لم ينته بعد الخلاف بين المصريين حول قضية تيران وصنافير فمازال الجدل دائرا بين فئات المجتمع المختلفة ولأن القضية شائكة ولها حساسية خاصة لأنها تتعلق بالأرض فمازالت المسافة بعيدة بين الموافقين والرافضين.. ولا يعني الرفض أو القبول ان تتحول القضية إلى قضية وطنية تتعلق بصدق الانتماء ومن الأكثر وطنية ولكنها قضية تقوم على أسس قانونية ووثائق وتاريخ كما انها تخص دولتين شقيقتين ليست بينهما أطماع أو مصالح ولهذا ينبغي ان يبقى الخلاف بيننا في حدود وحجم القضية بحيث لا تتحول إلى سباق بيننا من منا أكثر وطنية وانتماء لأننا جميعا نحب أوطاننا.. في الأيام الأخيرة صدر حكم بالسجن على 166 شابا ما بين عامين وخمسة أعوام فيما عرف بقضية يوم الأرض وهي المظاهرات التي خرجت يوم 25 أبريل بسبب الإعلان عن ضم الجزيرتين للمملكة العربية السعودية.. ورغم اختيار اليوم الخطأ من المعارضين لأنه يوم تحرير سيناء ورغم عدم الحصول على إذن بالتظاهر من الجهات المسئولة إلا ان الحكم ترك أثرا بعيدا خاصة ان المحاكمات بكل إجراءاتها القانونية والإدارية والأمنية لم تستغرق أكثر من ثلاثة أسابيع وهذا وقت قصير جدا في ثوابت العدالة.. ونحن هنا لا نعترض على حكم القضاء ولكن لاشك ان هذه الإجراءات تفتح أمامنا للمرة الألف قضية العلاقة بين الدولة وشبابها خاصة فيما يتعلق بقضايا الرأي والحريات لأننا لا نطالب أبدا بأي حقوق لمن يقتلون ويحرقون ويفسدون حياة الناس ولكن حين نكون أمام شباب مسالم يحاول ان يعبر عن رأيه أيا كانت اتجاهاته فإن القضية تختلف خاصة مع هذه الأحكام الجماعية التي لا تستغرق وقتا بينما هناك مئات الجرائم التي لم يحسم فيها شىء.. لا أعتقد ان الدولة بكل مؤسساتها يمكن ان تكون لها مواقف مسبقة من شبابها لأننا شئنا أم ابينا فإن هؤلاء الشباب هم أصحاب القرار في الغد وهكذا تسلم الأجيال الأمانة إلى بعضها بكل الصدق والتجرد والمسئولية ولكن هناك أطراف مجهولة تسعى إلى ايجاد هذه الفرقة في قضايا ومواقف كثيرة كان من الممكن ان تعالج بقدر من التروي والحكمة.. نحن أمام تناقضات كثيرة في موقف الدولة من قضايا العدالة والمحاكمات ومئات الشباب الذين لم تحسم مواقفهم أمام القضاء وهم يخضعون لإجراءات السجن الإحتياطي.. هؤلاء الشباب يجب ان تصفى قضاياهم لأنه لا يعقل ان يبقى الشاب سجينا بلا قضية أو اتهام أو محاكمة عادلة فإن في ذلك ضياعا لمستقبله وامتهانا لحقه في محاكمة عادلة وهي أبسط ما يقرره الدستور وتفرضه القوانين. مازال السجن الإحتياطي حتى الآن يمثل أخطر درجات القطيعة بين الدولة وشبابها خاصة أن أطرافا كثيرة تناولت هذه القضية ولم تجد حسما فيها من السلطات المسئولة.. على جانب آخر فقد كانت هناك وعود كثيرة بالعفو عن أعداد من الشباب الذين صدرت ضدهم أحكام في قضايا الرأي والحريات ولم يرتكبوا جرائم عنف أو تحريض أو تهديد لأمن المجتمع وقد انتظرنا طويلا هذه الوعود التي لم تحسم هذه القضية.. هناك إحساس لدى