لا شكّ أن هنالك أسباباً موضوعية تراكمت عبر سنوات حتى توافرت الظروف لظهور هذا الانقلاب النوعى فى الممارسة السياسية الداخلية فى أمريكا، والذى يُعدّ أهم وأخطر ملامحه أن كل حزب من الحزبين الكبيرين لم يعد يُخفِى أن تحقيق مصلحته فى تولى الحكم أهم لديه من مصلحة أمريكا، ودون اكتراث بصورة البلاد من جرّاء معاركه التى يخوضها فى هذا السبيل، وأن يعتمد أسلوب تدمير الحزب المنافس قبل أن يهتم بعلاج أخطائه وتطوير أساليبه وترقية كوادره واكتشاف سبل أفضل للتعامل مع الجماهير والجماعة الناخبة والحصول على ثقتها..إلخ. وقد قدّمت الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما تلاها الأدلة المفحمة على هذا التغير النوعي، بدءاً من التراجع الشديد فى أخلاقيات وأدوات المتنافسين الرئيسيين، بالتطاول المتبادَل إلى حد التجريح الشخصى والخوض فى الخصوصيات واصطياد تصرفات خاصة من الماضي، إلى حدّ استخدام هفوات من عائلة المرشح، حتى من الأجداد! يمكن أن تكون الأحزاب وقعت فى بعض هذه الأخطاء فى الماضى ولكنها صارت منهجاً ثابتاً هذه المرة. ثم جاء التشكيك فى صحة نتائج الانتخابات، ليس بأفضل مما يحدث فى بلاد العالم الثالث، وطفت على السطح اتهامات بالعمالة للخارج، والتعاون مع أعداء البلاد من أجل العبث فى نتائج الانتخابات، ثم وصلنا قبل أيام إلى الاتهامات الصريحة بالتجسس على التليفونات الخاصة بالمرشح الفائز فى أثناء حملته، فى استعادة لمحنة ووترجيت التى تعيد إلى الأمريكيين أسوأ تجربة عايشوها فى هذا الموضوع. بهذا الاتهام الأخير، يخرج ترامب قليلاً من الركن الذى حوصر فيه منذ إعلان فوزه، إلى أن يهاجم ويجبر الطرف الآخر على الدفاع عن نفسه، حتى إذا كانت الاتهامات لا تستند على أدلة قاطعة. والخلاصة، أن القواعد التى كانت تبدو راسخة، والتى كانت توفر أهم ضمانات الاستقرار فى أمريكا، لم تعد تحظى بالرضا والالتزام بين الأطراف الرئيسية المتصارعة على الحكم. وهو أمر خطير، خاصة أن الأداء فى اتجاه متصاعد، كما لا يبدو أن هناك جهوداً جادة للعلاج. لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب