تلقيت التعقيب التالى من السفير عبد الرؤوف الريدى حول ما تناولته الأسبوع الماضى عن الدور الثقافى المفقود فى معركة مصر ضد الإرهاب والتطرف، خاصة فى القرى والنجوع «قرأت مقالكم فى صحيفة الأهرام الغراء بتاريخ 31 يناير الماضى بعنوان «الثقافة.. وحرب الأفكار» والذى أشرتم فيه إلى حديثى مع الأستاذة غادة الشرقاوى المنشور بالأهرام يوم 27 يناير، وأود هنا أن أشير باختصار إلى أننا نخوض معركة ضارية مع قوى التطرف والفهم المغلوط لصحيح الدين.. وهذه المعركة تتطلب فى الأساس أن نركز على الحركة التنويرية.. فى كل ربوع مصر وأن هذا لن يتأتى فقط من خلال تجديد الخطاب الدينى بل يكون أيضاً من خلال نشر الفكر المستنير. ومنظومة مكتبات مصر العامة هى مراكز إشعاع حضارى وتضم خمس عشرة مكتبة.. أصبحت تسد جانباً ولو صغيراً من الفراغ الثقافى فى المنظومة التعليمية.. لقد أصبحت المكتبة مركز إشعاع حضارى، ولقد لمسنا مدى التأثير والتنوير الذى تحدثه مكتبات مصر فى المجتمع. والواقع أن لقاءات الرئيس السيسى مع الشباب تثير اهتمامى كما تثير اهتمام كل المنشغلين بالشأن العام، لأن الشباب هم لُب الحركة النهضوية التى يعمل الرئيس على إحداثها فى مصر... وككل التحديات التى قابلت مصر فى التاريخ الحديث ربما كانت تحديات المرحلة الراهنة هى أضخمها. أومن أنه بالرغم من كل شيء فإن مصر تستطيع أن تواجه التحدى كما واجهته فى كل مرحلة من تاريخها الحديث، ولقد كان مفتاح هذه الحركة هو منظومة التعليم والثقافة والفن، وكان نتاج هذه الحقبة هو الذى بنت عليه النخبة الوطنية المثقفة بعد ذلك فأنتجت تلك النهضة الرائعة والتى نسيمها اليوم بالزمن الجميل... إن نشر المكتبات العامة لن يكون فقط عاملاً مهماً فى تحقيق التقدم فى مختلف المجالات ولكنه سيكون عاملاً مهماً فى نشر التنوير الذى يرتقى بالعقول ويرفض فكر التكفير والعنف والإرهاب.. فى حديث مع محافظ سابق لمحافظة من جنوب مصر... ذكر لى أن قرية من قرى هذه المحافظة كانت شبه مغلقة على أجهزة الدولة ولم يكن أحد يستطيع دخولها بسبب الفكر الظلامى الذى كان سائداً فيها... سألت هذا المحافظ هل كان الأمر سيختلف إذا وجدت مكتبة عامة بهذه القرية... فأجابنى أنه بالتأكيد كان الأمر سيختلف. من ناحية أخرى لم تعد القراءة والحصول على المعرفة مقصورة على الكتب بل أصبحت الوسائل الإلكترونية عاملاً أساسياً فى المعرفة، وفى مكتبة مصر العامة جاءت الجمعية الكويتية لمساعدة الطلبة وقدمت لنا مكتبة إلكترونية علمية تتيح عدد 223 ألف كتاب إلكترونى فى العلوم وخمسة آلاف دورية علمية إلكترونية وفقاً لآخر تحديث، وهى متاحة لكل منظومة مكتبات مصر العامة وبلا مقابل من المستفيدين منها. كما أننا الآن نقوم بتطوير مكتبة الزاوية الحمراء لتكون من بين محتوياتها مكتبة رقمية متاحة أيضاً لكل منظومة مكتبات مصر العامة. أما