في أكتوبر الماضي، ومع بدء العام الدراسي الرابع لابنتها، شمرت «نجلاء» عن ساعديها واستعدت كما تستعد كل أم حريصة على نجاح أبنائها، بتحضير الملازم والكتب الخارجية، والتواصل مع الأمهات اللاتي لديهن اطفال في نفس العام الدراسي لابنتها ولم تنس نجلاء الأشتراك على جروبات الفيسبوك المنددة بالمناهج التعليمية وكتب الوزارة والجداول الدراسية والمدرسين. ...................................................................... فنجلاء كآلاف الامهات المصريات اللاتي يرغبن في مستقبل أفضل لأبنائهن وتعليم حقيقي يؤتي ثماره في رفع وعي وثقافة الابناء، والعثور على فرصة عمل ، لكنهن لا يجنين كل عام إلا الشقاء والعناء مع الأبناء. إلا أن هذا العام كان مختلفا، فقد عادت ابنتها بعد عدة أيام من بدء العام الدارسي بعناوين لمجموعة مواقع على شبكة الإنترنت وطلبت الاطلاع عليها لتحضير دروس العلوم والرياضيات ..لم تستوعب نجلاء في بداية الأمر كيف تكون المذاكرة على هذا الجهاز الذي لا يستخدم إلا لتصفح الفيسبوك والألعاب ، ولكنها اكتشفت مع ابنتها أن لديها رصيدا مفتوحا من المعلومات والكتب والوسائل التعليمية المتاحة مجانا على بنك المعرفة المصري . ففي بداية العام الماضي أطلق بنك المعرفة الذي يمثل أكبر مكتبة رقمية في العالم ، بهدف إتاحة كل المحتوى المعرفي والتعليمي والبحثي ، التي تنتجه كبرى دور النشر العالمية مجانا لكل المواطنين داخل الأراضي المصرية كجزء من مبادرة «نحو مجتمع مصري يتعلم ويفكر ويبتكر» . البرنامج الطموح لمساعدة الطلاب والمدرسين على استيعاب المواد الدراسية بعيدا عن التلقين وبأسلوب تفاعلي كان من مؤسسيه وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي الذي كان مسئولا عن المشروع بحكم منصبه كأمين عام للمجالس التخصصية التابعة للرئاسة.. فهل يلقى المشروع المزيد من الاهتمام؟ وهل تشهد الفترة القادمة توسعا في عدد المدارس المشاركة به؟ جولة ميدانية صباح الخميس الماضي كنت جالسة في المقعد الأخير من الفصل المخصص للصف الثاني الإعدادي بمدرسة السيدة عائشة الإعدادية بمدينة نصر، أنصت باهتمام لشرح مدرسة العلوم أميرة محمود، التي ما أن انتهت من إلقاء تحية الصباح حتى اتجهت لجهاز الكمبيوتر المرتبط بالسبورة الذكية لتعرض على التلاميذ فيديو يشرح درس اليوم عن «الموجات وأنواعها»، وطلبت المدرسة من التلاميذ مشاهدة الفيديو من دون أي تعليق لتعرضه مرة ثانية ، وتطالبهم بعرض الملاحظات. وكانت الخطوة التالية أن يقوم كل طالب بتوجيه الأسئلة لزميله ليتم تكوين التعريف العلمي لدرس اليوم من خلال إجاباتهم. التقيت روان وبسنت ومريم ومحمد الذين اختاروا فيديوهات مختلفة للعرض على زملائهم لشرح الدرس وكان لكل منهم وجهة نظره المختلفة في اختيار نموذج معين من مكتبة «ديسكفري ايدوكيشن» المتاحة على موقع بنك المعرفة ولكنهم اتفقوا على «المناخ» المختلف الذي يوجد في الفصل حاليا. تقول روان: «في العام الماضي كنت اضطر للحل كثيرا جدا حتى استوعب الدرس تماما ، واحيانا كنت ابحث عن فيديوهات توضيحية عبر الإنترنت ولكن بنك المعرفه يتيح لي الأن الوصول مباشرة إلى كل الدروس المتاحة للصف الثاني الإعدادي» وأما مريم، فتقول : أصبحت الحصة الدراسية أكثر امتاعا، فالآن لست مضطرة لسماع الشرح فقط ولكن عرض الفيديو وطرح الأسئلة يجعلني منتبهة طوال الحصة. بدوره يرى محمد أنه يحصل