لا أتصورأن هناك مبررا مقبولا يمكن أن يسوقه إلينا أحد أفراد الزمر النخبوية التي هرعت للإلتفاف حول الرئيس الدكتور محمد مرسي, بحيث يفسر لنا تلك الهرولة المتكفئة, فيما لم نعرف علي إمتداد تاريخ أي منهم ارتباطا يذكر بالرجل, أو بجماعته السياسية التي قدمته للبلد, لا بل لم نسمع لأحدهم رأيا ايجابيا في شخص الرئيس أبداه في مناسبة عامة أو خاصة. نحن لم نتعرف إلي الرجل بعد علي نحو كاف, ومن أعطوه أصواتهم, فعلوا بميل عاطفي وعقائدي وتنظيمي يؤيد جماعته أو حزبه بأكثر منه إختيار شخصي يتكيء علي( الإعتبارات) لا( التفضيلات). كل ما يعرفه الناس عنه بإستثناء أهالي دائرته أو أعضاء حزبه أو طلبته وزملائه في الجامعة هو تفوقه العلمي الذي برهن عليه في دراسته الجامعية المحلية, أو في أطروحة الدكتوراه التي قدمها لجامعة ساوث كاليفورنيا الأمريكية, أو بعض أوراق بحوثه التي تستخدمها الآن وكالة ناسا للفضاء. وهذا كله علي أهميته لا يكفي لتكوين معرفة حقيقية به. نحن نراقب أداءه, وندعو له بالتوفيق, وندعمه( رغم أنني لم أنتخبه) لأنه الرئيس الذي جاءت به إرادة الأمة, ومصر تحتاج اليوم من أبنائها المخلصين أن يدعموا حكم رئيسهم المنتخب, حتي وإن عارضوا بعضا من قراراته أو سياساته.. أما أولئك الذين سارعوا إلي حجز مواقعهم حول مؤسسة الرئيس, لأن فيها منافع لهم, فأظن أنهم يكررون ويستنسخون مواقف تجاوزت تاريخ الصلاحية السياسي والوطني بكثير. تأييدنا للرئيس مرسي مشروط, وسوف نتقدم اليه خطوة كلما تقدم إلينا خطوة, أما أولئك المظليون الذين قاموا بالإبرار حول مقر الرئاسة في الإتحادية, حتي قبل أن يصله الرجل, فحكم الناس عليهم أقسي مما يتصورون, وانكشافهم أمام الشعب أفضح مما يخاتلون. الداهية المرة في مشهد هؤلاء الذين أسميتهم:( سواقط القيد السياسيين) الذين فشلوا في حيازة التأييد الشعبي التصويتي في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية, أو عجزوا في الأصل والأساس, عن تقديم أية إجابات مقنعة علي أسئلة اللحظة, وتحقيق الوصول والنفاذ إلي كتلة الناس المكتظة التي تعيش علي أرض مصر هي أنهم موجودون في كل مكان, وفي كل المحافل, يعقدون الاجتماعات, ويجهزون أوراقا لعرضها علي الرئيس الجديد الذي مازال في مرحلة( بسم الله الرحمن الرحيم) لا بل ويتعنترون متحدثين عن إلزام الرئيس, وإجبار الرئيس, ومحاسبة الرئيس... فيما الإلزام تحدده مباديء الدستور, والإجبار يأتي من سلطة الشعب, والمحاسبة تمارسها المؤسسات التمثيلية التي توكل فيها الجماهير ممثليها للمتابعة والمحاسبة... أما أولئك من سواقط القيد السياسيين فلا نعرف من هم!!.. لقد عهدناهم علي امتداد16 شهرا خلت يصدغون في مقدمة أي مشهد, ويتنطعون علي كل منصة وشاشة تليفزيونية, ويفتون بغير علم وبغير أحقية, ويدعون الكلام باسم الشعب.. أي شعب؟!.. إنهم نجوم ورموز الأمر الواقع الذين فرضوا أنفسهم علي الثورة فصاروا وجهاؤها وأعيانها, وبركوا علي صدر الشعب كما تبرك البعير ليجبروه الموافقة علي قيادهم اللحظة, وهيمنتهم عليها, وعدا كل منهم حتي سبق ظله إلي روكسي حتي يحجز مقعدا في سلطة لم تستكمل تشكيلها بعد. إن المرء ليسائل نفسه كيف يتصور أولئك( وهم لم يعترف بهم الشعب أبدا وليس لديهم أدلة ثبوت علي تفويض من أي نوع) أنهم سوف يقتسمون السلطة مع رجل إنتخبه الناس, لا بل وبسطاء الناس( كما حدد هو جمهوره في خطابه الأول إلي الأمة)؟! هم يتصورون أن السلطة هي كعكة مجد وفخار, ونفوذ, ومنظرة, وتربح, ولكنها في هذه المرحلة خصوصا هم وعبء ومسئولية, يتربص الجميع بصاحبها, لأنهم لا يحتملون فشلا جديدا, أو تكرارا لتجارب سابقة, راكمت احباطاتها في وجدانات الناس علي نحو دفعهم إلي الانفجار. الشيء الأكثر مدعاة للدهشة أن سواقط القيد السياسيين بدأوا باكرين في إزاحة الآخرين عن مياه الرجل الإقليمية أو مجاله الجوي, حتي يضمنون إنفرادهم بالدائرة التي تحوطه, وهم يستخدمون لهذا الغرض فكرة تقسيم البلد إلي تيارات:( ثورجية) و( من ليسوا بثورجية) و(ثورجية إلا قليلا) وبما يعيد إنتاج أسباب الفرقة من جديد في الثقافة السياسية السائدة. وكل ذلك مفهوم( وإن لم يك مقبولا) ولكن غير المفهوم هو ماهية أولئك الناس, ممن أسميتهم:( سواقط القيد السياسيين).. من هم بالضبط,.. وما هي حقوقهم علينا أو علي الرئيس. نحن نفهم أن طموحات بعض البشر فيما ليس من حقهم( مثل مقعد إداري أو حقيبة وزارية) تدفعهم إلي مثل تلك السلوكيات المعيبة والمقرفة, وبخاصة حين يوغل كل منهم في خريف عمره, متصورا أن الفرص تفلت من بين أصابعه كالرمال, وأن ما تبقي أقل كثيرا مما فات! ونحن نفهم أن أخلاق الزحام, سادت كل الساحات حتي فضاء السياسة الذي صار العرض فيه أكثر من الطلب, ومن ثم توهجت انتهازية البعض ورغباتهم المغالية في الإسراع والتسرع, ومحاولة بلوغ خط النهاية قبل الآخرين, لا بل وإعاقة وعرقلة أولئك الآخرين في الطريق إن أمكن. لقد بات سواقط القيد السياسيون( الذين فاضت تصريحاتهم في الصحف ووسائل الاعلام وزادت عن تصريحات الرئيس نفسه في طرح التصورات عن شكل الجمهورية الجديدة وأفكار بناء وهندسة المستقبل) وصمة المشهد السياسي الحالي في مصر, والتعبير الأكثر وضوحا والحاحا( علي المستوي الأخلاقي) عن منظومة مخجلة من السلوكيات, أما( علي المستوي العملي أو الوظيفي) فقد راحوا مبكرين جدا يهندسون طوقا عازلا حول الرئيس, ويفرضون أنفسهم علي أجندة عمله, ويشاركونه بالعافية فيما لم نوكلهم للمشاركة فيه, مؤسسين بوجودهم سوابق ينبغي لمن يدرس تاريخ مصر منذ يناير1102 أن يتوفر عليها بدأب ونمكية. المزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع