والحديد والهواتف المحمولة في السوق المصري    تصفيات كأس العالم وأمم آسيا، تشكيل منتخب الإمارات المتوقع ضد البحرين في مواجهة الليلة    موعد إعلان نتيجة امتحانات نهاية العام بجامعة طيبة التكنولوجية    مفاجأة صادمة عن حرارة العام المقبل.. «الأرصاد البريطانية»: لن تنخفض    إصابة 4 أساتذة جامعيين أمريكيين في حادث طعن بالصين    سأمنعها داخل شركتي.. إيلون ماسك يهدد آبل لهذا السبب (ما القصة؟)    الداخلية تواصل جهود مكافحة جرائم الاتجار فى المواد المخدرة والأسلحة ب3 محافظات    حفظ التحقيقات حول إنهاء سائق حياته بكرداسة    زيلينسكي يشارك في مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا في برلين    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    تكريم مبدعين من مصر والوطن العربي بافتتاح المعرض العام للفنون التشكيلية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 11-6-2024في المنيا    ارتفاع مؤشرات البورصة المصرية في بداية تعاملات اليوم الثلاثاء    محافظ القليوبية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى المبارك    خبير تحكيمي يوضح هل استحق منتخب مصر ركلة جزاء أمام غينيا بيساو    منتخب هولندا يكشف بديل دي يونج في يورو 2024    روسيا تبدأ المرحلة الثانية من مناورات القوات النووية    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    موعد عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل دواعي السفر على منصة WATCH IT    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض التصوير الفوتوغرافي لطلاب فنون جميلة    استخدام الأقمار الصناعية.. وزير الري يتابع إجراءات تطوير منظومة توزيع المياه في مصر    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    أدعية مستحبة فى اليوم الخامس من ذى الحجة    محافظ بني سويف يوافق على تجهيز وحدة عناية مركزة للأطفال بمستشفى الصدر    "الصحة" تنظم ورشة عمل على تطبيق نظام الترصد للأمراض المعدية بالمستشفيات الجامعية    مكون يمنع اسمرار اللحم ويحافظ على لونها ورديا عند التخزين.. تستخدمه محلات الجزارة    لطلاب الثانوية العامة.. احذر 6 عادات قاتلة تسبب هبوط الدورة الدموية    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    وصول آخر أفواج حجاج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    محافظ الأقصر يبحث التعاون المشترك مع الهيئة العامة للرقابة الصحية    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    8 نصائح من «الإفتاء» لأداء طواف الوداع والإحرام بشكل صحيح    فلسطين.. إضراب شامل في محافظة رام الله والبيرة حدادا على أرواح الشهداء    شغل في القاهرة.. بحوافز وتأمينات ورواتب مجزية| اعرف التفاصيل    شهداء وجرحى غالبيتهم أطفال في قصف إسرائيلي لمنزل مأهول شمال غزة    ذاكرة الكتب.. كيف تخطت مصر النكسة وبدأت حرب استنزاف محت آثار الهزيمة سريعًا؟    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    كواليس جديدة بشأن أزمة رمضان صبحي ومدة إيقافه المتوقعة    صلاح لحسام حسن: شيلنا من دماغك.. محدش جه جنبك    مختار مختار: غينيا بيساو فريق متواضع.. وحسام حسن معذور    أحمد كريمة: لا يوجد في أيام العام ما يعادل فضل الأيام الأولى من ذي الحجة    إبراهيم عيسى: طريقة تشكيل الحكومة يظهر منهج غير صائب سياسيا    وفد من وزراء التعليم الأفارقة يزور جامعة عين شمس .. تفاصيل وصور    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدالة الإنتقائية

سمعنا عن العدالة الإنتقالية‏,‏ والعدالة الانتقامية‏..‏ الجديد هو العدالة الإنتقائية‏,‏ عدالة اللي علي كيفك‏..‏ وعلي قد قوتك تاخد عدالة يا سيد‏..‏ شريعة غاب بامتياز‏..‏ أتذكر في زمن مضي, كنت مع والدي المحامي, رحمه الله, أحضر معه إحدي الجلسات, وأدهشني أن محامي الخصم تشاجر مع الوالد بعد انتهاء الجلسة وهو يصرخ في هيستيرية أن القاضي مرتش.. كان هلعي كبيرا, إلا أن الوالد طمأنني بأن الخاسر في أي قضية لا يعترف بالحكم أبدا, وأشار ساخرا إلي ما يحدث عندما يخسر فريق لكرة القدم.. أنهم يتهمون الحكم بعدم النزاهة.. شرح لي أن حكم القضاء ينبغي أن يكون عنوانا للحقيقة حتي ولو لم يكن علي هوانا, بل حتي لو كان حكما ظالما, لأننا لو درجنا علي احتقار أحكام القضاء, فأن العقد الإجتماعي سوف ينفرط, وتسود الفوضي التي لا تبقي ولا تذر..
خلال الفترة الأخيرة زادت ما تسمي قوائم العار والقوائم السوداء التي تضم في بعضها أسماء لرموز ومشاهير فكرية وأدبية وفنية, حتي أوشكت المسألة أن تتحول إلي نوع من المكارثية المصرية علي غرار المكارثية الأمريكية المنسوبة إلي نائب الكونجرس الأمريكي جوزيف مكارثي الذي تبني عام1950 حملة شعواء ضد من اتهمهم بالتعاطف مع الشيوعية, فقام بإعداد قائمة ضمت العديد من الأسماء, واستمرت الحملة في تصاعدها, حيث دمرت سمعة ومستقبل شخصيات عديدة بارزة في المجتمع الأمريكي, وتم تحقيرهم بإعتبارهم جواسيس للإتحاد السوفييتي, وترتب علي ذلك تحقيقات قضائية أدت إلي سجن البعض بالفعل, وفصل البعض الآخر من أعمالهم.. ولم تتوقف هذه الحملة إلا عام1954 عندما أدان مجلس الشيوخ الأمريكي هذه الممارسات, وأصبحت المكارثية إصطلاحا في علم السياسة يطلق علي أي توجه يستهدف إرهاب المثقفين والحط من قدرهم لتحقيق مآرب سياسية.
وأخشي أن الأمر يتطور تدريجيا كي يصبح نوعا من محاكم التفتيش المصرية علي غرار ما قامت به الكنيسة الكاثوليكية في القرن الثالث عشر حيث أمر البابا جرينوار التاسع عام1233 بإنشاء محاكم التفتيش لمقاومة الهرطقة, حيث كان رجال الدين في البلاد المختلفة يقومون بمراقبة رعاياهم, وكان الناس يعتقلون لأتفه شبهة, وأحيانا كثيرة بوشاية من الجيران, ويلاقي المعتقل صنوف التعذيب الجسدي والنفسي حتي يعترف بذنبه, وفي الغالب كان يخر منهارا ويعترف بما لم يرتكبه, واشتهرت تلك الفترة بالمحارق التي كان يحرق فيها المذنبون الذين وصل عددهم إلي الآلاف, ومن أشهر من تعرض للعذاب علي أيدي محاكم التفتيش العالم الشهير جاليليو الذي أجبر علي التراجع عن نظريته العلمية, وبالتالي أفلت من الإعدام, ووضع تحت الإقامة الجبرية في فلورنسا, لم تعترف الكنيسة بخطئها في حق جاليليو إلا بعد مرور ما يزيد علي ثلاثمائة عام علي محاكمته, ولم تتوقف تلك المحاكم إلا في القرن السابع عشر.
ويحكي جوستاف لوبون في كتابه الشهير حضارة العرب عن معاناة المسلمين في أسبانيا علي يد محاكم التفتيش, وكيف كان بعض الرهبان يقومون بتعميدهم عنوة, ويحرقون عددا كبيرا منهم, ومن أشهر هؤلاء الرهبان هو الراهب بليدا الذي أمر بقطع رؤوس كل المسلمين الذين لم يعتنقوا المسيحية, بل كان يري بقتل الذين تحولوا إلي الدين المسيحي لأنه من الصعب تبيان مدي صدق تحولهم إلي الديانة الجديدة.
أن ذلك الميراث التاريخي من التعصب وضيق الأفق يبدأ بمحاربة الأفكار والتفتيش خلف النيات, وينتهي بصراعات دموية تمزق المجتمعات, ومن المؤسف أن رؤوس هذه الظاهرة قد بدأت تبرز في مصر, وهي تبخ سمومها في اتجاهات مختلفة, فتارة تتقمص صورة المكارثية في إلصاق تهمة الفلول بأي صاحب رأي معارض, وتارة تنصب محاكم التفتيش خلف نيات أي مصري قاده حظه العاثر يوما أن ينضم للحزب الوطني أو كتب مقالا أو كتابا أو أغنية فيها رائحة التعاطف مع الحزب الذي سقط كبيت من ورق أمام عاصفة انتفاضة الشعب في ثورة25 يناير.2011
وتزداد المشكلة تعقيدا إذا تسربلت بالدين واتخذته سلاحا لإقتحام ضمائر الآخرين أو لفرض مفهوم بعينه عليهم, وهنا تقفز صورة محاكم التفتيش في أجلي صورها, ويستبدل مشهد المشانق والمحارق بمشهد قطع الرؤوس والآذان, وينصب بعض الأدعياء أنفسهم حراسا للعقيدة وحسن سلوك وآداب الآخرين.
هذه الهجمة الشرسة التي تنفي العقل وتقتل أروع المشاعر الإنسانية في التسامح, تحول المجتمع إلي كائنات مشوهة متعطشة دائما للإنتقام والتشفي والثأر, وتجعل الخوف ملازما لكل إنسان في حركته وأفكاره, بما يشبه الجنون الذي يعطل تقدم الأمم ورقيها, لأن آفة الإبداع والابتكار هي الخوف, ولقد كان الإسلام رسالة تنوير, تحض علي الحرية والعلم, ترفض بشكل قاطع تفتيش الضمائر والنيات, فكيف نقبل بالإنحدار إلي هذا المستنقع الآسن الذي سيحول المجتمع إلي وحوش ضارية تتصارع في غابة الغباء؟؟.
يجب أن تتوقف علي الفور تلك الحملات المكارثية الكارثية, وأن يترفع الجميع عن أسلوب محاكم التفتيش الذي لا يليق بمصر ما بعد الثورة, ناهيك عن تعارضه مع صحيح الدين, وأقول لأولئك الذين ينفخون في نيران الكراهية والتعصب الوثنية, إن تلك النار سوف تلتهم الجميع في النهاية, لأنه سيوجد دائما من يفتش في ضمير الآخر وينصب نفسه وصيا أو مبعوثا إلهيا إلي آخر رجل وامرأة..
اللهم بلغت, اللهم فاشهد..
المزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.