كلنا يحترم القانون ويقدر العدالة ولكن بينهما خيط رفيع يسمى الرحمة ورغم أن الكلمة تدخل فى قاموس الأخلاق إلا أنها أحيانا تقترب كثيرا من لغة القانون وربما تجاوزت فى تأثيرها ودورها الأحكام والقضايا .. أقول هذا وقد اسعدنى مع الملايين قرار العفو الرئاسى الذى صدق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى بالإفراج عن 203 من شبابنا الذين صدرت ضدهم أحكام نهائية وهذه هى الدفعة الثانية التى يتم العفو عنها اننى مازلت أتمنى أن تكون هناك قوائم أخرى سوف تكمل هذا التوجه الحكيم خاصة أن الشباب مازالوا فى عمر الزهور وأمامهم مستقبل طويل .. لابد أن نعترف بأن هناك حلقات مقطوعة بين الشباب والمجتمع وان ثورة يناير قد تركت جراحا عميقة لدى جيل من الشباب لم تحقق الثورة حلما من أحلامه فى العيش والحرية والكرامة أن هذا الجيل مازال ينتظر العدالة من مجتمع فرط فى أحلامه ولم يفهم رغبته فى التغيير ووقف ينتظر مسيرة الأشياء فى وطن خذله فى أحلامه.. فى مقال سابق قلت إذا كان مسلسل البراءات قد انتهى بالخروج الكبير والعفو الشامل فى كل شىء ابتداء بقضايا المال والكسب غير المشروع وانتهاء بجرائم القتل فإن العدالة تقتضى أن نغلق هذه الملفات حتى نتجه إلى المستقبل وناشدت الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يفرج عن شبابنا الذين لم يتورطوا فى أعمال عنف أو إرهاب لكى يعودوا إلى صفوف الوطن يقدمون له الجهد والعمل والبناء .. كان مؤتمر شرم الشيخ للشباب هو نقطة البداية فقد فتح آفاقا جديدة للحوار بين الدولة وشبابها ثم كان مؤتمر أسوان وفيه اقتربت المسافات أكثر والآن ومع قرارات العفو الرئاسى يمكن أن نقترب أكثر من قضايا الشباب.. أولاً: مازلت اعتقد أن فى السجون وخلف القضبان أعداد كبيرة من شباب طاهر برئ لم تتلوث يده بالدماء ولم يتورط فى أعمال عنف أو إرهاب وأن هؤلاء ربما خرجوا فى ساعات غضب أو إحباط فى مظاهرة أو هتافات ولا ينبغى أن يبقى هؤلاء خلف القضبان بل يجب أن نسوى كل قضاياهم وان نقدر اللحظة التاريخية التى خرجوا فيها إلى الشوارع.. ثانياً: رغم تقديرى الشديد للحلول الأمنية وضرورتها وأهميتها فى حفظ استقرار المجتمع إلا اننى اعتقد أن الأمن ليس الحل النهائى فى قضايا الفكر.. إن قضايا الفكر لا تعنى فقط التطرف والإرهاب ولكنها تعنى بالضرورة لغة للحوار وقدرة على استيعاب أحلام الشباب ومعاناتهم وجميعنا كنا شباباً وكانت لدينا رغبات فى الإصلاح والتغيير وكانت لنا أحلام ربما أجهضها واقع قبيح ولكن هذا لا يعنى أن نصادر الآراء والأحلام والأماني .. إن لكل جيل طموحاته وليس من حق جيل أن يغلق الأبواب على نفسه ولا يسمع صرخات الآخرين .. ومن هنا يبقى الحوار هو الطريق الأمثل لصراع الأفكار مهما كانت درجة الاختلاف .. لابد أن نعترف بأننا مازلنا نعتقد فى الظروف الحالية أن الحل الأمنى هو سيد الموقف ولا بد أن نضع بجوار الأمن قضايا الفكر لأن الفكر هو الذى يحرك كل شى حتى الإرهاب يبدأ بفكرة ثم ينتقل إلى أنهار الدم والقتل والدمار.. ثالثا: إذا كانت الرحمة أمرا مطلوبا ونحن نتعامل مع الشباب فإن العدالة قضية لا ينبغى أبدا أن تغيب فى زحمة المتغيرات بحيث نكتشف فى مشوار الحياة أن الأقدام الشرسة المتوحشة داست على أحلام شباب برئ حيث يسرق البعض المال والسلطان والفرص التى لا يستحقها .. كثير من شباب مصر يشعر بالمرارة حين يجد المتخلفين عقليا فى الصدارة وهو يكتشف أن التفوق والنبوغ لم يعد جواز سفر للنجاح ولكن هناك أساليب أخرى تقوم على التحايل والفهلوة ونهب أموال الشعوب .. إن المجتمع الذى يعجز عن تحقيق قدر من العدالة بين أبنائه يفقد أهم عوامل الاستقرار .. ولابد بأن نعترف إننا عانينا كثيرا اختلال منظومة تكافؤ الفرص سنوات طويلة وتركنا أجيالا كثيرة تقع فريسة الإحباط والإحساس بالظلم والكآبة وعلينا ان نعيد لها الأمل فى وطن أكثر عدالة.. رابعا: إن هناك معركة فكرية يجب أن نستعد لها رغم أنها تأخرت كثيرا لاقتلاع الجذور الفكرية للإرهاب لأن الإرهاب ليس فقط أشخاصا حملوا السلاح ضد أوطانهم ولكنهم مرضى وأمراض الفكر هى أخطر وأسوأ ما يهدد عقل الإنسان .. وهنا لابد أن تكون لنا وقفة مع آلاف الشباب الذين ضللتهم حشود الإرهاب بحيث تبدأ رحلتنا مع علاج نفسى وفكرى واقتصادى لهذه الوجوه التى تعثرت بها سبل الحياة ووقعت فريسة واقع اقتصادى وإنسانى شوه معتقداتهم واستباح عقولهم فى غفلة منا أو تواطؤ مقصود .. لا يستطيع احد أن ينكر أن الأرض التى أنجبت حشود الإرهاب كانت خطايا مجتمعات فرطت فى مسئوليتها تجاه أبنائها ولم توفر لهم فكرا سليما وواقعا أكثر عدالة وإنسانية.. خامسا:هناك أطراف كثيرة تسعى لإشعال الفتن بين الدولة وشبابها ولا ينبغى السكوت على هذه المؤامرة وليس من الحكمة أن تعزل الدولة شبابها وهم يمثلون المستقبل واقعا والأغلبية عددا ولكن هناك تيارات مغرضة ترى أن هذه الخصومة تمثل أرضا خصبة لتصدير الأزمات والمشاكل من خلال الوقيعة بين الشباب والدولة، إن للشباب مطالب عادلة ومستحقات لا ينبغى إطلاقا أن تكون مجالا للمساومة .. إن من حق الشباب أن يحلم فى عمل وبيت ومستقبل وفكر حر وهذا لن يتوافر إلا فى ظل قدر من الحريات تعطى الشباب الحق فى التعبير عن رأيه ومواقفه وان يشعر بأن مبدأ تكافؤ الفرص لم يعد حبرا على ورق.. إن آلاف المسابقات فى الوظائف التى يتقدم إليها ملايين الشباب تخضع للخواطر والأقارب والمجاملات حتى أن الشباب الآن يتردد فى أن يقدم أوراقه فى مسابقة من المسابقات لأنه يعلم أن الوظائف محجوزة وان ما يراه ليس أكثر من عمليات تزييف للواقع وتشويه للحقيقة.. سادسا: لا شك أن مؤتمرات