يجمع كتاب الدكتورة زينب العسال « عن المرأة وللمرأة»: دراسات نقدية ( منشورات نادى القصة) بين النظرية والتطبيق على نحو متوازن رهيف. فهو – من ناحية – يتخذ من اتجاهات النقد النسوى المستنير إطاراً مرجعياً يحتكم إليه فى التحليل والتفسير والتقويم، ومن ناحية أخرى لا يدع التأمل النظرى المجرد يطغى على الواقعة العينية، وهى الأثر الأدبى المنقود. وقبل ذلك كله، يبرأ الكتاب من العيب الذى يشوب كثيراً من الكتابات النسوية، إبداعاً ونقداً على السواء: أعنى النبرة الهستيرية الشاكية التى لا تكف على لوم الرجل، والدفاع عن المرأة بحق وغير حق، وهى عيوب تشوب – بدرجات متفاوتة – أعمال نوال السعداوى ومنى حلمى وسعاد سليمان وهناء عطية وهالة البدرى وأخريات. تنطلق زينب العسال من فهم ناضج للعلاقة الجدلية بين مشكلات المرأة النوعية ومشكلات المجتمع ككل، رجالاً ونساء شباباً وشيوخاً، وهى بهذا لا تعزل الظاهرة الأنثوية فى خيمة معقمة، مفصولة عما حولها، وإنما فى إطارها الحضارى الشامل وفى اشتباكها، الذى لا ينفصم، بالموروث الشرقى الحضارى والمؤثرات الغربية الوافدة، هكذا تتحدث عن « العورة وامتلاك الوعى» من منظور تاريخى يبدأ بأرسطو – الذى وصف المرأة بأنها رجل ناقص- وتنتهى، نزولاً فى الزمن، إلى فاطمة المرنيسى وشرين أبو النجا. وخلال هذه الرحلة تؤكد حق المرأة فى تسجيل تجربتها النوعية الخاصة، والانخراط فى التاريخ الأدبى الذى ظل طويلاً ( مع استثناءات قليلة) حكراً للرجال مع أن تاريخ الأدب ( ولنأخذ الرواية الإنجليزية مثلاً) يحفل بكاتبات تجاوزن القسمة الساذجة إلى أدب نسائى وأدب ذكورى، مثل جين أوستن وإميلى برونتى وجورج إليوت وفرجينيا ولف، وكلهن قامات أدبية سامقة لا تخضع للتصنيفات النوعية. ومن تناول القضايا العامة مثل الكتابة النسوية بين الرفض والقبول، ومفهوم المواطنة فى كتابة المرأة، وكتابة المرأة للتاريخ تنتقل زينب العسال إلى دراسة كتاب أفراد مثل العقاد وإحسان عبد القدوس ونعمات البحيرى وفاطمة العلى وأحمد إبراهيم الفقيه، إنها تتوقف عند رواية العقاد الوحيدة « سارة» مبرزة تأثر العقاد بالاتجاهات الفكرية المعادية للمرأة عند شوبنهاور ونيتشه ( من أقوال الأول : « لا يمكن لرأس واحد أن يجمع بين شعر جميل وعقل جميل». ومن أقوال الثانى: «أذاهب أنت إلى المرأة ؟ لا تنس إذن سوطك» ). وتربط موقف همام بطل الرواية من حبيبته سارة، وشكوكه المرضية، بآراء العقاد فى كتابه « هذه الشجرة» وأشعاره . وتكشف هذه الآراء عن « البنية التحتية الذكورية التى تحكم شبكة العلاقات بين المرأة والرجل» وهى بنية تكمن أيضا تحت سطح الكثيرين من معاصرى العقاد مثل المازنى (على نحو مستخف) وتوفيق الحكيم ( على نحو صريح، لا يخلو من أوضاع مسرحية لافتة للنظر). ومن نفس هذا المنظور الواعى تدرس زينب العسال مظاهر الحب وتجلياته فى أدب إحسان عبد القدوس المصرى، وأعمال أحمد إبراهيم الفقيه الليبى، بما يكشف عن أن الذهنية الذكورية التقليدية ليست وقفاً على بلد عربى دون بلد، وإنما هى تمد شبكتها عبر العقول والضمائر والوجدانات من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، وتجد الناقدة بارقة ضياء فى كتابات نعمات البحيرى ( تلك التى واجهت مرضها الأليم بشجاعة وجلد دونهما شجاعة وجلد الرجال) وفى أقاصيص فاطمة العلى. كتاب « عن المرأة وللمرأة « قد يكون عن المرأة، ولكنه ليس للمرأة وحدها. إنه كتاب للرجل أيضاً، ولكل قطاعات المجتمع على اختلاف مواقعها من السلم الطبقى والاقتصادى وتوجهها السياسى أو الاجتماعى. إنه دعوة شجاعة، من كاتبة تتميز بنزاهة القلم وكبرياء الفكر، لتحقيق المساواة الحقة (لا الشكلية) بين الرجل والمرأة، واطراح المفاهيم البالية الموروثة من عصور التخلف، وإقامة العلاقة بين الجنسين على أساس من الاحترام المتبادل والإدراك الواعى لنواحى التشابه والاختلاف، وذلك فى إطار دولة مدنية تسوى بين مواطنيها فى الحقوق والواجبات، ولا ترى فى المرأة « عورة» يجب حجبها أو إخفاؤها ( ولا مانع فى الوقت ذاته من تعريتها لأغراض التسويق التجارى) وإنما ترى فيها كائناً إنسانياً متكاملاً من جسد وعقل وروح، وطاقة منتجة خلاقة قادرة على الإسهام الإيجابى فى شتى مناحى الحياة، دون شعور بالدونية أو الاستخذاء أمام الأفكار الذكورية المتخلفة، مهما بلغ من نفوذ هذه الأفكار فى الحياة العامة والحياة الخاصة على السواء.