تسابق لجنة إعداد الدستور الزمن لكي تنتهي من إعداد الدستور الجديد قبل نظر الدعوي ببطلان تشكيلها في سبتمبر القادم. ويلاحظ أن إعداد الدستور الجديد يتم في غياب ممثلين حقيقيين للعمال والفلاحين والفئات المهمشة بعدد كاف رغم أن هذا الدستور يجب أن يضمن لهذه الفئات التي عانت طويلا من الاستغلال والتهميش التمتع بحقوقها الإقتصادية والاجتماعية التي تتوقف عليها قدرتها علي مواصلة الحياة. ولأنه بدون الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن لهم أن يمارسوا حرياتهم وحقوقهم السياسية والمدنية فلا حرية لجائع ولا تصويت حرا لعاطل أو فقير. وقد أثبتت الممارسة الفعلية أن انتشار الفقر والبطالة أدي بالمواطنين إلي بيع أصواتهم الانتخابية مقابل زجاجة زيت وكيس من الدقيق أو بضعة جنيهات. لهذا كله يجب أن تحتل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مكانة هامة في الدستور الجديد لمصر. يؤكد هذه الأهمية أن الجيل الجديد من الدساتير قد أعطي أهمية خاصة للحقوق الإقتصادية والإجتماعية. وتفرد هذه الدساتير أبوابا كاملة تعالج تفصيليا هذه الحقوق. وإذا أخذنا دستور البرازيل الصادر عام1988 مثالا فإننا سوف نكتشف إلي أي حد إهتم واضعوه بهذه الحقوق. حيث أفرد لها بابا كاملا وموضوعه النظام الاجتماعي, ويتكون هذا الباب من ثمانية فصول تعالج قضايا الرعاية الاجتماعية, والصحة, والضمان الإجتماعي, والمساعدة الاجتماعية, والتعليم والثقافة. يبدأ هذا الباب بحكم عام ينص علي( يستندالنظام الاجتماعي إلي قيمة العمل العليا ويرمي إلي تحقيق الرفاه والعدل). وطبقا لهذا المبدأ فإن معالجة دستور البرازيل للحقوق الإقتصادية والإجتماعية تتناول بالتفصيل كيفية توفير حق العمل للمواطن وضمان تمتعه ببالتعليم والصحة والرعاية والمساعدة الإجتماعية لكي يكون قادرا علي ممارسة هذا الحق. ولا يكتفي الدستور بالنص علي هذه الحقوق من حيث المبدأ وإنما يتناول كيفية ضمان هذه الحقوق. مثال ذلك أن الدستور عندما يتناول الرعاية الإجتماعية يبدأ أولا بتحديد المقصود منها( تتكون الرعاية الإجتماعية من كل متكامل من التدابير التي تبادر إليها الحكومة والمجتمع, بهدف كفالة الحقوق المتعلقة بالصحة والضمان الاجتماعي والمساعدة), ثم يحدد الدستور بعد ذلك الأهداف التي تتحمل الحكومة مسئوليتها في تنظيم الرعاية الاجتماعية وهي: شمول التغطية والخدمات للجميع. وحدة استحقاق السكان الحضريين والريفيين للخدمات التي تقدم لهم. مراعاة عدالة التوزيع فيما يتعلق بتوفير الإستحقاقات والخدمات. عدم قابلية قيمة لاستحقاقات للتناقص. المشاركة العادلة في التمويل وتنوع أساس التمويل. الإلتزام بالإدارة الديمقراطية واللامركزية لهذه العملية من خلال إدارة تضم أربعة أطراف هم العمال وأصحاب العمل وأرباب المعاشات والحكومة. مثال آخر من دستور البرازيل حول كيفية معالجة الجيل الجديد من الدساتير للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بإيراد التفاصيل التي تكفل ضمان وصول الحق إلي مستحقيه في إطار من العدالة والجودة هو مثال الصحة حيث يأتي حكم عام ينص علي( الصحة حق للجميع وواجب علي الدولة, وينبغي كفالتها بواسطة السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي ترمي إلي الحد من مخاطر التعرض للمرض وغير ذلك من الأخطار وإلي استفادة الجميع علي قدم المساواة من التدابير والخدمات التي ترمي إلي تحسين الصحة وحمايتها والتعافي). وبعد هذا الحكم العام يحدد الدستور مسئولية الحكومه في تنظيم الخدمه ومراقبتها وبالنسبة للتعليم ينص دستور البرازيل علي( يشجع ويعزز التعليم وهو حق للجميع وواجب علي الدولة وعلي الأسرة مع تعاون المجتمع, تحقيق النماء الكامل للشخص وإعداده لممارسة المواطنة, وتأهيله للعمل), ويحدد بعد ذلك المبادئ التي تنظم الحصول علي هذا الحق في سبعة مبادئ تضمن تكافؤ شروط الحصول علي التعليم والبقاء في الدراسة, وحرية التعليم والتدريس والبحث والمعرفة, وتعددية أفكار التدريس ومفاهيمه, ومجانية التعليم العام وتقدير قيمة المدرسين وضمان حد أدني لرواتبهم وتأهيلهم علميا, والإدارة الديمقراطية للتعليم العام, وضمان معايير جودة التعليم. هذا المنهج في تناول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الدساتير الجديدة مطلوب بشدة في الدستور المصري الجديد, حيث لم يعد يكفي النص علي الحقوق بل لابد من معالجة كيفية تقديم الخدمة وضمان الجودة. ومن اللافت للنظر أن المواطنين في مصر يطالبون بذلك أيضا من واقع خبرتهم مع الدساتير السابقة التي إكتفت بالنص علي الحقوق دون التطرق إلي كيفية تقديمها وشروط الخدمة وضمان الجودة فضاعت هذه الحقوق في دهاليز البيروقراطية المصرية واحتلت مرتبة متدنية في أداء النظام السلطوي. ولهذا فإننا نلاحظ أن هذا التوجه موضع إجماع المواطنين الذين شملتهم دراسة أجرتها المجموعة المتحدة بعنوان( المصريون والدستور) فقد أفاد هؤلاء المواطنون أن الدستور يجب أن ينص علي الحد الأدني والحد الأقصي للأجور بما يتناسب مع الأسعار والنص علي زيادة الأجور حسب معدلات إرتفاع الأسعار, وبالنسبة للبطالة يطالب المشاركون بأن ينص الدستور علي منح إعانة بطالة للعاطلين مع ضمان وصولها لمستحقيها ويطرحون أفكارا جديرة بالمناقشة مثل ربط إعانة البطالة بشرط تلقي العاطلين حزمة من التدريبات الفنية والمهنية التي من شأنها تزويدهم بمهارات متخصصة وفقا لإحتياجات سوق العمل, وإلزام الدولة بتوفير فرص عمل حقيقية للعاطلين, ويطرح البعض مسألة تمويل مشروعات صغيرة أو متناهية الصغر للمتعطلين بما يوفر فرص عمل لأصحاب المشروعات وغيرهم, يمكن أن تستوعبهم هذه المشروعات. وبالنسبة للتعليم والصحة لابد من النص علي إجراءات محددة لضمان جودة التعليم العلاج وكيفية توفير الشروط الضرورية للعدالة في توفير هذه الخدمة لجميع المواطنين. وهكذا فإنه من المهم للغاية ألا يتخلف الدستور المصري الجديد عن آخر ما حققته الدساتير الأخري من ضمانات لتمتع المصريين بحقوقهم الإقتصادية والإجتماعية. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر