المسافة ما بين جنوبالقاهرة حيث يقبع سجن طرة وبين شرقها حيث يرقد' القصر الجمهوري' انتظارا للقادم, تستطيع أن تقطعها في فترة زمنية لا تتجاوز الساعتين في أقصي درجات ذروة الازدحام. إلا أن الدكتور مرسي قد قطعها أخيرا ومعه جماعته' حتي الآن- في نحو84 عاما بالتمام والكمال منذ أن أسسها مرشدها الأول حسن البنا!! ففي الرابعة والنصف بعد عصر يوم الأحد الماضي انقلب المشهد السياسي عندما أعلن المستشار فاروق سلطان نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات فبعد أن كان الدكتور مرسي رئيسا لحزب يتبع جماعة تطوق نفسها' بالولاء والطاعة' للمرشد أصبح رئيسا منتخبا لمصر بجماعاتها وتياراتها السياسية.. بمسلميها ومسيحييها.. بسكان المقابر و عمارات نيل الزمالك.. بعزب بحري وكفور قبلي.. بمعتصمي التحرير و بمتظاهري المنصة.. من كان من مؤيديه في الانتخابات و من أعلن رفضه له أو مقاطعته لها.. فهو الآن رئيس لكل من يحمل هوية تؤكد أنه ابن النيل. لا أحد يختلف علي أن الثورة التي دفعت بالدكتور مرسي بإتجاه قصر الرئاسة لم تعمل آلة الفرز بين المواطنين فلا أحد لفت انتباهه أن اليد التي ارتفعت' بالعلم' قد طبع عليها' صليب عيسي عليه السلام'.. أو أن الأخري التي تجاوره قد أمسكت' بالمسبحة'.. ولم يجهد أحد نفسه لأن يكتشف أن' البلكونة' التي زينها علم مصر هي جزء من' شقة' اعتاد ساكنوها علي اللحاق' بصلاة الجمعة أو قداس الأحد'.. ولم يشغل احد باله بأن التي تجاوره ترتدي' خمارا أو نقابا' أو فتاة ترتدي' بودي'.. ولم يفكر أحد أن من يشرخ حنجرته بالهتاف هو من الليبراليين أو السلفيين أو اليساريين, فكلنا مصريون وهذا يكفي وبالتالي فقد أصبح الدكتور مرسي الآن رئيسا لنا جميعا. واقع الحال يستوجب أن يثبت الرئيس مرسي للجميع بممارساته أن تعبيرات الإنتقائية.. الإقصاء.. الاستئصال.. المغالبة.. المحاصصة قد هجرت قاموس تصرفاته وممارساته للأبد أو علي الأقل للأربع سنوات المقبلة' دورة الرئاسة' وأن معاني أخري قد حلت محلها: التوحد.. الاصطفاف الوطني.. المشاركة.. التوافق. حالة الانقسام التي شرخت أخيرا أبناء الوطن وأدت إلي فرزهم ما بين منتم لثوار التحرير أو مؤيدي المنصة لا تفرض فقط علي الرئيس ان يعيد صياغة مفردات خطابه الإعلامي للرأي العام لتؤكد احترامها للتنوع الثقافي للمجتمع والتزامها بديمقراطية نظام الدولة وإيمانها بأن الدين لله والوطن لكل من يعيش علي أرضه, بل تستوجب عليه أيضا أن يصيغ عقدا اجتماعيا جديدا بينه وبين المواطن يتعهد خلاله بأن يعمل وبحق علي تحويل شعار الثورة عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية إلي واقع ملموس.. وأن قراراته وممارساته تستهدف بحق أن تصون لا أن تبدد.. أن تجمع لا أن تفرق.. أن تشارك لا أن تستبعد. وعلي الرغم من أن الرئيس مرسي قد أعلن انسلاخه عن حزب الحرية والعدالة إلا أنه بالقطع لم ولن يفعلها مع جماعة الإخوان المسلمين إذ يبدو أن المسافة التي ابتعد فيها عن الجماعة إن كان قد فعلها حقا ولا أعتقد أنه من السهل عليه أن يفعلها- ليست كافية إذ لا يزال أسيرا لخلفية ثقافته الإسلامية عندما يتحدث إلي مواطنيه' أهلي وأحبابي وعشيرتي' إضافة إلي أن رموز جماعته لا يزالون مصرين علي دس أنفهم في أعمال الرئاسة ويكفي هنا أن أشير إلي أن المتحدثين باسمه قد أصبحوا أكثر بكثير من المستمعين له!!. وإذا كان البعض يري أن الإعلان الدستوري المكمل قد أحدث شرخا واضحا بين قوي المجتمع فإنه مثلما حافظ المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي وحدة الوطن وأمن وسلامة المواطن طوال شهور العام ونصف العام الماضية فإنه يستطيع إكمال مهمته بطرح هذا الإعلان لاستفتاء عام يبدي المواطن فيه قبوله أو رفضه له. ومثلما طالبت الرئيس المنتخب يوم السبت الماضي- وقت لم يكن اسمه معلوما- بتغييب الجماعة أو بقايا حزب هدمه الثوار وألا يكون أميرا للانتقام أعود الآن لأطالب الدكتور مرسي بإعلاء دولة العدل والقانون والديموقراطية.. أما إذا أقدم علي غير ذلك وخان لا قدر الله ما تعهد به لمواطنيه- وهو ما لا أتمناه له ولغيره من الرؤساء القادمين أو المسئولين فإن طريق العودة إلي جنوب العاصمة لن يستغرق منه أكثر من84 ثانية!! المزيد من مقالات عبدالعظيم درويش