أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى خطاب تنصيبه فى 20 يناير إن أولى أهداف سياسته الخارجية هى القضاء على ما أسماه "إرهاب الإسلام الراديكالى". ويأتى هذا الإعلان إمتدادا لمواقف حملته الإنتخابية والتى توعد خلالها بالقضاء على الجماعات الإرهابية، وفى مقدمتها تنظيم الدولة الإسلامية الذى إتخذ من أراضى سورياوالعراق معقلا له وإمتد نفوذه بدرجات متفاوتة وتكررت إعتداءاته الإرهابية فى دول عربية أخرى وبلدان شرق أوسطية وأوروبية. وتتناغم مواقف ترامب مع كبار أعضاء إدارته، وعلى رأسهم مايكل فلين مستشار الأمن القومى وستيف بانون مستشار الإستراتيجية بالبيت الأبيض. وهما يعتقدان إن "التطرف الإسلامى" يمثل تهديدا وجوديا للغرب، بينما يرى وزير الدفاع جيمس ماتيس إن الولاياتالمتحدة يجب أن تحارب تيار الإسلام السياسى. ويميل ماتيس وفلين إلى تصعيد إستخدام القوة العسكرية واللجوء للأساليب الهجومية. أما وزير الخارجية ريكس تيلرسون، فقد أعلن أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى فى 11 يناير إن أولوية الإدارة الأمريكية فى الشرق الأوسط هى هزيمة داعش وإن "الإسلام المتشدد" يشكل خطرا شديدا على إستقرار الدول. ويتضح من ذلك أن إدارة ترامب تميل لربط الإرهاب بالإسلام بصورة علنية، خلافا لموقف إدارة باراك أوباما، التى شنت حربا محدودة على الإرهاب، بل وإدارة جورج بوش الإبن التى أعلنت "حربا عالمية على الإرهاب" فى أعقاب إعتداءات 11 سبتمبر 2001. فقد سعيتا الإدارتان السابقتان لتفادى ذلك الربط العلنى خوفا من إثارة مشاعر المسلمين. ولذلك جانب الرئيس الأمريكى الصواب عندما قرر فى 27 يناير منع مواطنى سبع دول إسلامية من الدخول إلى الولاياتالمتحدة وتعليق برنامج إستقبال اللاجئين السوريين. وقد نددت العديد من الدول والشخصيات بهذا القرار، ومنهم ساسة من الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه ترامب ودبلوماسيين أمريكيين، لأنه يصب فى مصلحة داعش التى بنت دعايتها على أن الغرب، وخاصة الولاياتالمتحدة، يشن حربا على الإسلام والمسلمين. ومن شأن القرار الأمريكى أن يؤكد تلك الدعاية ويشجع على الإنضمام إلى صفوف التنظيم المتطرف. وقد طلبت السفارة الأمريكية فى العراق، الذى شمل القرار مواطنيه، من الأدارة الجديدة الرجوع عن القرار واصفة إياه بأنه خاطىء أخلاقيا وإستراتيجيا. والواقع أن القرار يعقد بالفعل جهود واشنطن لقتال داعش فى أحد معاقله، وهو العراق. فكيف يمكن لها أن تتوقع كامل تعاون الحكومة والجيش والميلشيات المتحالفة معهما فى الوقت الذى تنزل فيه العقاب بكل المواطنين العراقيين باعتبارهم إرهابيين محتملين؟ ويكفى الإطلاع على ردود فعل الساسة العراقيين لإدراك حجم المشكلة. يضاف إلى ذلك الصعوبات المتوقع ظهورها مع إيران، التى يشمل القرار مواطنيها كذلك، وهى حاضرة بقوة فى القتال ضد داعش فى العراقوسوريا. ومن المتوقع أن تتبع إدارة ترامب سياسة أكثر شدة وعنفا لمواجهة داعش تعتمد بشكل أساسى على إستخدام القوة العسكرية والتعاون الأمنى مع الدول العربية والشرق أوسطية المعنية بمحاربة الإرهاب، ومن بينها مصر. ويوجد حاليا خمسة ألأف جندى أمريكى فى العراق وخمسمائة من القوات الخاصة والخبراء العسكريين فى سوريا يشاركون جميعا، فى الصفوف الخلفية، فى محاربة داعش. ومن المتوقع أن تزيد واشنطن عددهم فى الفترة القادمة وأن ترسل أسلحة إضافية خاصة المدفعية وطائرات الهليكوبتر والمقاتلات وأن تزيد من ضرباتها الجوية ضد داعش. كما ستسعى واشنطن إلى إضعاف قدرة التنظيم على التعبئة، من خلال إختراق وتخريب قنواته للإتصال عبر الإنترنت. وهى ستعتمد فى ذلك على توسيع التنسيق الأمنى المشترك مع القوى الإقليمية والعالمية. إلا أن قرارها بمنع دخول مواطنى سبع دول إسلامية يعمل فى الإتجاه العكسى، أى تشجيع الإنخراط فى صفوف داعش. ومن ناحية أخرى، أعلنت الإدارة الأمريكية إستعدادها للتعاون مع روسيا - التى تحتفظ بقوات عسكرية فى سوريا - لقتال داعش. وهو موقف جديد يختلف تماما عن سياسة الإدارة السابقة التى طالما رفضت التعاون مع موسكو أو التنسيق معها بشأن الحرب على الإرهاب. ويرجع ذلك إلى التنافس التقليدى بين الدولتين على النفوذ العالمى والذى زاد من حدته الأزمة فى أوكرانيا منذ 2014. لكن ترامب على إستعداد لتغيير هذا الموقف وتنحية الخلافات مع موسكو جانبا لإقتناعه بوجود مصلحة مشتركة فى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية والحركات الإرهابية عموما. فهو يرى إن داعش تمثل الخطر الأكبر على أمن بلاده ويتطلب ذلك من وجهة نظره تنحية الخلافات الأقل أهمية، ومن بينها أزمة أوكرانيا بل والتدخل العسكرى الروسى فى سوريا لصالح الرئيس بشار الأسد. وخلافا لموقف الإدارة السابقة التى ناصبت الرئيس السورى العداء مطالبة برحيله، لا يهتم ترامب بمصير نظام دمشق، بل يرى أنه يؤدى دورا هاما فى قتال داعش وجماعات الإسلام المتطرف. وإذا كان قتال داعش فى سورياوالعراق يحتل الأولوية القصوى لواشنطن فى الوقت الراهن، فإن هناك إتجاها داخل الإدارة الأمريكية للتشدد مع التنظيمات الإسلامية عموما. وقد أوضح تيلرسون فى شهادته أمام مجلس الشيوخ إن هزيمة الدولة الإسلامية ستمكن واشنطن فى مرحلة تالية من التركيز على إضعاف قدرات جماعات أخرى تنتمى لتيار "الإسلام المتشدد" كالقاعدة والإخوان المسلمين. وهناك إتجاه قوى فى واشنطن لتأييد إعلان الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وهو ما سيعنى حظر أنشتطها داخل الولاياتالمتحدة وفرض عقوبات عليها. وقد أعلن وليد فارس مستشار ترامب للسياسة الخارجية فى 13 نوفمبر إن الرئيس يؤيد إتخاذ تلك الخطوة. وقد تقدم بالفعل عضوا مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهورى تيد كروز وماريو دياز بالارت فى 10 يناير بمشروع قانون يدعو وزارة الخارجية لإعلان الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية أجنبية" بسبب "دعمها للتنظيمات الإرهابية المسئولة عن إنتشار العنف فى العالم". وبالإضافة للقوة العسكرية وأجهزة المخابرات، ستعمد الإدارة الجديدة لإعادة هيكلة وزارة الخارجية لإستخدامها كأداة فى حربها على التنظيمات الإرهابية وجماعات الإسلام المتشدد. ويرى المسئولون الأمريكيون الجدد إن وزارة الخارجية لا تستخدم بالدرجة الكافية فى مكافحة الإرهاب، وبالتالى سيدفعون بإتجاه تدعيم "مكتب المخابرات والأبحاث" بالوزارة. وسيكون الدور الأساسى الموكل لوزارة الخارجية فى هذا المجال هو السعى لوقف إنتشار عقيدة الإرهاب وإضعاف الجماعات المتطرفة. وسيرتبط بذلك خفض الإهتمام بما تطلق عليه الوزارة نشر مبادىء العالم الحر الليبرالية، وعلى رأسها دعم الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان وتقوية المجتمع المدنى وحماية حقوق الأقليات والمرأة... إلخ. ويعد ذلك ترجمة واقعية لشعار الحملة الإنتخابية لدونالد ترامب وهو "أمريكا أولا"، والذى يعنى عمليا تقليل الإنفاق على قضايا خارجية ليست لها عائد مادى مباشر على الولاياتالمتحدة. ولكن من غير المتوقع أن تتم عملية إعادة هيكلة وزارة الخارجية بسهولة، إذ أنها ستواجه مقاومة ليس فقط من الإدارات التى ستتعرض لخفض ميزانياتها وإنما كذلك من وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية وغيرها من أجهزة جمع المعلومات التى لا ترغب فى منافسة وزارة الخارجية لها. لمزيد من مقالات د. هشام مراد;