هناك مواجهة تتصاعد هذه الأيام ما بين «الترامبية» لصاحبها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من جانب والمؤسسات الأمريكية من جانب آخر، وبينهما أهم الأسلحة فى هذه المعركة الدائرة وهو تغريدات « تويتر»، ويمكن الجدل بأن النتيجة حتى الأن لغير صالح ثوابت «ترامبية» الرئيس التى باتت تشهد تراجعا واضحا أمام ضغوط المؤسسات الأمريكية المختلفة. جرى من قبل تقديم تعريفات تقريبية للترامبية ولكن الإعادة هنا واجبة بغرض التحديد الدقيق لأطراف مواجهة جدا مهمة بالنسبة لعملية إدارة الولاياتالمتحدة وبالتالى إدارة العالم. الترامبية كما جرى التوافق أنها خلاصة ما آتى به المرشح ترامب وما أصبح - مفترضا - ركائز لسياسات الرئيس ترامب، ما بين الحمائية الاقتصادية العنيفة، والشعبوية السياسية بتطبيق مفهوم «أمريكا أولا» على مختلف الأصعدة، مع اتباع سياسة خارجية أكثر صدامية وأقل توافقا مع فكرة المسئولية الأمريكية إزاء العالم. ويغلف هذا كله بأسلوب فردى صدامى ومباشر لا يتوافق مع أى من ثوابت التوجهات الحزبية أو ثوابت السياسة الأمريكية. أما المؤسسات الأمريكية، فالمقصود هنا لا يقتصر على مؤسسات الدولة فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى كيان الرأى العام مثلا، والمؤسسات الإقتصادية والقطاع التجارى والمؤسسات الإعلامية. ويمكن بيان فكرة تراجع الترامبية أو بمعنى أدق «تطبيعها» على حسب ثوابت السياسة والميل العام الأمريكى بما كان من «موقعة الشركات». والحقيقة أنها ليست موقعة واحدة ولكنهما اثنتان رئيسيتان، تتعلق الموقعة الأولى باستهداف واضح من جانب الترامبية للاقتصاد الصينىواليابانى اللذين جرى اتهامهما بالممارسات الاقتصادية غير العادلة إزاء الولاياتالمتحدة. وتعددت بنود الاتهام ما بين نقل الوظائف والاستثمارات إلى الخارج، ثم إغراق الأسواق الأمريكية بسلع رخيصة والتراجع المتعمد للعملات المحلية أمام الدولار، مما يضعف القدرة التنافسية لكل ما هو أمريكي، مع التهديد والوعيد بفرض ضرائب عقابية على واردات الشركات المتهمة تصل إلى 35% ويزيد، إلا أن الملاحظ التوارى النسبى والتدريجى لهذه التصريحات التى كادت تختفى من على سجل التغريدات الترامبية لصالح تعبيرات أقل صدامية من شاكلة «السعى لخلق علاقات إقتصادية عادلة ومربحة لجميع الأطراف»، كما كان من ضمن تغريدات الرئيس ترامب حول زيارة رئيس وزراء اليابان شينزو آبي. فلم تشهد هذه الزيارة أى ذكر لرسمى لعقاب اشركات المهاجرة وإن شهدت وبشكل متكرر التأكيد على مسئولية أمريكا الدفاعية إزاء اليابان، مقابل تغريدات سابقة لترامب وتصريحات عن ضرورة تولى اليابان وكوريا الجنوبية لمسئولية الدفاع عن أنفسهما ووقف استنزاف أمريكا، وكذلك ما كان من عودته عن عدم الالتزام بسياسة «الصين الموحدة» وتغريداته التى أثارت أعصاب بكين وعكست تقاربا مع تايوان التى تعتبرها الصين خاضعة لسيادتها. الترامبية باتت أكثر توافقا إذن مع الخطوط العريضة التى طالما حكمت السياسة الأمريكية أيا كانت إدارتها ديمقراطية أو جمهورية. ويتوقع أن يكون تراجع الترامبية أكثر وضوحا، خاصة مع أمارات تفكك إدارة ترامب التى لم تتشكل من الأساس والنظريات المطروحة حول تعمد بعض المؤسسات الرسمية للدولة مثل دوائر المخابرات والكونجرس لإحراج الرئيس وإضعاف موقفه على غرار مثلا ما كان من مسألة مستشار الأمن القومى المستقيل مايكل فلين وإحتمالية ترك المخابرات فلين فى منصبه رغم شبهات تواصله المتكرر مع الجانب الروسي، بغرض تفجير الأزمة لاحقا على نحو ما جرى، بالإضافة إلى المواجهة مع مؤسسة القضاء التى تقف دون تنفيذ أمر ترامب التنفيذى بشأن حظر استقبال الزائرين من سبع دول يراها تصدر الإرهاب. ثانى المواقع ما كان من تباعات هجمة ترامب على عدد من الشركات الإعلامية والتجارية داخل الولاياتالمتحدة نفسها، فتغريدة ترامب مثلا حول وقف تعامل إحدى سلاسل المحال التجارية الشهيرة مع خط أزياء نجلته الأثيرة إيفانكا جاءت بخلاف الهدف منها. فالانتقادات انهالت لتداخل واضح فى الأدوار ما بين رئيس الولاياتالمتحدة والأب الذى لم ير مانعا دون التدخل فى سجال الحرب التجارية التى تعد ابنته طرفا فيها وطرفها الثانى سلسلة محال أمريكية. ومن ضمن الانتقادات عدم الوفاء لسياساته من الأساس، فأزياء إيفانكا اتضح أنها ليست صناعة أمريكية وإنما وارد مشاغل إندونيسيا والصين وفيتنام وبالتالى يفترض أن تكون هدفا لضرائبه العقابية وليس تغريداته الداعمة. ورغم تأكيد المحل صاحب الأزمة أن قراره سببه تراجع الطلب على قطع إيفانكا، فإن حركة Grab Your Wallet، والتى تشن حملة لمقاطعة كل المنتجات التى تحمل أسم ترامب اعتبرت قرار الوقف نصرا شخصيا ودفعت لمزيد من الضغط على أعمال ترامب وعائلته.ولم تفلح كثيرا الحملات المناوئة والتى تضمنت دعوى لمقاطعة المحل الأزمة والذى شهدت قيمة أسهمه نموا بنسبة 7% بعد ساعات من تغريدة ترامب حتى انتشرت النكات حول تمنى مختلف العلامات التجارية لتغريدة هجوم ترامبية. والحقيقة أن المسألة باتت مجربة فصحيفة نيويورك تايمز التى طالما غرد ترامب ليصفها ب«الفاشلة» وصاحبة «الأخبار الملفقة» لم ينته 2016 إلا وقد زاد عدد المشتركين فيها عشرة أضعاف ليصل إجمالى المشاركين فى نسختيها الورقية والإليكترونية بداية 2017 أكثر من ثلاثة ملايين شخص، فى تأثير واضح لسحر الجدل والقيل والقال فى التسويق الناجح. إجمالا تغريدات ترامب تشهد تحولا أكيدا باتباع صياغة ومضمون أكثر دبلوماسية وأقل صدامية، أكثر توافقا مع ثوابت السياسة الأمريكية وأكثر حساسية لتوجهات الرأى العام الأمريكي، وإن يصعب التوقع بتخليها كليا عن ترامبيتها الأصيلة.