مواطنو سيناء: الرئيس حول أحلامنا إلى واقع على أرض الفيروز    اتصالات النواب: تشكيل لجان مع المحليات لتحسين كفاءة الخدمات    من مليار ل تريليون.. تنمية سيناء في قلب وعقل خطط الدولة    وزير الطيران المدني يبحث مع وزير النقل والاتصالات بدولة ليتوانيا أوجه التعاون المشترك في مجال النقل الجوي    «سياحة النواب» تصدر روشتة علاجية للقضاء على سماسرة الحج والعمرة    محافظ الغربية يفاجئ منافذ مركز طنطا لمتابعة تطبيق مبادرة تخفيض أسعار السلع    445 فيتو في تاريخ مجلس الأمن.. القصة الكاملة لاستخدامهم    الأهلي يتوج ببطولة إفريقيا للطائرة.. ويتأهل لمونديال للأندية    أستون فيلا يعلن تمديد عقد مدربه أوناي إيمري    مدرب جيرونا يقترب من قيادة «عملاق إنجلترا»    "ذا صن" تكشف موعد رحيل محمد صلاح عن ليفربول    السجن عامين ل 3 سائقين وعامل بتهمة شروعهم في قتل شخص وشقيقه    متحدث نقابة الموسيقيين يكشف السبب الحقيقي وراء إلغاء حفل كاني ويست في مصر    نهال عنبر ترد على الشائعات: «أدواري محترمة ولا تخدش الحياء»    سمية الخشاب تستعرض رشاقة قوامها بالملابس الرياضية    محمد إمام يستقبل ابنه «عمر» الزعيم الصغير| صور    أمين الفتوى: "اللى يزوغ من الشغل" لا بركة فى ماله    دعوة أربعين غريبًا مستجابة.. تعرف على حقيقة المقولة المنتشرة بين الناس    جامعة المنوفية توقع بروتوكول تعاون مع الهيئة القومية للاعتماد والرقابة الصحية    جامعة المنصورة تطلق قافلة طبية متكاملة إلى قرية الحوتة بالمنزلة    عادات خاطئة في الموجة الحارة.. احذرها لتجنب مخاطرها    وداعًا حر الصيف..طريقة عمل آيس كريم البرتقال سهل وسريع بأبسط المقادير    الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضيه    شاب يقتل والده بسبب إدمانه للمخدرات.. وقرار من النيابة    خصومات متنوعة على إصدارات «هيئة الكتاب»    دياب يكشف عن شخصيته بفيلم السرب»    مقتل وإصابة 8 مواطنين في غارة إسرائيلية على منزل ببلدة حانين جنوب لبنان    صدمة في ليفربول| غياب نجم الفريق لمدة شهرين    «قضايا الدولة» تشارك في مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالعاصمة الإدارية    «بروميتيون تاير إيجيبت» راعٍ جديد للنادي الأهلي لمدة ثلاث سنوات    يد – الزمالك يفوز على الأبيار الجزائري ويتأهل لنصف نهائي كأس الكؤوس    أبو عبيدة: الرد الإيراني على إسرائيل وضع قواعد جديدة ورسخ معادلات مهمة    إنفوجراف.. مراحل استرداد سيناء    «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا بمنطقة المهندسين في الجيزة    بائع خضار يقتل زميله بسبب الخلاف على مكان البيع في سوق شبين القناطر    القومي للكبد: الفيروسات المعوية متحورة وتصيب أكثر من مليار نسمة عالميا سنويا (فيديو)    تحت تهديد السلاح.. استمرار حبس عاطلين لاستدراج شخص وسرقة سيارته في أكتوبر    اللعبة الاخيرة.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع في أكتوبر    عضو ب«التحالف الوطني»: 167 قاطرة محملة بأكثر 2985 طن مساعدات لدعم الفلسطينيين    مجلس الوزراء: الأحد والإثنين 5 و6 مايو إجازة رسمية بمناسبة عيدي العمال وشم النسيم    11 معلومة مهمة من التعليم للطلاب بشأن اختبار "TOFAS".. اعرف التفاصيل    السياحة: زيادة أعداد السائحين الصينيين في 2023 بنسبة 254% مقارنة ب2022    غدا.. اجتماع مشترك بين نقابة الصحفيين والمهن التمثيلية    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال التطوير بإدارات الديوان العام    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    محافظ قنا يستقبل 14 مواطنا من ذوي الهمم لتسليمهم أطراف صناعية    منها الطماطم والفلفل.. تأثير درجات الحرارة على ارتفاع أسعار الخضروات    عربية النواب: اكتشاف مقابر جماعية بغزة وصمة عار على جبين المجتمع الدولى    افتتاح الملتقى العلمي الثاني حول العلوم التطبيقية الحديثة ودورها في التنمية    رسميا .. 