ثمة قاسم مشترك سواء في برقيات التهنئة التي بعث بها القادة العرب الي الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي أو في البيانات الرسمية التي أصدرتها بعض وزارات الخارجية العربية عقب إعلان فوزه بالمنصب الرفيع المقام, يتجسد في إبداء الرغبة القوية في عودة مصر إلي محيطها العربي والاقليمي كقوة إقليمية تمارس دورها المحوري بفعالية. وأظن أن الصدق يغلب علي هذه الرغبة دون أن يكون الأمر متعلقا بعبارات دبلوماسية تفرضها المناسبة, ذلك أن الحاجة العربية إلي استعادة مصر لهذا الدور حقيقية وقد لمستها بنفسي خلال سنوات عملي وزياراتي لأغلبية العواصم العربية وخلال مناقشات واسعة مع نخب عربية سياسية وفكرية. كانت هذه الرغبة- والتي وصلت الي حد الشوق الكامن- تهيمن عليها, فقد كان لغياب مصر دور وتأثير واضح علي توجه بعض دول منطقة الخليج إلي قوي بعضها اقليمي والأكثر دولي للاستعانة بها علي الصعيد الأمني والاستراتيجي, وهو ما أكده لي غير مسئول خليجي في أكثر من مناسبة. واللافت أن ثمة رؤي تميل الي وجود قلق عربي تحديدا خليجي من هذا الصعود. وقد سألت في هذا الصدد السفير الدكتور عمر الحسن رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية بشكل واضح: هل يشكل انتخاب رئيس مصري من التيار الإسلامي مصدر قلق للدول العربية وبالذات من قبل الإخوان المسلمين ؟ وهل يمكن أن يحظي بالدعم منها فأجاب: أحب أن أشير في هذه النقطة إلي أن الدول العربية إن لم تكن كلها فأغلبها يعنيها استقرار مصر وازدهارها من منطلق أن قوة مصر تعني قوة شقيقاتها الدول العربية, وهذه الدول التي تتابع باهتمام ما يجري في مصر طوال الفترة الماضية وكانت حريصة علي عدم التدخل في الشأن الداخلي المصري وأعلنت قبولها بخيارشعب مصر والمهم أن يكون الرئيس الجديد ممثلا لشعب مصر بمختلف مشاربه وأن يعمل وفق رؤية تدعم توجهات مصر العربية وتسهم في تعزيز العمل العربي المشترك وتخدم قضايا الأمة المصيرية, لتلتقي حوله الدول العربية التي عليها أن تقدم له كل أشكال الدعم التي تمكنه من التعامل مع التحديات التي تواجهه ويضيف كما أنه مطلوب منه أن يعمل علي إعادة الدائرة العربية لتكون في مقدمة دوائر اهتمام السياسية الخارجية المصرية حتي تستعيد مصر مكانتها كدولة قائدة في المنطقة العربية; فمع استعادتها لمكانتها في محيطها العربي ستستعيد أيضا مكانتها كدولة إقليمية كبري في منطقة الشرق الأوسط, وهي المكانة التي فقدتها أو كادت أن تفقدها لمصلحة أطراف أخري إقليمية في المنطقة في ظل النظام السابق مساندة مصر وأسأله تحديدا عن المرتكزات التي يتعين علي الرئيس الجديد أن يضعها في اعتباره عند التعامل مع الدول والقضايا العربية فيحددها الدكتور الحسن فيما يلي: أولا: هناك الركيزة الاقتصادية; فمصر تمر بمأزق اقتصادي حقيقي نتيجة التوترات السياسية والأمنية التي عاشتها في الفترة الأخيرة, وبالتالي فإنها بحاجة إلي خطة لتنمية موارد الدولة, وتعزيز مصادر الدخل الأجنبي من خلال تنشيط السياحة والاستثمارات الأجنبية وتنشيط الصناعات, وتنويع التجارة الخارجية وإبرام اتفاقيات مع دول شرق آسيا وأوروبا والتصدي للفساد وتفعيل التعاون والتضامن مع الدول العربية والإسلامية, هذا إلي جانب الالتفات إلي الموارد والثروات الطبيعية والبشرية غير المستثمرة.وهنا علي دول الخليج مساعدتها بشكل جماعي, ولاسيما أن العلاقات المصرية- الخليجية كانت ولا تزال القاعدة الأساسية للسياسات العربية واستقرار النظام العربي وتدعيم أمن الخليج العربي.. ولا يمكن نسيان مساندة مصر للدول الخليجية فيما واجهته من أزمات منذ استقلالها, ويمكن لدول الخليج في هذا الشأن تنفيذ وعودها لمصر بعد نجاح ثورة25 يناير; حيث وعدت السعودية بدعم الاقتصاد المصري بأربعة مليارات دولار أمريكي, والإمارات العربية المتحدة بمبلغ3 مليارات, وقطر ب10 مليارات دولار, بالاضافة إلي ما عرضه الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية ورجال الأعمال الكويتيون من المشاركة في تنفيذ مشروعات محددة تتطلب استثمارات ضخمة, وكذلك فقد أبدت البحرين استعدادها دعم الاقتصاد المصري وحث رجال الأعمال البحرينيين علي إعطاء مصر الأولوية للاستثمار وفتح المشاريع التجارية مع رجال الأعمال المصريين والتركيز علي المشاريع التي تخدم الطبقة المتوسطة والشباب من خريجي الجامعات والمعاهد الفنية فالجميع ينبغي أن يدرك أن قوة مصر من قوة العرب, وضعفها خصم من رصيد القوة هذا. ثانيا: يجب أن تحظي قضايا الأمة المصيرية باهتمام خاص من القيادة المصرية الجديدة, فالقضية الفلسطينية التي هي قضية الأمة العربية الرئيسية- يجب أن تستعيد مكانتها كقضية محورية تحظي بالأولوية في أجندة الدبلوماسية المصرية, بعد أن تراجع الاهتمام بها بصورة واضحة في ظل النظام السابق, وبحيث تعود مصر كداعم أول لهذه القضية ومدافع قوي عن حلم الشعب الفلسطيني في أن تكون له دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. ثالثا: في ظل التحديات الأمنية الراهنة التي تواجهها الأمة العربية يجب أن يحظي الجانب الأمني في علاقات مصر العربية بجانب كبير من الاهتمام, فهناك من ناحية تحديات أمنية عابرة للحدود تتطلب تعاونا مشتركا بين الدول العربية كقضايا الإرهاب وتهريب السلاح والمخدرات... إلخ, كما أن هناك تحديات ترتبط بالأمن القومي العربي في إطاره الأشمل وهي تحديات أمنية مرتبطة بالبيئة الإقليمية كالتحدي الأمني التاريخي الذي تمثله إسرائيل, وتحدي الأطماع الإقليمية الإيرانية وما يرتبط بها من طموح نووي يهدد الأمن العربي, هذا غير تحدي التدخلات الدولية في شئون المنطقة وجميعها تحديات تتطلب صيغا معينة من التعاون للتعامل معها. رابعا: يجب أن تقدم مصر نموذجا في الإصلاح السياسي; بحيث يكون متوازنا وقابلا للاقتداء به من جانب غيرها من الدول العربية; إذ لا شك في أن الإصلاح الذي يقوم علي مبدأ المواطنة وينبذ الطائفية والعصبية العرقية هو المطلوب مصريا وعربيا حيث يفضي في النهاية إلي خلق مجتمع سوي تختفي منه المشاحنات والضغائن بين المواطنين, كما تختفي التجاذبات بين السلطة ومختلف الفرق والقوي السياسية.