على المزيد من المعلومات الجديدة حول موضوع الدرس ويستطيع تذكرها بسهولة. توفير الوقت لا تعود مميزات التعلم بهذه الطرق المبتكرة على الطلاب فقط، ولكن بحسب مدرسة العلوم أمنية لاشين فالنفع لهم أكبر، فالآن الدرس الذي يستغرق ثلاث حصص لشرحه ينتهي في حصة واحدة فقط وأصبح استيعاب الطلاب أكبر وتركيزهم أعلى، كما ارتفع مستوى العديد من الطلاب، والشاهد كان نتيجة الفصل الدراسي الأول مقارنة بنتائج العام الماضي. تقول مدرسة العلوم أميرة محمود:» فكرة توجيه الأسئلة من الطلاب لبعضهم بعضا تسهم في خلق مناخ تنافسي فالكثير منهم يهتم بالمذاكرة والتركيز حتى يجيب عن زملائه بلا تردد»، وهذا الأسلوب سوف يؤتي ثماره سريعا مع الطلاب الأصغر سنا حيث يجذبهم الصوت والصورة والحركة وتنطبع في اذهانهم اسرع. استراتيجيات متنوعة في الصف السادس الابتدائي وبحصة الرياضيات قامت معلمة الصف أميرة محمود بتقسيم الطلاب على 3 مجموعات تتنافس على حل مجموعة من المسائل الرياضية التي خطتها على سبورة الفصل. تحدثت مع يوسف ومعتز - من المجموعة الأقرب لمقعدي الأخير بالفصل - فقال يوسف إن مدرسة الفصل توضح لهم الفيديو المطلوب مشاهدته على بنك المعرفة وعليهم مشاهدته في المنزل وتحضير الدرس مما يساعدهم على الفهم و ايضا الاستفسار عن الجوانب غير الواضحة بالنسبة لهم ، وطابور الصباح يشهد يوميا عرض تجارب جديدة لزملاء من صفوف مختلفة عن كيفية استفادتهم من بنك المعرفة اما معتز فقد سألني :« هو ليه ما فيش فيديوهات للعربي؟ النحو صعب جدا» !! تدخلت معلمة الصف الأستاذة أميرة محمود لتوضح أن المكتبة الرقمية «لديسكفري اديوكيشن» تضم كل المواد التوضيحية الخاصة بالمنهج المصري لمواد العلوم والرياضيات فقط ولجميع الصفوف التعليمية من الأول الابتدائي وحتى الثالث الثانوي. المعلمون أولا تم اختيار اميرة مع عدد آخر من المدرسين للتدريب ببرنامج «المعلمون أولا» التابعه لوزارة التربية والتعليم، وتلقيها لتدريب تابع «لديسكفري اديوكشن» يمتد لعامين، والذي يهدف لتدريب المعلمين على استراتيجيات تعليمية مختلفة، تساعد على تنمية مهارات التفكير النقدي والتواصل والإبداع والتعاون لدى الطلاب وتقول:» الاستراتيجيات الجديدة ساعدة التلاميذ كثيرا كما ساعدتني جدا في الشرح لهم بأسلوب شيق ووفرت كثيرا من وقت الحصة .. فعلى سبيل المثال يتم تقسيم الطلاب لفرق تتنافس كل منها لحل عدد من المسائل الرياضية ويسعى كل طالب لمساعدة فريقه حتى لا يتسبب في خسارته مما يخلق مناخا من التعاون وايضا الرغبة في النجاح والتركيز لاستيعاب الدرس والوصول للحل الصحيح كما يتعلم الطلاب من بعضهم بعضا. كانت الخطوة التالية هي حضور حصة الرياضيات مع الصف الرابع الابتدائي الذي يعد الأصعب من حيث المناهج في الكم والكيف وفقا لمدرسي الصف ولكني لم ادخل فصلا تقليديا هذه المرة فقد كانت حصة الرياضيات تدرس بحوش المدرسة. حيث كون طلاب الصف دائرة واخذ كل منهم في إلقاء كرة صوف إلى زميله مع توجيه سؤال له عن جدول الضرب وعلى صاحب الاجابة الصحيحة أن يمسك بطرف الخيط مع إلقاء الكرة لمن يليه وترى معلمة الصف نجلاء الحسيني أن الخروج من الغرف المغلقة يساعد الطلاب على الاستيعاب وبخاصة مادة مثل الرياضيات التي ربما لا يسهل تخيلها وتضيف:» تدربنا في «ديسكفري اديوكشن» على جذب انتباه الطفل حيث يفقد اي شخص تركيزة بعد مرور 20 دقيقة وتساعدنا الاستراتيجيات