«ليوبولد سيدار سنجور» من الشخصيات الأفريقية البارزة. ونال شهرة واسعة خلال القرن العشرين، وكان شخصية مثيرة لجدل واسع، واستمد سنجور شهرته من تعدد اهتماماته، فهو السياسى والشاعر والمنظر الفكري، وإن كانت بنسب متفاوتة. ولد فى أكتوبر عام 1906 فى بلدة ساحلية جنوب العاصمة السنغالية «داكار»، وكان ينتمى إلى الطبقة «البرجوازية»، ولم يذق طعم الفقر والحاجة، لكنه رآه بعينه فيمن حوله، وأتم تعليمه فى السنغال، ثم سافر إلى باريس لاستكمال دراسته الجامعية، وهناك تأثر بالثقافة الغربية وتعرف على رائد مدرسة «الزنوجة» «إيمى سيزار»، ونشأت بينهما صداقة عمادها النضال ضد المستعمر ورفض العبودية والاسترقاق، والحصول على الحرية الكاملة للرجل الأسود، وكانت هذه الصداقة ذات تأثير بالغ على آراء وأفكار سينجور. و«سنجور» من رواد تيار «الزنوجة» الذى يعبر عن «صرخة الأفارقة الذين يتحدثون اللغة الفرنسية وهم ضد الموروثات والأفكار التى لحقت بالزنوج عبر تاريخ طويل من عدم الاحترام والتقدير»، وكان الهدف عند رواد هذا التيار إعادة التقدير والاعتزاز بكل ما هو أسود ورفض كل رؤى الاستعمار الذى قلل من دور وقيمة الإنسان الأفريقى ومساهماته الحضارية، واعتمد هؤلاء الرواد على اعتبار «الزنوجة» شيئا واقعى لا يمكن إنكاره لأن اللون يراه الجميع، وكانت دعوتهم واضحة للفخر بكل ما هو أسود وتنمية الوعى الحضاري، والثقافى بثقافة الزنوج وتسليط الضوء على الثقافات والعادات والسلوكيات الأفريقية التى تاهت بفعل الاستعمار، ومن قبله الاسترقاق الذى مارسه الإنسان الأبيض، وطالت هذه الممارسات الإنسان الأسود فى بدنه ونفسه، لذلك كان الرابط اللونى والوحدة بين الأفارقة هدفا وشغفا واحدا فى كل مكان على وجه الأرض، وكانت كلمات الشاعر سيزار رائعة لوصف ذلك عندما قال «فالأرض التى يكون فيها الجميع حرا ومتآخيا.. هى أرضي». ورأى سنجور تفوق العنصر الأسود فى بعض الجوانب، وانتقد تجارة الرقيق والعنصرية السوداء، وفى نفس الوقت أشاد بالاستعمار وتأثيراته الثقافية ودوره فى تقدم الشعوب السوداء، وظهر ذلك جليا فى قوله بأن تقدم السنغال لن يتم إلا من خلال القومية الافريقية والزنوجة، لكنه أصر على أن السبيل لذلك من خلال الأدوات والتأثيرات الاستعمارية الافريقية، ويقصد فرنسا التى كانت دائما تعنى الصداقة ورؤى التقدم فى أفكاره. ويعتبر سنجور كشاعر وكاتب وسياسى من أهم المساهمين فى وضع الأسس الفكرية لمفهوم الهوية، وعبر من خلال شعره وانتاجه الأدبى عن حالة الاغتراب والنفى وقام بمساعدة «اليون جوب» بتأسيس دورية «الوجود الافريقي» التى كان يراها تشجعا على معرفة التاريخ والثقافة الافريقية لمواجهة «امبريالية» الثقافة الفرنسية وسياسة الاستيعاب الاستعمارية، وأكد عبر انتاجه الأدبى على الوحدة الثقافية للعالم الأسود، ومفهوم الروح «الزنجية»، وبالرغم من تأكيده على قيمة الثقافة والحضارة الأفريقية إلا أنه لم يخف ولاءه لفرنسا، وبالرغم من بحثه فى الهوية الافريقية والحفاظ عليها فى التقدم والتطور لكنه كان يرى أن الأدوات الفرنسية هى التى يمكن من خلالها تحقيق هذا التطور، وكان يرى أن «الزنوجة» وطن الروح «الزنجية» والأساس الذى يمكن أن تقوم عليه أمة «زنجية» افريقية. واجتمعت آراء سينجور على محور التزاوج بين الثقافة السوداء التى تمثل العاطفة والثقافة البيضاء الفرنسية التى تمثل العقل واصفا هذا التزاوج بأنه تكامل للحضارة الإنسانية، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وهذه الأفكار كانت سابقة لعصرها لأن الثقافة بمفهومها الواسع لا ترتبط بزمان أو مكان، لكن المهم فيها تناغم القيم الثقافية والحضارية على معيار الإنسانية، التى تغيب أحيانا طبقا للماديات السياسية وأفكار المصالح التى أدت إلى ما نحن فيه من عوز وتدهور ثقافى وحضارى أيضا. وحاصل رؤى سنجور فى المجال الثقافى والفكرى تأتى من خلال عمق الصداقة بين فرنسا وافريقيا حيث كانت فرنسا تمثل له قيمة حضارية كبرى حتى أنه أكد مرارا على أن تقدم افريقيا والسنغال بلده سيكون بمساعدة وأدوات فرنسية. أى يؤمن إيمانا راسخا بعالمية الثقافة مع اعتزازه بثقافته وحضارته الافريقية ولونه الأسود الذى كان محورا لكل أشعاره. وفى النهاية يمثل سينجور نموذجا فكريا وثقافيا وسياسيا فريدا، لا أجد تصنيفا له أفضل من إجابته عندما سئل عن الخيار الذى ينحاز إليه بين أن يكون سياسيا أو أستاذا جامعيا أو شاعرا وأجاب «أختار قصائدي»، وهو صاحب النشيد الوطنى لبلاده «الأسد الأحمر»، ورحل الرجل عن السلطة طواعية كرئيس للسنغال عام 1980، وانتقل إلى فرنسا ومات فى ديسمبر 2001 عن عمر ناهز 95 ولأهميته تم إعلان الحداد فى السنغال لمدة 15 يوما، ونعته فرنسا ببيان رسمى من الحكومة وصفته فيه بالصديق.