إن سألني أحد عن أهم شخص في مكتب أي مسئول يشغل منصبا حساسا, لقلت علي الفور هو منصب مدير مكتب المسئول، فهو من يدير ساعات نهار المسئول الكبير, فضلا عن ترتيب أوراق التواصل مع انحاء جهات الدولة، فضلا عن جمع اقتراحات للقرارات المختلفة إزاء الموضوع الواحد داخل وخارج الموقع المهم، وخلاف ذلك من أمور بعضها بسيط وغيرها معقد. والذاكرة تحمل أسماء من تحملوا تلك الأمانة في بر مصر المحروسة وخارجها ، فيلمع اسم قائد الجناح علي صبري الذي شغل منصب مدير مكتب جمال عبد الناصر منذ ليلة 23 يوليو 1952 إلي أن ترقي حتي صار نائبا لرئيس الجمهورية، وكانت من أولي مهامه هو ترتيب اوراق التفاوض بين مصر وإنجلترا أثناء مباحثات جلاء الإنجليز عن مصر، ثم مشاركا كحلقة وصل بين المخابرات العامة التي كانت وليدة في تلك الأيام وبين مكتب جمال عبد الناصر. وكان هناك محمد فائق مدير مكتب عبد الناصر للشئون الإفريقية وهو من رسم وجمع الخيوط لجميع الشخصيات اللاعبة علي مسرح التحرر الوطني الإفريقي ومن فرط سعة أفقه وقدراته علي إدارة منظومة العمل بين الداخل المصري وبين جميع حركات التحرر الإفريقية و من فرط دقة وسعة وعمق الخبرة فضلا عن إنكار الذات فقد فوضه جمال عبد الناصر لتكون قراراته بقوة قرار رئيس الجمهورية. وكان هناك فتحي الديب الممسك بالملف العربي من حدود الجزائر التي خاضت حرب استقلالها وحتي العراق الذي تنازعت افكارها الثورية عاصفة من ضجيج صياح حزب البعث الذي لعبت قياداته بالمصطلحات السياسية دون قدرة علي جميع وقائع الفئات الاجتماعية بخلافات حياتها الاجتماعية ليصيغ منها النسيج الثوري الذي حلم به هذا الحزب ، لكن قادة هذا الحزب راحوا يكتبون وثائق استمرارهم في الحكم بدم بعضهم البعض إلي أن التهمهم وهم قيادة العالم العربي باحتلال الكويت فقد العراق تماسكه علي أيديهم كطبق من فخار طائفي. ولن أغرق في دهاليز تاريخ عاصرت كثيرا من أسراره الفاجعة سواء علي مستوي الحلم المصري أو العربي ، لكن تبقي في الذاكرة ملامح مهام مدير المكتب لمن يديرون مكتب أي شخصية في منصب حساس ودقيق . ولقد احسنت قيادة الجيش المصري بعد تولي السادات حكم مصر فلم تسمح له بالتوغل في دهاليز التفاصيل واحتفظت قيادات الجيش لنفسها بتفاصيل التدريب الجاد الذي لا يلمسه هوس الاستعراض او الادعاء إلي الدرجة التي حدد فيها الفريق سعد الشاذلي مهام كل مقاتل ضمن مجموعته القتالية ولتبدأ الحرب كأعلي سيمفونية لشعب يحرر ارضه بتآزر خلاب . وكان المقاتل السوري علي خط مواجهته يملك كل الشجاعة لكنه لم يمتلك دقة التخطيط كما كان القتال علي الجبهة المصرية . وبطبيعة التخطيط كان لابد ان يوجد علي مستوي التفكير و التنفيذ رجال في قامة وقيمة محمد حافظ إسماعيل الذي درس جيدا تفاصيل المواجهة المصرية لثلاثة جيوش هي جيوش إسرائيل وفرنسا وإنجلترا إبان عدوان 1956 علي مصر ؛ وساهم في رسم الحفاظ علي القوات المصرية، وكان يحتل منصب مدير مكتب القائد العام . وتم الانسحاب محتفظا بالقوات وهي في لياقة تتيح لمستقبلها اختلافا عن الواقع الذي عاشته ، وهي التي لم تحصل علي السلاح القادر إلا قبل عام واحد أي منتصف عام 1955 ، وعندما لمس مهامه ذلك الترهل في الأداء العام انتقل إلي وزارة الخارجية ليعيد تشكيلها مع مقاتل من طراز نادر هو حسين ذو الفقار صبري ، هذا الطيار الهاضم لتاريخ مصر علي