الجديدة على المواءمة بين المواد النظرية والتدريب العملي للطلاب» لم يكتف معلمو المدرسة بتلقي تدريبات بنك المعرفة وتطبيقها في فصولهم فقط ولكنهم بدأوا في نقل المعرفة إلى زملائهم بالمدرسة الراغبين في تطوير اساليبهم التعليمية، ومنهم مدرسة العلوم للصف السادس الابتدائي نهاد صالح التي التقيت بها في معمل العلوم حيث جلس الطلاب في مجاميع مختلفة لتشرح لهم الدرس من خلال عدة ادوات متنوعة تسهل وصول المعلومة، كما تتبع في الصف اسلوب «التقويم التكويني» حيث يوضع أمام المجموعات كروت ملونه بالاحمر والاصفر والاخضر يمثل كل منها درجة فهم الطالب أو رغبته في طرح سؤال. مدرسة السيدة عائشة الحكومية هي واحدة من خمسين مدرسة فقط على مستوى الجمهورية التي تم اختيارها لبرنامج ستيم التابع لبنك المعرفة وفقا لمعايير محددة تلخصها مديرة المدرسة هدى محمود في توافر بعض الامكانات مثل المعامل، واجهزة الكمبيوتر، ومعامل الوسائط المتعددة، والسبورة الذكية، بالإضافة إلى حصول مدرستها على شهادة الجودة من إدارة غرب القاهرة التعليمية. مناهج أكثر سهولة وبالرغم من أن الانطباع السائد لدي أولياء الأمور هو صعوبة المناهج الدراسية، وعدم جدواها أو مواكبتها للنظم التعليمية العالمية، إلا أن الاستراتيجيات المتاحة عبر بنك المعرفة ووسائل التوضيح المتنوعة التي تقدمها «ديسكفري اديوكشن»، جعلت منها مناهج أكثر سهولة وأسرع في الفهم لدي طلاب الخمسين مدرسة الذين يمثلون المجموعة الأولى من هذا المشروع. وقد تم عقد عدة جلسات استشارية لأولياء الأمور، والطلاب، والمدرسين، وعمل استطلاعات لآرائهم حول الشكل الأمثل لعرض المناهج، والمدة المناسبة للمشاهدة. وبحسب رزق مرعي مدرب STEM now Egypt بدسكفري اديوكشن فقد تم تدريب 156 مدرسا و50 مديرا مدرسة حتي الآن وسوف يستمر هذا التدريب لمدة عامين مع وجود متابعة دائمة ومستمرة لتنفيذ البرنامج، وتعزيز الإيجابيات ونقل الخبرات المستمر من المدربين إلى المدرسين. تبسيط المناهج ولا تتوقف أهداف مشروع STEM now عند تبسيط المناهج ولكن الهدف الأساسي هو التأكيد على ربط العلوم والرياضيات بالبيئة في إطار المناهج الموضوعةويمثل هذا البرنامج مشروعا عالميا في التعليم ويطبق بشكل كامل داخل 11 مدرسة حكومية ولكن وبحسب مدرب ديسكفري اديوكشن رزق مرعي فإن بنك المعرفة يهدف من خلال هذا المشروع لنشر ثقافة STEM now ليسهم في غرس بعض المهارات المعرفية الهامة لدى الطلاب وهي التفكير والتواصل والتعاون والابتكار . ولأن الإتاحة للجميع هي واحدة من أهداف بنك المعرفة فقد تم استحداث برنامجين اخرين ليس فقط لمساعدة المدرسين ولكن ايضا لأولياء الأمور والطلاب البرنامج الأول هو ربط المناهج بالموقع أو Curriculum Connect الذي ساهم في ربط المنهج المصري بالوسائل التعليمية مباشرة ويقول رزق مرعي:» كل ما على الطالب أو المعلم أو ولي الأمر أن يحدد الصف الدراسي ثم المادة ثم الموضوع ليظهر له جميع الوسائل التوضيحية من فيديو و صور وملفات صوت حول الدرس المطلوب». أما المشروع الثاني فهو webedtv حيث يبث خمسة أيام في الأسبوع ولمدة ثلاث ساعات يوميا موضوعات مختلف تتوافق مع المناهج الدراسية . يضم المشروع حتي الآن 10 مدربين تم اختيارهم من قبل وزارة التربية والتعليم بناء على خلفيتهم الأكاديمية حيث حصل معظمهم على درجات الماجستير وحصل آخرون على منح دراسية خارج مصر.