الشباب التى أقيمت فى شرم الشيخوأسوان تعتبر بداية طيبة لحوار خلاق يكشف لكل الأطراف مخاوفها ويضع أمام الدولة هموم الشباب وطموحاتهم ويعطى الدولة فرصة أن تعيد ترتيب أوراقها ومواقفها تجاه شبابها خاصة أن السنوات الأخيرة شهدت حالة من الجمود ولا أقول الرفض فى مواقف الشباب ومدى مشاركتهم فى بناء مصر الجديدة لأنهم أصحاب المستقبل وشركاء كل شىء فيه .. إن الشباب المصرى يعانى ظروفا صعبة مع البطالة والتهميش وعدم إتاحة الفرصة لقدراته، وهذا المناخ يجعل من الشباب ألغاما فى طريق البناء .. إن تشويه فكر الشباب ونظرتهم للحياة يجعلهم وقودا لكل ما نواجه من الفتن .. ومن هنا يجب أن نستوعب كل هذه الأشياء ونفتح آفاقا واسعة للحوار.. سابعا: نحن أمام أجيال جديدة اختلفت فى درجة وعيها وإدراكها للكثير من الحقائق ولابد أن نستوعب العصر الذى تعيش فيه، هناك مفاهيم وآفاق أوسع للمعرفة وهناك قضايا الحريات وحقوق الإنسان وهناك وسائل اتصال حديثة جعلت من العالم قرية صغيرة وهنا ينبغى على مؤسسات الدولة المصرية أن تراجع مرجعياتها القديمة فى الحكم على سلوكيات الشباب وأحلامهم بحيث تغير من سلوكياتها خاصة أن الاعتماد على الجوانب الأمنية فى معالجة قضايا الفكر ليس هو الحل الوحيد ثامنا: لقد تجنى الإعلام المصرى كثيرا على شباب هذا الوطن بعد ثورة 25 يناير وأمام مصالح مغرضة كان الإعلام سببا فى تشويه صورة الشباب بصورة عامة خاصة شباب الثورة إن من بين هؤلاء الشباب شهداء أبرار وهبوا حياتهم لهذا الوطن وسوف تبقى الحقيقة اكبر من كل المغالطات ومحاولات التشويه.. تاسعا: مازالت كل أسرة لها شاب خلف القضبان تحلم باليوم والساعة التى تراه فيها حراً مثل كل الشباب وعلى مؤسسات الدولة الأمنية والقانونية أن تسعى إلى إغلاق هذه الملفات لأنها ضخمة من حيث العدد ولأن الأفضل لنا الآن ونحن نشهد مرحلة بناء جديدة أن نلملم كل الجراح وهى عميقة وكثيرة .. إن قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى بالإفراج عن شباب مصر يمثل صفحة جديدة يمكن أن تضع نهاية لمرحلة صعبة دفع الشباب ثمنها وعلينا أن نعيدهم إلى أسرهم الصغيرة ووطنهم الكبير. ..ويبقى الشعر كُلُ القُلُوبِ الَّتِي عَاشَتْ أَغَانِيهِ فِي كُلِّ بَيْتِ بَوَادِي النَّيلِ تَبْكِيهِ كُلُّ العَصَافِيرِ أَدْمَتْهَا فجيعَتُها وكُلُّ غُصن ٍ عَلًي الأَشْجَارِ يَرْثِيهِ فِي كُلِّ عُمْر ٍ لَنَا ذِكرَى تُطَارِدُنَا فَعُمْرُنَا كُلُّه.. لَحْنُ يُغَنِّيهِ تَبْكِيَكَ فِي النَّيلِ أَطْلَالُ مُبَعْثَرَةُ تنعى زَمَانَ الهَوَى.. تَبْكِي لَيَالِيهِ فَوْقَ الرؤوسِ..عَلَى الأَعْنَاقِ نَحْمِلُهُ بِيْنَ الجِوانح.. فِي الأَعْمَاقِ نُبْقِيهِ كَيْفَ احْتوتْكَ دُموعُ الشَّمْسِ فِي الَم وَالحُزْنُ فِي عَيْنِهَا يُدْمِي وَتُخْفيهِ؟ كَيْفَ ارْتَمَى العُودُ فِي أَحْضَانِ عَاشِقِهِ عِنْدَ الوَدَاعِ وَحُزْنُ الأَرْضِ يُدْميهِ؟ قَدْ كَانَ يَجْرِي وَرَاءَ النَّاسِ فِي فَزَع ٍ وَبَيْنَ أَوْتَارِهِ يُخْفِي مَآسِيهِ هَلْ أَوْدَعُوا العُودَ فَوْقَ القَبْرِ يُؤْنِسُهُ؟ وَقَبْرُكَ الآنَ هَلْ يَدْرِي بِمَنْ فِيهِ؟ فِيهِ الشُّمُوخُ الذِى غَنِيَّ لَنَا زَمَنًا عُمْرًا مِنْ الحُبِّ لَنْ نَنْسَى مُغَنِّيهِ قُدْ كُنْت حِصْنًا..فَكَيْفَ المَوْتُ طَاوَعَهُ أَنْ يَكْسِرَ الحِصْنَ فِي غَدْر ٍ. وَيُلْقِيهِ؟! كَمْ كُنْتَ تَسْأَلُ: كَيْفَ المَوْتُ يَسْرِقُنَا مِمَّنْ نُحِبُّ.. وَيُلْقِينَا إِلَى التَّيهِ؟ هَلْ جَاءَكِ المَوْتُ طِفْلًا فِي مَلَامِحِه كَيْفَ اِلْتَقَيْتُمْ.. وَهَلْ سَأَلَتْ مآِقيهِ؟ هَلْ كَانَ يَدْرِي بِقَلْبٍ سَوْفَ يَحْمِلُهُ؟ لَوْ كَانَ يَدْرِي.. لَمَّا اِمْتدَّتْ أَيَادِيهِ! كَمْ عِشْتَ تَجْرِي وَرَاءَ السِّرِّ تَسْأَلُهُ: كَيْفَ المُمَاتُ..فَهَلْ أَدْرَكتَ مَافِيهِ؟ قُلْ لِى عَنِ المَوْتِ عَنْ أَسْرَارِ حَيْرَتِنَا كَيْفَ ابْتَدَى اللَّحنُ.. كَيْفَ الآنَ يُنْهِيهِ؟ هَلْ لَحْظَةٌ..أَمْ زَمَانٌ.. أَمْ تُرَى سفرٌ أَمْ زَائِرٌ غَادِرٌ يُخْفِي مرامِيهِ؟ قُلّ لِى عَنِ الفَنِّ..هَلْ غَنَّيْتَ فِي وَهَج ٍ أَمْ أَسْكتَ المَوْتُ مَا كُنُّا نُغنِّيهِ؟! قُلّ لِى عَنِ المَوْتِ.. حَدِّثْ إِنَّه قَدْرُ كَمْ مِنْ سُؤَالٍ لَنَا حَارَتْ معَانِيهِ؟! يَا أَيُّهَا القَبْرُ إنْ مَاتَتْ أنامِلُهُ أَسْمَعْهُ لَحْنًا.. فَإِنَّ اللَّحْنَ يُحْيِيهِ وَأَطْرِبْ لَهُ كُلَّما هَاجَتْ جَوانِحُهُ أَوْ عَاد يَشْكُو الجَوَي حِينًا..وَيُخْفِيهِ أَوْ قَامَ يَشدُو وَرَاءَ الغَيْبِ وَاِنْهَمَرَتْ مِنْهُ الدُّمُوعُ.. وَعَادَ الشَّوْقُ ُيدْميهِ فَدَمْعَةٌ فَوْقَ وَجْهِ النِّيلِ تُؤْرِقُه وَهَمسَةٌ مِنْ شَذَى الجُنْدُول تُشْجِيهِ وَالكَرْنَكُ الصَّامِتُ المحزُونُ يَرْقُبهُ عِنْدَ الغُرُوبِ وفِي شَوْق ٍ يُناجيه ِ فِي الَصَّمْتِ يُحْيَا وَلَكِنَّا سَنَحْمِلُهُ بَيْنَ القُلُوبِ.. وَلَنْ تَخْبُو أَغَانِيهِ قَدْ صَارَ كَالنَّيلِ يَسْرَى فِي جَوانِحِنَا نَهْرًا مِنَ الحبِّ يَسْقِينَا..وَنَسْقِيهِ نُبْقِيهِ عُمْرًا جَمِيلا ًلنْ يُفَارِقَنَا وإنْ كَبِرْنا..سُنون العُمْرِ تَرَويهِ فِي كُلِّ لَحْن ٍشجىًّ سَوْفَ نُذَكُرهُ فِي كُلِّ عُمْر ٍضنَيِن ٍسوْف نَبْكِيهِ أَبْكِيكَ قَلْبًا. صَدِيقًا... أَمْ تُرَى زَمَنًا في عُمْقِ أَعْمَاقِنَا.. تَحْيَا لَيالِيهِ؟ نَمْ يَا صدِيقِي. غَدًا فِي الدَّربِ يَجْمَعُنَا لَحْنُ الخُلُودِ الَّذى لَا شِئْ يَطْوِيهِ
قصيدة « وسافر الزمن الجميل 1991 » إلى الموسيقار محمد عبد الوهاب [email protected] لمزيد من مقالات يكتبها: فاروق جويدة