يشكل «التصحر» تهديدا ذا تأثيرات خطيرة على استمرار الحياة فوق الأرض، لما يسببه من نقص فى الغذاء للكائنات كافة، على وجه الأرض، لذا فهو قضية قومية، دفعت الخبراء والمسئولين لإطلاق برنامج قومى لتحديد العوامل المسببة للتصحر، كى يتم الحد من أخطاره، ومن هذا المنطلق عقد «مركز بحوث الصحراء»، أخيرا، حلقة عمل، بالمشاركة مع «الاتفاقية الدولية للأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، تحت عنوان: «تحديد الأهداف لتحييد تدهور الأراضى بمصر»، بهدف بحث هذا الموضوع الشائك، الذى يهدد مستقبل الأجيال القادمة، محاولا وضع الحلول الكافية فى مواجهته. فى البداية، يشير الدكتور نعيم مصيلحى، رئيس المركز، إلى أن مصر تعد برنامجا قوميا لتحديد تدهور الأراضى، شاركت فيه المؤسسات العاملة كافة فى مجال حماية الأراضى، ورفع إنتاجها لمواجهة السلبيات، ووضع الخطط؛ لتلافى تدهور الأراضى خاصة إنتاج الأرض. ويوضح أنه توجد فى مصر مناطق أصابها تملح التربة، وزحف الرمال، وانخفاض إنتاج الأرض الزراعية، وقلة الموارد الرعوية، والأعلاف، وتدهور المراعى الطبيعية، بجانب التعدى الجائر على الأراضى الزراعية، والبناء عليها، مما أدى إلى تقلص الأراضى الخصبة. ويضيف أنه سوف يتم العمل على الخطط المحددة فى خلال الأشهر الأربعة المقبلة، لذلك أقيمت هذه الحلقة لتفعيل هذا البرنامج فى إطار تحقيق الخبرات، مع برنامج الأممالمتحدة للاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر، ضمن برنامج تحديد تدهور الأراضى، الذى شاركت فيه 115 دولة، منها 13 دولة عربية، واللجنة العلمية لمكافحة التصحر بالمركز، بالتعاون مع اللجنة التنسيقية العليا، التى تضم عددا من الوزارات؛ لتحقيق قدر من التنسيق، وكى يعمل الجميع، فى إطار الاتفاقية، وفق محاور عدة، لتحديد الآثار السلبية للتدهور الزراعى من خلال جلسات حلقة العمل. تدهور.. وتملح من جهته، يحذر الدكتور إسماعيل عبدالجليل، الرئيس السابق للمركز، من خطورة مشكلة التصحر، ويعتبرها عملية اغتيال صامت لمستقبل الأجيال القادمة، إذ تفقد مصر بسبب التصحر ما بين 30% و35% من إنتاج أراضيها. ويشير إلى أن «الاستشعار عن بعد» يمكنه تقديم الأرقام الدقيقة للأراضى المعرضة للتصحر، التى تصل إلى 30 ألف فدان سنويا بمعدل ثلاثة أفدنة ونصف كل ساعة، أى أن 820 مواطنا يفقد غذاءه يوميا من جرائه، باعتبار أن الفدان يسد احتياجات 11 فردا فقط. ويضيف الدكتور عبد الجليل أن الأراضى فى منطقة النوبارية تواجه التملح العادى، باعتبار أن 86% من مساحة مصر تُعتبر مناطق شديدة الجفاف، وإمكاناتها المائية محدودة، علما بأن مصر هى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تتصف بهذا، مما يتطلب أن نضع حلا لمشكلات الصرف الزراعى، والتملح، مع خفض أسعار الأراضى الصالحة للبناء؛ لتشجيع البناء عليها، بدلا من البناء على الأراضى الزراعية. ولتوضيح طبيعة تملح الأراضى الزراعية، يوضح الدكتور أحمد عوض، الباحث بمركز بحوث الأراضى، أن مشكلة تملح الأراضى تستلزم اتخاذ خطوات من أجل رفع إنتاج الأراضى، وإحداث قدر من التوازن، لمواجهة النقص فى الخصوبة، وهذا يتطلب توعية المزارعين بمشكلة تدهور الأراضى وتملحها، إذ تتراكم الأملاح الذائبة فى ظل المناخ الجاف وشبه الجاف، وتزيد عملية البخر نتيجة عملية النتح، بخلاف سوء الإدارة فى الرى والصرف، باعتبار أن الترسيب للأملاح يؤدى إلى ما يُسمى الأراضى المتأثرة بالأملاح، خاصة البخر الذى يؤدى إلى تراكم الأملاح، فى مناطق منخفض الفيوم والمنزلة والإسكندرية وبورسعيد وواحة سيوة، وكلها بها نسب عالية من الملوحة، وتحتاج لاهتمام خاص من أجل رفع مستوى إنتاجها. ويضيف أن ملوحة التربة تختلف من وقت لآخر، ومن مكان لآخر، وأن معالجة ارتفاع الملوحة يتطلب تقدير نسبتها لتحديد نوعية المحاصيل الزراعية المناسبة لإمكان الاستفادة منها، وكذلك إنشاء مسارات مفتوحة للأراضى، ثم إجراء عملية حرث لها، وتسويتها وفق حالة الأرض، مع تحديد مستوى التسميد وفق نوعية الأرض: طينية كانت أم رملية، وكذلك تحديد نوعية الأسمدة: فوسفاتية أو بوتاسية، وذلك بحسب كفاءة الامتصاص للماء والأسمدة. انجراف التربة على جانب آخر، يستعرض الدكتور محمد عبده وصيف، أستاذ الأراضى بمركز بحوث الصحراء، مشكلة انجراف التربة باعتبارها أحد أشكال التصحر، إذ يوضح أن الانجراف يتم إما بسبب الرياح أو المياه، مضيفا أن نقل التربة بسبب الرياح يتم فيه نقل للحبيبات، وفيه يحدث الانجراف من مكان غير مرغوب فيه، فهى عملية فقد للتربة، وترسيب فى أماكن أخرى. ويشير إلى أنه يمكن التحكم فى نسب الانجراف من خلال الغطاء النباتى لتقليل سرعة الرياح المسببة للانجراف، وكذلك تقليل سرعة الأمطار المسببة للانجراف، موضحا أن التربة تختلف من منطقة لأخرى فى قابليتها للانجراف، وأن مناطق الساحل الشمالى والصحراء الشرقية والغربية والأراضى الداخلية بسيناء هى المناطق الأكثر عرضة للانجراف، وأن عملية الزراعات فى أسفل المنحدرات تزيد فرص الانجراف، وكذلك عملية الحرث السيئة، فضلا عن أن الانجراف يؤدى لتلوث المياه، وهذا يؤدى لفقد الاستدامة. مراقبة وتقويم وعن المفهوم الجديد للتصحر، يوضح الدكتور صلاح عبد المغيث، خبير المياه الجوفية، أن التصحر يتطلب عمليات مراقبة وتقويم، ووضع استراتيجية لمواجهته، فمثلا زراعة الفدان من محصول البرسيم تستهلك 12 ألف متر مكعب من المياه، ويتم تصديره، وهذا تصحر من مفهوم جديد، وكذلك نجد أن الصحارى المصرية بها أنواع من المياه الجوفية العذبة مثل سيوة والفرافرة، وبالتالى لا بد من اختيار المحاصيل الصالحة للزراعة فى تلك المناطق، حتى لا يحدث إهدار فى المياه، فعملية زراعة الزيتون فى تلك المناطق هى إهدار وتصحر، وبالتالى لا بد من اختيار محاصيل ذات مردود عال، حتى لا يحدث إجهاد مائى. ويضيف الدكتور عبد المغيث أن التصحر من منظور مائى هو إشارة إلى الغدق المائى، وهو ارتفاع منسوب المياه، إذ أشارت الإحصاءات إلى أن 30% من الأراضى تتعرض للتملح خاصة أراضى النوبارية التى تواجه نسبة 44% منها ظاهرة التملح، الأمر الذى يتطلب مواجهتها، أما السبب فهو عدم وجود مقننات مائية بجانب وجود طبقات طينية قريبة من سطح الأرض مما يؤدى لتراكم المياه، وهذا يبدو بوضوح فى تملح التربة بمناطق الخطاطبة والواحات البحرية، مما أدى إلى الجفاف، وانخفاض منسوب المياه الجوفية، نتيجة السحب الجائر، وتداخل مياه البحر مع المياه الجوفية فى وادى العريش والدلتا بسبب الجفاف والتغيرات المناخية، لذلك لا بد من تحديد إمكانات المياه المتاحة، وعدم السماح بالحقن بالملوثات الصناعية للخزان الجوفى، وعدم السحب من الخزان الجوفى، وفق وصفه.