لا يعد اهتمام حلف الناتو بالشرق الأوسط والمنطقة العربية بالأمر الجديد، فعقب انتهاء الحرب الباردة سعى الحلف لتأسيس سلسلة من الشراكات مع دول المنطقة من خلال إطلاق الحوار المتوسطى عام 1994بين الحلف و7 دول من حوض البحر المتوسط من بينها مصر، علاوة مبادرة استانبول للتعاون مع دول الخليج عام2004 التى انضمت إليها أربع من تلك الدول بينما ظلت كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان خارج إطار تلك المبادرة التى شهدت تطوراً نوعياً بافتتاح الحلف مركزاً إقليمياً تدريبياً له فى دولة فى الكويت فى فبراير. 2017 ودون الخوض فى تفاصيل هاتين المبادرتين اللتين تضمنتا العديد من مجالات التعاون السياسى والأمنى والعسكرى بين الحلف والدول الشريكة فإنهما يعكسان أمراً مفاده أنه لدى الحلف إستراتيجية ليس فقط للتكيف مع مناخ ما بعد الحرب الباردة وإنما الدخول على خط التفاعلات ضمن الأزمات الإقليمية ابتداءً بالتدخل العسكرى فى الأزمة الليبية عام 2011 ومروراً بقرار الحلف الانضمام رسمياً إلى عمليات التحالف الدولى ضد تنظيم «داعش» فى سوريا من خلال إرسال طائرات إنذار مبكر «إيواكس» التى يمكنها مراقبة المجال الجوى على مسافات تتجاوز 400 . وهو القرار الذى وصفه الأمين العام للحلف بالقول «إن الحاجة إلى التعاون بين الحلف وشركائه تتزايد، لأننا نواجه البيئة الأمنية ذاتها وخصوصاً فيما يتعلق بتنظيم داعش»، وانتهاءً بإعلان الحلف تلقى طلب رسمى فى فبراير 2017 من الحكومة الليبية المدعومة من الأممالمتحدة بشأن تطوير ودعم القوات المسلحة الليبية. ويقوم الحلف بالمهمة ذاتها تجاه قوات الأمن العراقية بما يعنى أن دور حلف الناتو تجاه قضايا الأمن الإقليمى آخذ فى التنامي، الأمر الذى يتعين معه إعادة قراءة سياسات الحلف منذ تأسيسه عام 1949 حتى الآن وعلى نحو خاص أوجه الاستفادة من قدرات وخبرات تلك المنظمة وهو الموضوع الذى كان- ولا يزال- أحد أهم مجالات اهتمامى الأكاديمى والبحثى منذ أن حصلت على أطروحتى للدكتوراة فى عام 2009 وكانت حول «تطور الأمن الإقليمى الخليجى منذ عام 2003: دراسة فى تأثير إستراتيجية حلف الناتو» التى تناولت دور حلف الناتو تجاه أمن الخليج العربي. وانطلاقاً مما سبق فإن القرار المصرى بإنشاء بعثة دبلوماسية دائمة لدى حلف الناتو برئاسة السفير المصرى لدى بروكسل يعد تطوراً بالغ الأهمية ليس فقط على صعيد علاقة مصر بأحد أهم المنظمات الدفاعية فى العالم وإنما بالنظر إلى اعتبارات المصالح الإستراتيجية لمصر التى يمكن إيجازها فى ثلاث نقاط أساسية: الأولى: على صعيد القدرات الأمنية والعسكرية للحلف، تدرك مصر أهمية دور الناتو ليس فقط كمنظمة دفاعية بل أيضاً فى ظل تقديم الحلف خبرات أمنية متنوعة سواء من خلال التدريب أو الاستشارات وخاصة فيما يتعلق بالأمن الإلكترونى وإدارة الأزمات وأمن الطاقة وهى مجالات يمكن للدول الشريكة اختيار ما يلائمها منها وهو أمر مهم بالنظر إلى تعدد وتداخل التهديدات الأمنية الراهنة التى من بينها أيضاً الإرهاب البحرى الذى يمثل تهديداً للممرات البحرية الحيوية ومنها مضيق باب المندب الاستراتيجي، فالحلف لديه خبرات مهمة فى مجال الأمن البحرى ومنها مشاركته فى مكافحة القرصنة فى المحيط الهندى ضمن عملية «درع المحيط»، وفقاً لقرارات الأممالمتحدة (1814 و1816 و1838) عام 2008بشأن القرصنة قبالة سواحل الصومال، تلك القرارات التى أشارت، للمرة الأولى، لدور المنظمات الإقليمية فى التصدى لتلك الظاهرة، علاوة على عن تأسيس الحلف عملية «المسعى النشط» التى تتضمن حماية السفن فى البحر المتوسط من العمليات الإرهابية، بالإضافة إلى قرار الحلف فى قمة ويلز2014 إنشاء «مجموعة الواجب المشترك» وتتكون من قوات جوية وبحرية وجوية. ولاشك أن التطور الذى شهدته القوات البحرية المصرية خلال السنوات الأخيرة من شأنه التكامل مع جهود الحلف للتصدى لتهديدات الأمن البحرى فى أحد أهم مفاصل الأمن القومى المصري. والثانية: على صعيد تطور العقيدة الدفاعية للحلف ذاته التى يعكسها المفهوم الاستراتيجى الجديد الذى يصدر كل عشر سنوات كمراجعة من جانب الحلف للتهديدات الأمنية التى تواجه أعضاءه وآليات مواجهتها وقد جاء فى المفهوم الأخير الصادر عام 2010" أن حالة عدم الاستقرار فى المناطق خارج حدود الحلف تمثل تهديداً لمصالح أعضائه وهو ما يستوجب التصدى لها من خلال التشاور مع أكبر شركاء الحلف، وانطلاقاً من دور مصر المحورى فإنها تعد أهم شركاء الحلف فى مواجهة التهديدات التى تواجه الحلف ذاته ليس أقلها الهجرة غير المشروعة. الثالثة: يلاحظ دخول حلف الناتو على خط التفاعلات فى الأزمات الإقليمية الراهنة انطلاقاً من رؤية الحلف لتوحد جبهتى التهديدات لأعضائه وهما الجبهة الشرقية والجبهة الجنوبية، الأمر الذى حدا بالحلف لإجراء مناورات فى البحر المتوسط فى التاسع عشر من أكتوبر 2015، وعلى الرغم من أن تلك المناورات كانت جزءًا من الصراع الأطلسي - الروسى فإنه فى ظل استمرار الأزمة السورية الراهنة التى كان من شأنها التأسيس لمعادلة إقليمية جديدة وصراع إقليمي- دولى فإن لمصر مصلحة أكيدة فى التشاور مع حلف الناتو ليس فقط لتحديد التهديدات الأمنية المشتركة للجانبين بل سبل مواجهتها بما يضمن الحفاظ على الأمن القومى المصرى والعربي. ومجمل القول إن التمثيل الدبلوماسى المصرى الدائم فى تلك المنظمة خطوة إستراتيجية ليس فقط للمزيد من التعرف على السياسات الجديدة لحلف الناتو بل لضبط الصراع الإقليمي- الدولى الراهن. لمزيد من مقالات د أشرف محمد كشك