رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو الأكثر فرحا بوصول ترامب إلي البيت الأبيض، فهو أكثر من انتقد الاتفاق النووي مع إيران، ووصفه بأسوأ ما فعلته إدارة أوباما، وكان نيتانياهو قد ألقي بيانا أمام الكونجرس الأمريكي يعدد فيه مساوئ الاتفاق النووي، لكن أوباما صمم علي تمرير الاتفاق، لأنه يحب إسرائيل ويرعي مصالحها بوعي يفوق ترامب، لكن حماقة العنصري ترامب تعجب نيتانياهو الأكثر عنصرية، ولهذا تمادي وأعلن نهاية مشروع إقامة دولة فلسطينية إلي جانب الدولة الصهيونية، ولم يأبه ترامب لتمادي نيتانياهو، وقال بما معناه اإفعلوا ما يروق لكم»، ولم يفكر في تداعيات إلغاء مشروع الدولة الفلسطينية، والتي لا تخرج عن احتمالين، أولهما أن تكون إسرائيل دولة واحدة للإسرائيليين والفلسطينيين معا، بحقوق متساوية، وهو احتمال مستحيل في عرف نيتانياهو ومعظم الصهاينة، لأنه نهاية الدولة اليهودية، أما الاحتمال الثاني فهو أن تكون إسرائيل دولة عنصرية رسميا، يعيش فيها ملايين الفلسطينيين بلا حقوق، وهو ما سيجعل من إسرائيل محط انتفاد العالم، الذي لا يريد أن يري تلك العنصرية الفجة في القرن الحادي والعشرين، ولن يتوقف الأمر عند فقدان إسرائيل الكثير من تعاطف الحكومات والأحزاب الأوروبية، بل سيلهب غضب الفلسطينيين والعرب، حتي تلك الحكومات العربية التي كانت تغازل إسرائيل وتقيم علاقات معها في السر، وسيلغي الفلسطينيون مشروع التفاوض والحلول السلمية تحت سقف مشروع الدولة العنصرية، أو إقامة معازل ممزقة للفلسطينيين علي بعض أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وتزداد موجات الغضب والاحتكام للسلاح في تحرير الأرض.لم تتوقف إسرائيل عند هذا الحد، فأخذت تسرب أنباء عن المسئولين العرب الذين يزورونها في السر، وقال نيتانياهو إن عددا كبيرا من الحكام العرب لا يرون إسرائيل عدوا، بل حليف لهم، وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن محادثات تجري بين الإدارة الأمريكية وعدد من القادة العرب بشأن تحالف محتمل لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل بهدف مواجهة النفوذ الإيراني، وأشارت الصحيفة إلي أن إنشاء مثل هذا التحالف كان علي جدول مباحثات نيتانياهو وترامب. وهو ما يعني أن حماقة ترامب ونيتانياهو تجد أرضا خصبة، فهذا المشروع لا يقل حماقة عن إلغاء مشروع الدولة الفلسطينية، وإذا وضعنا الفكرتين الحمقاوتين جنبا إلي جنب، فهو يعني أن حكاما عربا سوف يتحالفون مع الدولة العنصرية التي ألغت حتي الحدود الدنيا للشعب الفلسطيني، وهو ما سيعني المزيد من الغضب الشعبي والتمزق العربي ضد إسرائيل ومن يتحالفون معها. وإذا كان صحيحا أن قادة دول عربية وافقوا علي تبادل المعلومات الاستخبارية مع إسرائيل، فمن المنطقي أن يكون هذا التعاون سريا، حتي لا يثير استياء شعوبهم التي تنظر لإسرائيل علي أنها العدو الأول، لكن إسرائيل تريد جرهم إلي تحالف علني، لا يقتصر علي تبادل المعلومات، واستغلت خلافات بعض الدول العربية مع إيران، لكي تتحول هذه الدول من عدو إلي حليف، بينما تواصل هدم منازل الفلسطينيين، وتتقدم بقانون لمنع الآذان في المساجد، وتمارس كل أشكل الاضطهاد والعدوان علي الفلسطينيين في الضفة وغزة وداخل الكيان، بل تري حكومة نيتانياهو أن الصراعات العربية العربية فرصة سانحة لتنقض علي كل الأراضي العربية المحتلة، وطلب نتنياهو من ترامب أن تعترف أمريكا بأن الجولان السوري جزء من إسرائيل، ضاربة بعرض الحائط كل القرارات الدولية الصادرة من الأممالمتحدة. لا أعتقد أن دولا عربية ستنجر إلي مثل هذا التحالف أو ستوافق علي إلغاء مشروع الدولة الفلسطينية والقبول بالدولة اليهودية العنصرية الواحدة، لأنها ستكون قد ركبت مع ترامب ونيتانياهو قطار الحماقة، الذي لن يصل إلي أي محطة آمنة، بل سيفتح بابا جديدا للصراعات وجحيم الحروب في المنطقة.في هذا السياق يمكن فهم تغريدة الوزير الإسرائيلي أيوب القراء، الذي ادعي أن نيتانياهو سيناقش مع ترامب اقتراح الرئيس المصري بإقامة دولة فلسطينية في سيناء، ليصل بالحماقة الإسرائيلية إلي حدود اللا معقول، فقد سبق أن أعلنت مصر أنها غير معنية بمجرد مشروع لتبادل بعض الأراضي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وإبعاد سيناء عن هذا المقترح، فلا يمكن تصور أن أي حكومة مصرية يمكن أن تقدم، وباقتراح منها علي منح سيناء إلي أي من كان، ورغم أن نيتانياهو أصدر بيانا ينفي فيه وجود مثل هذا الاقتراح، فإن صفاقة الوزير الإسرائيلي كانت أشد من معالجتها بمجرد تكذيب من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، لكن يبدو أن الحماقات الإسرائيلية سوف تزداد، فاليمين الصهيوني يزداد تطرفا، ويريد الاستفادة من مشروع «الفوضي الخلاقة» قبل أن يلفظ أنفاسه، بالهزائم التي تتلقاها التنظيمات التكفيرية في العراق وسوريا وليبيا، بل تريد إشعال نيران جديدة بأحلاف وانقسامات عربية تضمن استمرار حالة الفوضي والتوتر في منطقة تريد إسرائيل أن تكون صاحبة اليد العليا في تقرير مصيرها، من خلال إثارة الفتن وزرع الألغام حتي يزداد العرب تشرذما وانقساما وعداوة، ليقضي بعضهم علي البعض الآخر، دون أن تتكبد عناء خوض حرب جديدة ضد أي منهم. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد