يحظى الأدب الشعبى باهتمام كبير فى الثقافة والتراث المصرى ويمثل بنيانا أساسيا فى تلك الثقافة نتيجة لتعدد الروافد البيئية فى المجتمع والتى تشكل فى مجملها نسيجا متناغما ومتجانسا قلما تجده فى مكان آخر وإيمانا من مكتبة الإسكندرية بالأهمية التاريخية والحضارية لهذا التراث، وضعت نصب أعينها التراث النوبى كنموذج فريد لثقافة محلية، وفى مطلع العام الجارى أطلق مركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى بمكتبة الإسكندرية بدعم من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ضمن البرنامج القومى لتوثيق التراث المعنوى بمختلف أنواعه مجموعة بعنوان (حواديت زينب كوتود) لتقديم ثقافة المجتمع النوبى من خلال تلك الحكايات للروائى الراحل إبراهيم شعراوي وهو أحد رواد أدب الطفل على مستوى الوطن العربى مع الأديبين الراحلين فى هذا المجال وهما عبد التواب يوسف وإبراهيم الكيلاني، بالإضافة الى كونه كاتبا وروائيا كان أيضا من الشعراء الذين عبرت أشعارهم عن البيئة النوبية تعبيرا دقيقا وكانت لها تأثير فى إنتاجه الأدبي. وقال الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية فى التقديم للمجموعة الصادرة (زينب كوتود) إنه كان واجبا على المركز توثيق هذه الحواديت فى إطار اهتمام المكتبة بالحفاظ على التراث المصري وبأنه تمت مراعاة دعم الحواديت بلوحات فنية مستوحاة من الخيال تضم مفردات الفولكلور النوبى وأيضا تم مراعاة المحافظة على بساطة الأسلوب وسلاسته حرصا على خروج هذا التراث فى أبهى صوره والتعريف به للتأكيد على الهوية المصرية وخصوصا فى ذهن الأجيال القادمة. والحكايات جمعها إبراهيم شعراوى عن جدته زينب وترجمها الشاعر النوبى محيى الدين صالح، حيث كان من المقربين إلى شعراوى وقام بالإعداد للحواديت عادل موسى برسومات سلمى كمال. ويقول محيى الدين صالح إن الحفيد إبراهيم شعراوى قد سمع من جدته زينب كوتود من أبناء قرية (الجنينة والشباك) -إحدى القرى النوبية- للقصص والحكايات، حيث قام بصياغتها واسمها الحقيقى زينب «فاتي» واشتهرت ب«كوتود». ويقال إن (كو) هو كائن خرافى قوى له تأثير مغناطيسى كما تطلق على الأسد أيضا أما (تود) فمعناها «ابن» وأبطال حكايات زينب من الأبقار والتماسيح والطيور والغيلان والشياطين وعبارة عن قصص اجتماعية نجد فيها صراعا بين الخير والشر وجوانب هامة من حياة النوبيين قديما. ويضيف أن زينب التى ورثت هذه الحكايات عن جدتها كانت تجلس أمام منزلها فى النوبة القديمة فى موعد محدد توقيته بعد غروب الشمس، حيث كانت تزعم وكما كان يشاع هناك قديما أن من يقوم برواية الحواديت قبل الغروب يصاب بالعمي!. وتتسم حكاياتها بكثرة التفاصيل وعندما جاءت الى القاهرة عقب التهجير وعاشت فى حى عابدين كانت تتبع نفس الأسلوب فى السرد وكان الناس يعتبرونها قاصة مميزة وأستاذة فى البيان رغم أنها لم تدرس أو تلتحق بمدرسة. ويقول الناس عنها فى القرية إن المرأة التى لا تأتى بطفلتها لزيارتها لا تتزوج ابنتها مدى الحياة.. لذا كانت المراكب الشراعية تقف على شاطئ قريتها فى جماعات ومعهم الأطفال الصغار لزيارتها. ويشير محيى الدين صالح إلى ان تلك الحكايات تجسيد حقيقى لعمل الراوى والمؤرخ كما أن شخصيتها المميزة أحاطتها بهالة من السحر رافقتها على مدى حياتها الطويلة أصدرها مركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى بمكتبة الإسكندرية. وشخصية زينب التى عاشت حياة مديدة لا تقل إثارة عن تلك الحكايات التى كانت ترويها، فقد كانت أيضا تحفظ القرآن الكريم وتعرف تاريخ القرية وبطولات رجالها والأعمال الطيبة لنسائها فكانت موثقة بالدرجة الأولى لمجتمعها ولبيئتها المحيطة، كما أنها كانت تعرف حكايات شعبية كالسيرة الهلالية وبعض قصص الجان والعفاريت والأساطير القديمة واشتهر عنها أن دعاءها مستجاب. والكتاب يتضمن 15 حدوتة منها: اقتلوا الذباب وسلطانة والشاوشاو والساحران وسيفان أراجين يحمل الكثير من عبق الماضى وسحره، حيث حكايات الغيلان والجنيات والعفاريت وست الحسن والجمال.