أكد الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولى أن قانون الطوارئ الذى تم تطبيقه يهدف إلى مواجهة الإرهاب الذى يضرب البلاد، وأن استقلال الدولة المصرية أصبح محفوفاً بتحديات، وتهديدات خطيرة، ولذلك فضمان استمرار عمل مرافق الدولة فى هذا التوقيت يتطلب استئصال الإرهاب الأسود. وقال فى حواره مع الاهرام إن هناك موجات دوليةعلى الدول فى حالة فرض قانون الطوارئ ومصر التزمت بها هذا نص الحوار: ما هي التدابير الاستثنائية التى يتضمنها قانون الطوارئ فى مصر أو أى دولة ذات سيادة ؟ هى قرارات وتدابير أيضا خارقة للقانون العام المنطبق فى الظروف العادية ويتخذها رئيس الجمهورية فى حالة خطر داهم مهدد لكيان الدولة ذاته، وأمن البلاد بحيث يتعذر معه السير العادى لدواليب الدولة، وعادة ما يلقى رئيس الدولة بياناً للأمة، كما فعل الرئيس السيسي بعد اللقاء التشاوري مع مجلس الدفاع الوطني وبموجب الدستور، ليوضح للأمة المصرية حالة الخطر التي تحيق بالمصالح العليا للبلاد.. ماذا عن طبيعة هذه التدابير الاستثنائية ؟ إن العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية الصادر عن الجمعية العام للأمم المتحدة أكد الطبيعة المؤقتة لهذه التدابير أي انها تنتهى بمجرد انتهاء الحالة الاستثنائية التي استدعت فرضها، أو تمكن سلطات البلاد - هئات إنفاذ القانون - من السيطرة علي الأزمة أو الموقف الطارئ ، مثل انحسار العمليات الارهابية، او صد اجتياح القوات الأجنبية لاقليم الدولة مثلا . وإذا كانت الضرورة بمثابة قانون، الا أن الضرورة يجب ألا تكون قانون الزمان والمكان ايضا، والضرورة يجب أن تطبق بقدر أي بتناسب مع الحالة الطارئة العارضة .. لكن ما إن أعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ، حتى دارت ماكينات» دعاية الحرب» مجسدة فى شبكات التواصل الاجتماعى ، تزعم بأن الطوارئ ستكون ذريعة للنظام في مصر لاتخاذ تدابير مقيدة للحريات فى أثناء مجابهة الارهاب .ما رأيكم ؟ بكل اختصار، ولكن بلغة الارقام والوقائع، فى عام 1978 قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان في قضية (كلاس وآخرون)أن المحكمة ليس لها الحلول محل السلطات الوطنية لتقدر السياسة الأفضل في مجال مجابهة الارهاب والتخريب. هنا فقد سلمت المحكمة بالواقع والقانون أيضا، ولم تقحم أنفها في ميدان محفوظ للسلطات السياسية والأمنية التنفيذية ، وما أعنيه هنا أن تقدير التهديدات الأمنية التي تهدد حياة الأمة واستمرار الدولة، لا يقدرها الا شخص واحد هو رئيس الجمهورية، وهذه ليست ميزة له بل أكبر واجب ومسئولية وطنية لأي رئيس . وبالنسبة للسياق المصرى ، وحين انتشرت العمليات الارهابية فى التسعينيات من القرن الماضي كالنار في الهشيم ، طالت الاغتيالات الارهابية العديد من الشخصيات السياسية والفكرية والثقافية، فقامت السلطات الأمنية باعتقال العديد من أمراء الارهاب وقيادات الجماعت الإرهابية في البلد، لم تبد اللجنة الدولية لحقوق الانسان أي معارضة لها أثناء مناقشة هذه التدابير الداخلية في ظل قانون الطوارئ الذي كان ساريا حينئذ . اتهمت بعض الأبواق المعروفة السلطات المصرية، بإعلان الطوارئ من أجل تصفية الحسابات مع القوي المعارضة للنظام . ما رأيكم ؟ في القضايا المصيرية التى تهدد المصالح العليا للبلاد، لا تكترث دولة المؤسسات بالفضاء الاجتماعي المسمم الذى يخرب ولا يبني، ويعطل ولا يسرع وتيرة البناء والتنمية، أما إذا انصرفت الدول عن تحمل الأعباء الجسام فى حفظ النظام والأمن والسلم، فالعواقب ستكون وخيمة لا قدر الله. ومن جانبي، فإذا كانت المواثيق الدولية، تحظر استخدام أسلحة الدمار الشامل اثناء النزاعات المسلحة، فإن جميع التشريعات الوطنية ايضا، تحظر الكراهية، والتحريض علي الارهاب، والعنف، وعدم التسامح وأسمي هذه الجرائم وأنعتها بأسلحة التدمير الشامل الداخلية التي تقوض المؤسسات وتهدد النظام العام وتشل عمل المؤسسات وتفضي في النهاية إلي سقوط الدول. ماذا تعني في هذا المقام بتحريم أو حظر حديث الكراهية؟ الكراهية: مشاعر قوية تحمل العداوة والنفور والاشمئزاز الذى يكنه شخص ما لغيره والذى قد يحمله علي الاضرار به بدرجة تصل الي حد قتله، فالكراهية عاطفة قوية تبعث علي الرغبة فى العتف وإقصاء الآخر وعدم التسامح معه والاعتداء عليه ماديا أو معنويا . وتتأسس الكراهية لدي البعض تجاه الآخر - الذي لا يعني الفرد في شخصه - علي عقيدة دينية أو سياسية أو غيرها ، وقد جربت مصر عاما أسود من سياسة الكراهية و الإقصاء للآخر، لمجرد عدم مناصرة جماعة معينة ، وصمها الشعب قبل الدولة بالارهاب . لقد تبنت العديد من دساتير العالم الحديثة ، التزام الدول بنشر قيم الاعتدال والتسامح ، وبمنع دعوات التكفير والتحريض علي الكراهية والتصدي لها ، فالخطاب التكفيري يحمل في طياته التحريض علي الكراهية من خلال التنديد بالآخر وإقصائه من الطائفة الدينية ويصل الي حد الإقصاء من مجموع المواطنين ، وذلك خرق جسيم للمواثيق الدولية قبل الدستورية، التي تقر بالشخصية القانونية للفرد، حتي في حالات الطوارئ . لماذا ذكر العهد الدولي الذى أشرتم إليه عبارة »الخطر الداهم الذى يهدد حياة الأمة » ؟ إن الدولة ذات السيادة تعد الشخص الأول من أشخاص القانون الدولي اضافة الي المنظمات الدولية ، و لكنها تتمتع بالشخصية المعنوية الكاملة ، ومن ثم فقد حرص القانون الدولى ذاته الذي ينظم علاقات الدول ، علي استمرارية الدول أيضا ، والا لما كان هناك قانون دولي ينظم علاقات اشخاصه . ما معنى «الخطر الداهم» الذى يهدد حياة الأمة والذي تؤسس عليه الدول لجوئها لحالة الطوارئ ؟ تتعدد أشكال الخطر الداهم المهدد لبقاء الأمة ذاتها، فقد تكون الأزمات الناتجة عن وقوع ثورات، أو حروب اهلية، أو اضطربات او توترات دخلية ، أو أعمال الارهاب والتخريب، أو الأوبئة، أو الاضرابات أو التمردات الداخلية، وغيرها. لكن يخرج عن هذه الأشكال: الاضطرابات العمالية أو المظاهرات التي تهدف مثلا لزيادة الأجور، أو تحسين أحوال المعيشة ، فحالات عدم الاستقرار السياسى غير الخطيرة لا تصنف ضمن حالات الخطر الداهم المشار إليه. السؤال الأهم في هذا السياق . هل تطال التدابير الاستثنائية التي تمارسها الدولة أثناء حالة الطوارئ جميع الحقوق والحريات للمواطنين ؟ يحظر العهد الدولي المشار اليه علي الدول المساس بحقوق معينة، و لا يبيح تعطيلها أو الخروج عليها أو تقييدها سواء في السلم أم الحرب، وهذه الحقوق هي : الحق في الحياة ، والحق في العقيدة ، والحق في عدم الخضوع للتعذيب، والحق في عدم الخضوع للاسترقاق، وعدم جواز سجن أى فرد لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي، والحق في الاعتراف بالشخصية القانونية للفرد. في السياق المصرى أشير الى أنه بالرغم من أن مصر جربت حالة الطوارئ لعقود طويلة، بيد أن السلطات لم تفعل الا القليل من التدابير الاستثنائية المصاحبة لإعلان حالة الطوارئ. الدكتور أيمن سلامة ، حتي نسهل الأمر ونجسده ما أشهر الأحكام القضائية الدولية في خصوص مجابهة الارهاب عن طريق العمل بقانون الطوارئ ؟ سبق أن قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان بأن العمليات الارهابية التي تمارسها منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي تمثل خطرا قائما فعلا ويهدد حياة الأمة، و رفضت كل الطعون المقدمة في هذا الصدد، وأكدت المحكمة الأوروبية، أن الأعمال الارهابية التي تمثلت في إلقاء المتفجرات، وإشعال الحرائق، وارتكاب أعمال عنف بقصد نشر الرعب والفوضي، تفضى لا محالة الي أخطار لأمن وسلامة الدولة وشعبها، وهذا المثال الصارخ يكاد يكون هو النموذج المصري الحاصل الآن وبكل آسف .. فى رأيك و قد بات واضحا استهداف مصر الدولة والشعب من هذه العمليات الارهابية سواء من قوي داخلية أو خارجية ، ما الباعث وراء ذلك في تصوركم ؟ ليس بالضرورة أن يكون إسقاط الدولة - لا قدر الله - هو الهدف الآنى المباشر ، بل يتحقق ذلك عن طريق إفقاد المواطنين ثقتهم في أداء المؤسسات والهيئات العامة ، علي مختلف الأصعدة ، لكن الصعيد الأمني، يظل دوما في الصدارة لدى مخططات عصابات الارهاب الأسود المنظم الممنهج، الذى يرمي الى تحقيق مكاسب سياسية في المقام الأول علي حساب الدولة. ففقدان ثقة الجماعة المصرية فى سلطات الدولة ، يفضي الي الاضطرابات والتوترات الداخلية ، والسخط الشعبي العام ، وهنا لا ينصاع المواطنون إلى سلطان الدولة ، بحجة أن الدولة لا توفر لهم الأمن والسلم والنظام وهى المهام الرئيسية لكافة الدول . إذن، ما الهدف من العودة مرة ثانية للعمل بقانون الطوارئ ؟ إن رئيس الجمهورية و بعد أن استشعر أن الخطر أضحي داهما ومحققا، وإن العمليات الارهابية الأخيرة صارت ممنهجة ومخططا لها، ولها أهداف خبيثة ، للنيل من أمن واستقرار البلاد، في لحظات معينة (أعياد مسيحيي مصر)، كان التدخل مناسبا و فوريا من جانب رئيس الجمهورية بإعلان حالة الطوارئ فى كل البلاد. تقصد هنا أن قرار الرئيس كان انفراديا في هذا الشأن ؟ بالعكس، فقد تابع الشعب المصري كافة وبكل اهتمام وترقب، ترأس السيد رئيس الجمهورية للاجتماع العاجل لمجلس الدفاع الوطني، لبحث المستجدات الخطيرة الأخيرة، وما يمكن أن تؤول إليه العمليات الارهابية، من ترويع وترهيب المصريين الآمنين ، والمسئولية الملقاة علي مؤسسات وأجهزة الدولة لمجابهة المستجد الخطير، وهنا لا يمكن الزعم أو التصديق للترهات المغرضة، التي تتحدث حديث الإفك، إنه كانت هناك نية مبيتة لاعلان حالة الطوارئ من جانب الدولة. ما هي إذن الغاية الرئيسية التى تتغياها الدول من إعلان حالة الطوارئ ؟ استمرار الدولة . كيف ؟ فى الظروف الاستثنائية التى تحيق بأمن البلاد، تولد شرعية استثنائية يجوز فيها للمشرع أن يخالف أحكام الدستور، والمبادئ الدستورية، حفاظا على النظام العام، أو ضمانا لاستمرار مرافق الدولة، وصونا لمصالح الدولة العليا. فاستمرارية الدولة مبدأ يهدف إلى الحفاظ على تواصل الدولة عبر تواصل عمل مؤسساتها وتفادى الفراغ السياسى والمؤسساتى داخلها، لذا فمعظم دساتير العالم تجعل من رئيس الجمهورية الضامن لاستمرارية الدولة واستمرار عمل مؤسساتها مهما تعرضت لظروف استثنائية، وهنا يلجأ رئيس الجمهورية للتدابير الاستثنائية المؤقتة من أجل الحفاظ على استمرارية الدولة، من خلال إعلان حالة الطوارئ والعمل بقوانينها. ماذا وراء ضرورة استمرار عمل المرافق العامة للدولة ، واستمرارية الدولة ذاتها؟ يدرك الكافة في مصر ، سواء مؤسسات الدولة أو المواطن المصري الشريف ، أن استقلال الدولة المصرية ، أصبح محفوفا بتحديات وتهديدات خطيرة ، منذ ثورة 30 يونيو 2013 ، و تربص دول ومنظمات أجنبية بمصر . وكانت ومازالت الضغوط الأجنبية من علي جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاعلامية التحريضية ، تحاول النيل من ممارسة مصر بنفسها لصلاحياتها الداخلية والخارجية دون تبعية لدول أخرى او لجهات أجنبية أو تدخل من أي طرف أجنبي . إن السياسة الداخلية والخارجية التى اتبعتها مصر بواسطة رئيس الجمهورية، وضعت نصب أعينها استقلال القرار الوطنى من دون تدخل أو تبعية لأى طرف أجنبي، وهذا أغضب العديد من الدول والمنظمات الأجنبية، التي اعتقدت أن حالة الاضطراب والتوتر الداخلي في مصر، وبعد ثورتين متتابعتين، ستجعل من مصر فريسة للضغوطات والإملاءات الخارجية. لذلك فضمان استمرار عمل مرافق الدولة العامة، ونجاح السلطات المصرية في صيانة ذلك الصالح والهدف العام، مرتبط ارتباطا لا ينفصم بلجوء رئيس الجمهورية، لاعلان حالة الطوارئ، لاستئصال الإرهاب الاسود، والحفاظ علي الدولة ذاتها. لكن ما المقصود باستقلال القرار الوطني ؟ استقلال القرار الوطني مفهوم مرتبط بمفهوم استقلال الدولة وأحد العناصر المكونة له. ويقصد به عدم خضوع المسؤولين عن اتخاذ القرار داخل الدولة لأي رقابة أو إملاءات خارجية عند اتخاذها لقرارها الداخلي الخارجي، وتحديد السياسة العامة للدولة التي تريد أن تسير وفقها وذلك تكريسا لمبدا سيادة الدولة التام علي نفسها وانفرادها بأدارة شئونها، دون أي تدخل أجنبي. هل هناك موجبات دولية علي الدول حين تفرض حالة الطوارئ ؟ لا تستطيع الدول التي تفرض الطوارئ التحلل من إبلاغ منظمة الأممالمتحدة بإعلانها حالة الطوارئ، والأسباب التي جعلتها تتخذ مثل هذا القرار، والمدة الزمنية التي سيستغرقها العمل بهذه الحالة. ويكون الإبلاغ الي الأمين العام للأمم المتحدة الذي يقوم بدوره بإخطار جميع الدول الأعضاء في العهد الدولي لحقوق السياسية والمدنية، والذى يتضمن الأحكام العامة للجوء لحالة الطوارئ.