الذى جعلنى أتحدث عن مشروع لإنشاء ألف مكتبة فى مصر فهو لأننى أصبحت موقناً بأن مصر وقد تأخرت كثيراً فى هذا المجال عليها الآن أن تعوض ما فات وتواجه التحدى الكبير المتمثل فيما تواجهه من فكر متطرف. هذا الفكر يقع فى العقل والوجدان.. ولا سبيل إلى مقاومته إلا من خلال مخاطبة العقل والوجدان.. لو أردنا أن نصل إلى مستوى دولة مثل الهند التى طالما قارنا أنفسنا بها فإننا ستحتاج ليس إلى ألف مكتبة بل إلى أكثر من ثلاثة آلاف مكتبة عامة.. لقد بدأنا مشروع مكتبة مصر العامة ليكون مجرد مكتبة واحدة ولكنه تطور عبر سنين قلائل إلى مشروع يمتد إلى كل ربوع مصر ولكن علينا أن نصل إلى كل الأحياء والقرى والنجوع. وأؤكد لك يا أستاذ فتحى أنه لو توافرت الإرادة فسيمكن توفير الإمكانات.. لأن الإمكانات تأتى بقدر توافر الإرادة.. وإيمانى بذلك ليس رومانسياً لكنه ينبع من الضرورة التى أراها أمامى عندما أسير فى الشارع وأرى الشباب لا يكاد يجد ملاذاً يمارس فيه هواية تنمى قدراته الذهنية أو ساحة رياضية تحفظ له بدنه.. إن معركتنا من أجل المستقبل هى معركة فكرية بالأساس.. إننا نحيى جنودنا البواسل فى القوات المسلحة والشرطة ويقدر الوطن كل تضحياتهم الغالية، وأرى أن المعركة لتتكامل فإن جانب الفكر جانب أساسى لمواجهة التحدي». انتهى تعقيب السفيرعبد الرؤوف الريدى الذى أتفق معه تماما فى كل ماجاء به خاصة مايتعلق بالتركيز على الحركة التنويرية فى كل ربوع مصر، والتى مفتاحها هو منظومة التعليم والثقافة والفن، وأن مصر ليست بحاجة إلى ألف مكتبة بل إلى أكثر من ثلاثة آلاف مكتبة عامة، وأنه لو توافرت الإرادة فسيمكن توفير الإمكانات. وأنتهز هذه الفرصة لدعوة المحافظين بمختلف أنحاء الجمهورية إلى سرعة التعاون مع منظومة مكتبات مصر العامة، من أجل نشر هذا المشروع الفكرى المهم فى كل المحافظات، فى ظل معركتنا المصيرية ضد التطرف والإرهاب، خاصة مع القصور الكبير فى عمل وزارة الثقافة بأجهزتها المختلفة. كما أدعو الزملاء فى وسائل الإعلام المختلفة لتسليط الضوء على هذه الأنشطة المهمة، والتى لاتلقى الاهتمام الإعلامى الكافى رغم الدور التنويرى الكبير الذى تقوم به فى مواجهة الأفكار المتطرفة، ولنتعاون جميعا انطلاقا من أن معركتنا من أجل المستقبل هى معركة فكرية بالأساس. إن مايتحدث عنه السفيرعبد الرؤوف الريدى هو مشروع نهضوى مهم يمكن أن يمثل الوجه الثقافى والفكرى للمشروعات القومية العملاقة التى تقوم بها الدولة الآن فى مجالات البنية التحتية والتعمير والاستصلاح والتنمية، لأن كل ذلك يمثل المشروع القومى لمصر الآن، والذى يجب أن تواكبه وتكون جزءا منه حركة فكرية وثقافية كبيرة. كلمات: علمتنى التجارب أن جزءا كبيرا من سعادتنا أو من بؤسنا يعتمد على خياراتنا وليس على ظروفنا. مارثا واشنطن أول سيدة أولى لأمريكا لمزيد من مقالات فتحى محمود;