مر العصور، وهو من مد الجسر بين ثقافة محمود فوزي الدبلوماسي المحترف ليختار علي ضوئها وبمعاونة محمد حافظ إسماعيل اجيالا شابة جابت الكرة الأرضية شرقها وغربها ، لتعلو كلمة مصر العربية في أي موقع . ودون الغرق في دهاليز التاريخ قديمه وحديثه كان منصب مدير المكتب للمسئول الكبير جسراإلي النجاح وتحقيق الهدف الذي يرجوه المسئول او يسقط بالمسئول من حالق. وقد لمسنا ذلك بصورة مباشرة نحيا في بعض من آلامها حتي كتابة تلك السطور، فعندما استغني حسني مبارك عن مهام مديري مكاتبه ، ولمست الأمراض العقل الذكي أسامة الباز الذي عاش لسنوات كعقل مفكر لحساب حسني مبارك ، وعندما خرج د. مصطفي الفقي من إدارة مكتب المعلومات لمبارك، سقطت قدرات الرجل بين انياب وحوش الأطماع الصغيرة وتألبت أطماع بيته الشخصي بين طيات حلم التوريث مع ضباب رجال النهب باسم التنمية فجاء يوم الخامس والعشرين من يناير من حيث لم يحتسب ذكاء مبارك لمثل احداث ذلك اليوم الغريب, الذي بدأ كصرخة نداء لمستقبل مختلف لكن انياب التخلف باسم الدين محاطة بتسلل مندوبين لأطماع الغرب حلما بإبقاء مصر جثة سهلة المنال, لكن الأمر اختلف بعد الثلاثين من يونيو. وطوال تلك الفترة كنت أرقب عن كثب جهد السفيرة فايزة ابو النجا التي عملت علي صياغة تطبيق لثلاثاوراق بدت كأوراق فلسفية للجليل بطرس غالي أثناء عملها كمديرة مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أولاها عن التنمية وكيفيتها في العالم الثالث وثانيتها عن الاجيال الشابة في خريطة الكون, وثالثتها عن الديمقراطية وكيف يمكن تنقيتها من شوائب التطبيق، وطبعا شاهدت كيف شاءت الولاياتالمتحدة ان تستمر لعبة تحويل المنظمة الدولية إلي تجمع للدمي التي تلعب علي الهوي الأمريكي، وشاهدت رحلة بطرس غالي وأدارت بفهمها كيفية اعتبار العمل الدبلوماسي الدولي هو جسرا يعيد للأمم المتحدة كرامة تمثيلها لضمير الكون ، وكان الصدام حتميا بين الولاياتالمتحدة وبطرس غالي الذي آثر ترك المنصب بعيدا عن التلوث ذي البريق، وعندما حاول كوفي أنان استبقاء فايزة أبو النجا مديرة لمكتبه رفضت أن تكون جزءا من تمثيلية غير لائقة وفي أيام ما بعد الخامس والعشرين من يناير استمرت علي يقينها وإيمانها لكن ما أن تولي التأسلم قيادة مصر رفضت البقاء في قبضة التخلف باسم الدين، ولم تقبل أي عمل إلا عندما كلفها الرئيس عبد الفتاح السيسي بمهمة المستشارة للأمن القومي لتعيش تفاصيلها باختفاء كامل عن العدسات الاجتماعية العامة، فالمنصب شاسع الأرجاء يتطلب درجة فريدة من التجرد، وقياس درجة الالتهاب أو الهدوء قي ساحات معارك مصر المتعددة والتي يحاول القائد عبد الفتاح السيسي أن يضع كرتنا الأرضية امام مسئولياتها بدلا من حالة الترهل ببقاء كل ما في الكون علي حالته سواء أكان حالة صحية أم مرضية، فعبد الفتاح السيسي هو قراءة مصرية صافية جاء بها الواقع المصري، وهو الواقع الذي عاني بتصحر في إنتاج مزيد من القيادات التي تؤمن بالتضحية قبل المكسب، وهو ما نلحظه عند إجراء أي تعديل وزاري. ولعل الهدف من سطوري تلك هو حلمي في أن يدقق كل مسئول في اختيار مدير مكتبه ليعمل الموقع الذي يديره فينتج ما يروي المصرين بعد عطش التخلف المترهل الذي عشنا فيه لسنوات ليسيت بسيطة، اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد . لمزيد من مقالات منير عامر