الشباب الغاضب ان الدولة الآن تفرق في المعاملة بين شبابها وهناك فئات مهملة تماما فقد شجعت الدولة شبابا على إنشاء الأحزاب ودخول البرلمان وجندت من رجال الأعمال من يمول نشاطهم وكثيرون منهم حصلوا على ثمن مواقفهم رغم ان هؤلاء الشباب حين وقفوا أمام الإخوان المسلمين لم يكن لهم هدف أو غاية غير إنقاذ الوطن ولكن حين جاء وقت جني الثمار وتوزيع الغنائم وجدوا أنفسهم خارج السباق بل وجدوا أنفسهم داخل السجون.. وهنا أيضا لا نستطيع ان نتجاهل ان مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في مسابقات الوظائف مازال يخضع حتى الآن للمحسوبية وأبناء المسئولين والوساطة وان التفوق والتميز لم يعد مبررا للوصول في هذا المجتمع أمام تراث طويل من الفساد في توزيع المناصب والحصول على الغنائم وتأمين مستقبل الأبناء. لا يمكن ان نتعامل مع هذا الشباب المحبط بالأمن والقضاء والأحكام لأننا حرمناه من أبسط قوانين العدالة وحقوق الإنسان في مستقبل آمن وحياة كريمة.. هل يعقل ان يكون مصير كل شاب حاول ان يعبر عن رأيه حتى لو كان خاطئا ان يكون مصيره السجن.. اننا حتى الآن ولا أدري لماذا نتردد في فتح حوار مع شبابنا واننا لم نسمعه واكتفينا بإجراءات أمنية أو قضائية في التعامل معه.. ان هذا الشباب خرج من ثورة عارمة في 25 يناير وكانت أحلامه بعرض هذا الكون وهو يشاهد نظاما غاشما يسقط أمام صرخاته وبعد ذلك وقع فريسة جماعة سطت على السلطة وشوهت الثورة بكل رموزها ثم كان الخلاص في 30 يونيو وظن هؤلاء الشباب انه استرد ثورته وانه على أبواب مستقبل جديد وحياة جديدة ولكننا للأسف الشديد خذلناه للمرة الثالثة.. خذلناه في ثورته ضد العهد البائد وخذلناه في حكم فاشي باسم الإسلام والآن نخذله وهو يحاول ان يعبر عن رأيه في قضية وطنية يدور حولها جدل كبير وهي: تيران وصنافير الجزيرتان الحائرتان بين مصر والسعودية.. وإذا كانت الحكومة قد أخطأت حين لم تمهد الرأي العام وتقدم له أي شىء عن الجزيرتين فإن الشباب الذي لم نكشف له الحقيقة وقف حائرا أمام قرار كانت تنقصه الشفافية والوضوح.. فمن الذي بدأ بالخطأ هل هي الحكومة التي اخفت الحقيقة أم الشباب الذي حاول ان يعبر عن غضبه وهو حق مشروع. ان البعض يسعى إلى تصنيف شباب مصر بألوان فكرية أو أيديولوجية وكلها تدعي الوطنية رغم اننا جربنا كثيرا كل ألوان التصنيف ابتداء بمنظمة الشباب وانتهاء بالحزب الوطني مرورا على كوكبة من شباب مصر انتزعتها جماعة الإخوان المسلمين من قلب الوطن وسوف تحتاج وقتا طويلا حتى تعود إلى صفوفه.. ان هذه التصنيفات عمل شيطاني يسعى إلى تقسيم شباب مصر وخلق الفتن بينهم بحيث تتعدد الولاءات والانتماءات والمصالح في حين ان مصر تحتاج الآن لكل شبابها.. اننا بذلك نفتح أبوابا لأطراف خارجية لكي تمارس دورها في تشويه الشباب ومازالت أمامنا قضية التمويل الأجنبي لأنشطة المجتمع المدني وكلها تورط فيها الشباب تحت دعاوى الحريات وحقوق الإنسان ومازالت حتى الآن توابعها التي قسمت شباب هذا الوطن. ان قضية الشباب تحتاج إلى مواجهة تبدأ بالآلاف المحاصرين في السجون وتنتهي بشباب حلم كثيرا مع ثورتين ولم يجد غير الإحباط والبطالة والعشوائيات ان هذا الشباب العاطل يحتاج إلى حوار حقيقي يناقش قضاياه وهمومه وفي ظل أرقام تؤكد ان نسبة البطالة في مصر قد وصلت إلى 12٫5% فإن هذا يعني ان لدينا ملايين الشباب يجلسون على المقاهي وفي البيوت بلا عمل وان هؤلاء يمثلون أعباء ثقيلة على أنفسهم وأسرهم والمجتمع الذي لا يقدر ظروفهم. ان ما يحدث الآن في مصر من إنجازات من خلال مشروع وطني مخلص وصادق لإعادة البناء يجب ان يتصدر شباب مصر هذه المسيرة التي يقودها الرئيس السيسي بكل الإصرار والمسئولية. لقد وعد الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن يبدأ حوارا مع الشباب وينبغي ان يكون هذا الحوار بعيدا عن المؤسسات الرسمية التي تختار حسب رؤاها وأفكارها وهي أحيانا أبعد ما تكون عن الحقيقة.. لقد وعد الرئيس أيضا بالنظر في الشباب المسجونين تحت قضايا الرأي والتعبير وهؤلاء الذين يخضعون للحبس الإحتياطي للإفراج عنهم خاصة انهم لم يرتكبوا جرائم عنف أو تهديد لأمن المجتمع.. هناك شباب كثير سقط في دوامة الفيس بوك وهذه القضية تحتاج إلى النظر في جوانبها المختلفة. لاشك أيضا ان مجلس الشعب مطالب الآن بأن يكون له دور فعال في قضية الشباب خاصة ما يتعلق بإصدار عفو عن الشباب الذين صدرت ضدهم أحكام في مظاهرات 25 أبريل وهذا من اختصاص المجلس ومن صلاحياته والقضية أمام المجلس الآن.. نأتي بعد ذلك إلى نقطة تتعلق بالعدالة البطيئة وانها أحيانا تكون أشد ظلما من السجون.. هناك قضايا كثيرة معلقة لم يحسم فيها شىء ولم تنفذ فيها أحكام ولم يشعر الرأي العام بأن الحقوق قد عادت لأصحابها.. ان جرائم القتل والاعتداء على شهداء الجيش والشرطة وعشرات القضايا التي صدرت فيها أحكام نهائية ولم تنفذ حتى الآن.. وهناك أيضا قضايا التحريض على العنف وما أحاط بها من ملابسات وقبل هذا كله هناك قضايا الكسب غير المشروع والتي أصبحت في ظل تعديلات قانون التصالح دائرة مفرغة بين المتهمين وسلطات الأحكام.. لقد قدمت الدولة في تعديلات قانون التصالح مع رموز العهد البائد تيسيرات بل تنازلات كثيرة ورغم هذا لم تصل إلى شىء حتى الآن إلا مبالغ هزيلة لا تتناسب مع حجم جرائم العدوان على المال العام وهي لا تسقط بالتقادم.. حين يرى الشباب مئات القضايا الحائرة بين وقف التنفيذ وحفظ القضايا وتأجيل الأحكام وهذا السرداب الطويل من محاكمات رموز النظام السابق بلا حسم أو نتائج فإنهم يتساءلون: لماذا الحسم هنا على قضايا رأي وغياب الحسم هناك على قضايا مال الشعب المنهوب؟! ان العدالة البطيئة هي أوسع أبواب الظلم ومن هنا فإن قضايا الشباب خلف الأسوار لابد ان تعالج من منظور سياسي وأخلاقي ووطني.. انهم ليسوا محترفي سياسة ولكنهم يعيشون فترة من العمر عشناها جميعا حين أصابنا الإحباط وتمردنا وحاولنا ان نطرح أفكارنا ونعبر عن همومنا وهذه كلها حقوق إنسانية فما بالك إذا جاءت من شباب ثار مرتين وعزل رئيسين ووجد نفسه في النهاية محاصرا ما بين الأمن والقضاء. لاشك ان شباب مصر يحتاج إلى لحظة صدق مع أنفسنا وان نتحاور معه من منطق الأبوة وليس موقف التعسف وان نوجهه بالحكمة وليس بالسجون وان نراجع أفكاره بالحوار وليس بالمحاكم والقضاء هناك أمور كثيرة تحكمها الكلمة والإقناع وليس الأمن والشرطة وأمام شباب له الآن خمس سنوات لم يحقق هدفا ولم يصل إلى نتيجة فإنه يخشى – وهو على حق – ان تتسرب منه سنوات العمر كما تسربت من قبل ليجد نفسه على أبواب الخريف وهو لم يشاهد بعد زهرة تفتحت في ربيع أيامه .. الشباب يحتاج للحوار قبل العصا وللرحمة قبل أحكام القضاء. ..ويبقى الشعر لا تَذكُرى الأمْسَ إنّى عِشْتُ أخفِيه إنْ يَغفِر القَلْبُ.. جُرحِى مَنْ يُدَاويهِ قَلْبِى وعينَاكِ والأيَّامُ بَينَهُمَا دَربٌ طويلٌ تعبْنَا مِنَ مَآسِيهِ إنْ يَخفِق القَلبُ كَيْفَ العُمْرُ نُرجعُهُ كُلُّ الَّذى مَاتَ فينَا .. كَيْفَ نُحْييهِ الشَّوقُ دَرْبٌ طويلٌ عشْتُ أسْلُكُهُ ثُمَّ انْتَهَى الدَّربُ وارْتَاحَتْ أغَانِيه جئْنَا إلى الدَّرْبِ والأفْرَاحُ تَحْمِلُنَا واليَوْمَ عُدْنَا بنَهر الدَّمْع ِ نَرْثِيه مَازلتُ أعْرفُ أنَّ الشَّوْقَ مَعْصِيتى وَالعشْقُ واللّه ذنْبٌ لَسْتُ أخْفِيه قَلْبِى الَّذِى لَمْ يَزَلْ طِفْلا ً يُعَاتبُنى كَيْفَ انْقَضَى العِيدُ .. وانْفَضَّتْ لَيَالِيهِ يَا فَرْحة ً لَمْ تَزَلْ كالطَّيفِ تُسْكرنِى كَيْفَ انْتَهَى الحُلمُ بالأحْزَان ِ والتِّيهِ حَتَّى إذا ما انْقَضَى كالعِيدِ سَامرُنَا عُدْنَا إلى الحُزْن ِ يُدْمينَا .. ونُدْمِيهِ مَا زَالَ ثَوْبُ المُنَى بِالضَّوْءِ يَخْدَعُنِى قَدْ يُصْبحُ الكَهْلُ طِفْلا ً فِى أمَانِيهِ أشْتَاقُ فِى اللَّيل ِ عطْرًا مِنْكِ يَبْعَثُنِى ولْتَسْألِى العِطْرَ كَيْفَ البُعْد يُشْقِيهِ ولتسْألِى اللَّيْلَ هَلْ نَامَتْ جَوانِحُهُ مَا عَادَ يَغْفُو وَدَمْعِى فِى مآقِيهِ يَا فَارسَ العِشْق ِ هَلْ فِى الحُبِّ مَغْفِرَة ٌ حَطَّمتَ صَرْحَ الهَوَى والآن تَبْكِيهِ الحُبُّ كالعُمْر يَسْرى فِى جَوانِحِنَا حَتَّى إذَا مَا مَضَى .. لا شَىْءَ يُبْقِيهِ عاتَبْتُ قَلْبِى كَثيرًا كَيْفَ تَذكُرهَا وعُمْرُكَ الغَضُّ بيْنَ اليَأس ِ تُلْقِيهِ فِى كُلِّ يَوْم ٍ تُعيدُ الأمْسَ فى ملَل ِ قَدْ يَبْرأ الجُرْحُ .. والتذكارُ يُحْييهِ إنْ تُرجعِى العُمْرَ هَذا القَلْبُ أعْرفُهُ مَازلتِ والله نبْضًا حائِرًا فيهِ.. أشْتاقُ ذنْبى ففِى عَيْنيكِ مَغْفِرتِى يَا ذنْبَ عُمْرى .. ويَا أنْقَى ليَاليهِ مَاذا يُفيدُ الأسَى أدْمَنْتُ مَعْصِيَتِى لا الصَّفْحُ يُجْدِى .. وَلا الغُفْرَانُ أبْغِيهِ إنِّى أرَى العُمْرَ فى عَيْنَيكِ مَغْفِرَة ً قَدْ ضَلَّ قلْبِى فَقُولِى .. كَيْفَ أهْدِيهِ ؟! من قصيدة "لأن الشوق معصيتي" سنة 1989 نقلا عن جريدة الأهرام