4 أيام إجازة للموظفين| تعرف عليها    تنبيه عاجل من المدارس المصرية اليابانية لأولياء الأمور قبل التقديم بالعام الجديد    بدأ جولته بلقاء محافظ شمال سيناء.. وزير الرياضة: الدولة مهتمة بالاستثمار في الشباب    سلاح الجو الإسرائيلي يعلن مهاجمة وتدمير نحو 25 هدفا في قطاع غزة    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    اتحاد عمال مصر ونظيره التركي يوقعان اتفاقية لدعم العمل النقابي المشترك    "بأقل التكاليف"...أفضل الاماكن للخروج في شم النسيم 2024    دعاء في جوف الليل: اللهم اجمع على الهدى أمرنا وألّف بين قلوبنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الركود التضخمي.. الأزمة والحل
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 02 - 2017

* الأسباب: جموح الأسعار والديون والبطالة.. تضارب السياسات وتغول الفساد وتفاوت الدخول وضعف الأداء
* العلاج: زيادة التشغيل والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والإصلاح المالي والإداري والضرائب التصاعدية وتنشيط النمو وكبح الفساد

يعاني الاقتصاد المصري حاليا من أزمة عميقة وجامحة تتجسد في حالة الركود المتمثل في هبوط معدل النمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي إلي3.4% في2016 بعد أن كان4.4% في2015( وإن كان معدل الزيادة السكانية يجعل صافي النمو1% فقط),
وارتفاع معدل البطالة إلي12.6% في2015( وإن كان الرقم الحقيقي يتجاوز هذا بكثير), وتراجع الاستثمار المباشر, وانخفاض إيرادات السياحة, وتزايد عجز الميزان التجاري, وعجز الموازنة, والارتفاع الخطير في الدين العام الداخلي والخارجي مصحوبا بارتفاع غير مسبوق في العبء السنوي لخدمته, وتزايد الطاقات العاطلة في مختلف القطاعات الإنتاجية; ويصاحب هذا كله ارتفاع متسارع وجنوني في الأسعار حتي بلغ معدل التضخم أخيرا مايزيد علي24%, ويقابله انخفاض متسارع في القوة الشرائية للدخول النقدية الثابتة التي يحصل عليها العاملون بأجر وأصحاب المعاشات وغيرهم. عمق الأزمة وتعقدها يكمن في اجتماع وتضافر الركود مع التصاعد الجامح للأسعار, مما يجعل الحلول والمواجهة لهذه الأزمة المركبة أصعب, لأن السياسات التقليدية أو المعتادة لمواجهة الركود تتضارب وتتعارض مع تلك التي تتعامل مع التضخم لتحجيمه والسيطرة عليه.


يرجع الاقتصاديون أسباب ظاهرة الركود التضخمي وفق الأحداث التي تعرضت لها إقتصادات الدول المتقدمة إلي عاملين رئيسيين:(1) انخفاض في القدرات الإنتاجية, بفعل ظروف أو أحداث غير اعتيادية تؤثر في عوامل الإنتاج إما لأوضاع ندرة في الموارد الطبيعية, أو في موارد رأس المال.(2) خلل وتضارب في السياسات الاقتصادية الكلية, مثل التوسع الكبير في عرض النقود( طبع بنكنوت لسد عجز الموازنة, أو توسع غير محسوب في الإقراض من قبل الجهاز المصرفي), وفي نفس الوقت تقييد وتدخل مفرط في الأسواق يؤدي إلي تراجع النمو. وفي بعض الحالات يكون تدخل البنك المركزي في محاولته تنشيط القطاعات الاقتصادية في حالة الركود من خلال سياسات نقدية غير مدروسة إلي ارتفاعات متسارعة في الأسعار وتضخم جامح غير قابل للسيطرة.
منظور مقترح لتشخيص الأزمة
يمثل الاقتصاد المصري في أوضاعه وظروفه الراهنة حالة بالغة الدلالة والتمثيل للعوامل التي تولد ظاهرة الركود التضخمي, وهو يتشابه في الكثير من هذه الأوضاع والظروف مع الاقتصادات النامية. ويمكن إبراز العوامل المسببة لهذه الظاهرة إضافة لما ذكر في الأدبيات الاقتصادية العالمية في الآتي:
.1 يمثل تزايد الأنشطة الريعية, أي الأنشطة والدخول التي لا ينتج عنها قيمة مضافة ولا زيادة في الإنتاج, أحد أهم عوامل الأزمة, وهي تمثل قوة دفع لزيادة أسعار منتجات القطاعات الحقيقية( الزراعة الصناعة الخدمات المنتجة). ولأن زيادة الدخول والثروات الريعية تتم بمعدلات أسرع من زيادة الناتج في القطاعات العينية, فهي تتم علي حساب الأخيرة واقتطاعا من حصتها وعوائدها, وبالتالي تمثل عامل ضغط علي الأسعار. ومع استمرار هذا النهج, تصبح الأنشطة الريعية وعلي رأسها المضاربة أكثر جاذبية, فأنشطة المضاربات والوساطة والسمسرة والأعمال الطفيلية وأنشطة الفساد والأنشطة المخالفة للقانون والتجارية غير المشروعة, تزاحم أنشطة الإنتاج الحقيقي في غيبة سياسات لتشجيع وتحفيز ودعم القطاعات الحقيقية وعدم وجود آليات ضابطة للأنشطة الريعية ورادعة للشق غير المشروع فيها. وبعض هذه الأنشطة قد يمثل تبديدا لموارد طبيعية, مما يفاقم دور هذه الموارد في الوفاء باحتياجات المجتمع. ويؤدي توسع الأنشطة الريعية إلي زيادة الأسعار وتقليص قاعدة الإنتاج الحقيقي, أي إلي التضخم المصحوب بتراجع نمو الإنتاج الحقيقي ثم إلي الركود, والنتيجة الحتمية ركود تضخمي.
.2 تغول الفساد وتضخم عوائده. تمثل عوائد الفساد المتزايدة قوة شرائية وثروات لا يقابلها قيمة مضافة( بل هي سحب من القيمة المضافة), وبالتالي فهي تدفع الأسعار إلي الارتفاع, وفي نفس الوقت تمثل أعباء وتكلفة إضافية علي القطاعات المنتجة وعلي الاستثمار, بما يؤدي إلي تراجع النمو, وفي النهاية إلي الركود.
التفاوت الكبير
.3 يسهم التفاوت الكبير في توزيع الدخل والثروة وعوائد التنمية والخلل في ميزان التجارة الخارجية والقطاعات الإنتاجية في إبطاء النمو, حيث تتركز القوة الشرائية الأعظم لدي شريحة محدودة, مما يؤدي إلي فائض في الإنتاج, فتنخفض الأسعار كآلية لتصريف هذا الفائض مؤقتا, ويعقب هذا مراحل من تقليص الإنتاج تفاديا للفائض, ويتم تسريح أجزاء من العمالة, فتزيد البطالة بما يؤدي إلي ركود اقتصادي ينتهي إلي الكساد. وفي نفس الوقت الذي يتجه الاقتصاد إلي الكساد, يعتمد جزء جوهري من التجارة الخارجية علي الاستيراد لتلبية احتياجات الطبقة التي تمتلك القوة الشرائية الأعظم, كما تحتاج الطاقات الإنتاجية التي يتم تشغيلها في مختلف القطاعات علي مستلزمات ومكونات إنتاج يتم استيرادها بما يشكل عبئا علي الميزان التجاري حيث لا يصاحبها زيادة في التصدير لضعف تنافسية الإنتاج نتاجا لزيادة تكلفته. وتتوجه أغلب الأنشطة الإنتاجية لخدمة الطبقات التي تملك القوة الشرائية. الحصيلة النهائية لهذه العوامل مجتمعة هي تضخم في الأسعار, مع زيادة في قاعدة الفقر, وارتفاع في معدلات البطالة, وانخفاض في مستويات ومعدلات التشغيل.
.4هناك عوامل أخري تختص بها مصر وكثير من الاقتصادات النامية تتعلق بحدود فاعلية السياسات النقدية, وأدوات التدخل التي يملكها البنك المركزي ودور الجهاز المصرفي في المعاملات الاقتصادية بصفة عامة. فاتساع قاعدة الفقر, وقصور التعاملات المصرفية( محدودية استخدام الشيكات وبطاقات الائتمان), فضلا عن الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة نتاجا لمعدلات التضخم المزمن, يجعل فاعلية السياسات النقدية( خاصة مع أخطائها وتضاربها) محدودة الفاعلية, بل إنها كثيرا ما تؤدي إلي تفاقم مشكلة التضخم, وزيادة الركود. فالجزء الأكبر من التعاملات الاقتصادية يتم خارج القطاع المصرفي. وهناك أنشطة مولدة للدخول والثروات تتم خارج الاقتصاد الرسمي, منها أنشطة غير مشروعة. بل إن أخطاء السياسات النقدية, مثل التخفيض أو التعويم المفاجئ للعملة الوطنية دون توفير المقومات المسبقة لهذا, يؤدي مع الرفع الكبير لأسعار الفائدة, إلي تثبيط الاستثمار وتوسعات الإنتاج, حيث تصبح الإيداعات المصرفية أكثر جاذبية من الاستثمار المباشر أو توسعات الإنتاج. وينتهي الأمر نتاجا لهذه الأخطاء إلي تفاقم التضخم وزيادة الكساد معا.
.5 تلعب الإختلالات الهيكلية في الاقتصاد دورا مهما في تغذية ظاهرة الركود التضخمي وتفاقمها. فتقلص أنصبة القطاعات الحقيقية, وسيطرة الاحتكارات علي أغلب القطاعات بل وقدرتها علي التأثير في السياسات الاقتصادية لصالحها مع ضعف السياسات المحفزة للتنافسية, يؤدي إلي تفاقم مشكلة الركود التضخمي. وتمثل حالة ضياع نسبة جوهرية من الأراضي الزراعية نتيجة تبويرها والبناء عليها( المخالف للقانون) في كل المناطق الزراعية في مصر, أحد أخطر وأبرز الأمثلة في تقليص الموارد الزراعية والإنتاج الزراعي. هذا ناهيك عن تبديد طاقات وعوامل الإنتاج في أنشطة غير منتجة, واقتران هذا بتوسيع قاعدة البطالة خاصة بين المتعلمين.
انحياز السياسات العامة
.6 يمثل إنحياز السياسات الاقتصادية للمشروعات الكبري( نتاجا لنفوذها في التأثير علي السياسات العامة) وضعف الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة أحد عوامل أزمة ضعف النمو واستمرار الركود. وتمثل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومبادرات ريادة الأعمال التي تقوم علي ابتكارات أحد أهم العوامل التي أسهمت في نهضة الدول الصناعية المتقدمة. وتمثل هذه المشروعات المصدر الرئيسي لزيادة التشغيل والعمالة في كل إقتصادات العالم, لأن نجاحها يحمل في طياته نموا سريعا أكبر بكثير من نمو وتوسع المشروعات الكبيرة. وتمثل ريادات الأعمال التي تقوم علي الابتكارات التكنولوجية أحد أهم روافع النمو والتنافسية.
.7 تمثل الطاقات الإنتاجية المعطلة وانهيار الأسواق بسبب الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها بعض الاقتصادات( مثل دول الربيع العربي) فضلا عن أعمال الإرهاب أحد أهم عوامل الركود التضخمي في هذه الدول.
.8 لا بد من الإشارة هنا إلي الدور الذي يسهم به القطاع المالي والإداري للدولة في مشكلة الركود التضخمي. فلا شك أن تضخم واستمرار عجز الموازنة العامة وعدم فاعلية الإنفاق الحكومي, والتوسع الشديد في الاقتراض لتمويل مشروعات ذات كلفة عالية ولا تؤتي عائدا أو توسع ملموسا في التشغيل في المدي القصير أو المنظور يمثل عاملا جوهريا في التعجيل بالركود التضخمي. كما أن اختلال وتضخم وترهل القطاع الحكومي, وضعف كفاءته وفاعليته في تقديم الخدمات العامة الأساسية يمثل هدرا لطاقات المجتمع.
السياسات الصحيحة للخروج من الأزمة
يمكن تلخيص سياسات العلاج التي تمثل منظومة للإصلاح الشامل في الآتي: أولا: يتطلب الأمر أن توفر السياسات الاقتصادية آلية حماية وأمان من التقلبات التي تصيب أسعار عوامل الإنتاج أو سلعا إستراتيجية أساسية, خاصة تلك العوامل والمنتجات التي يعتمد عليها الاقتصاد إعتمادا كبيرا, وذلك إما من خلال عقود تحوط أو من خلال توفير إحتياطي أمان( مخزون) أو من خلال التعامل مع مصادر توريد أكثر استقرارا أو من خلال بدائل من الإنتاج المحلي وذلك بتشجيع وتحفيز الاستثمار والإنتاج في هذه المجالات.
ثانيا: أهمية أن تكون السياسات الاقتصادية الكلية مدروسة ومتضافرة ومتكاملة, بمعني ضبط عرض النقود والإحجام عن طبع بنكنوت لسد عجز الموازنة وضبط وتحجيم هذا العجز أصلا, وتوافق السياسات المالية مع السياسات النقدية لتحفيز النمو وتشجيع قطاعات الإنتاج الحقيقي, وكذلك للسيطرة علي التضخم وتخفيضه من خلال زيادة قاعدة الإنتاج وتحسين إنتاجية عوامل الإنتاج وتحسين التنافسية الاقتصادية في قطاعات مستهدفة. يقترن بهذا أن تتوجه السياسات الاقتصادية لتحسين الميزان التجاري وتحقيق فائض متزايد كناتج من زيادة الصادرات. ولا يتحقق هذا بالطبع دون تحسين إنتاجية عوامل الإنتاج وتحسين تنافسيتة( تكلفة وجودة) وتوجهه نحو الوفاء بالطلب المحلي وكذلك زيادة معدلات التصدير. ومثل هذه السياسات والنتائج المتحققة منها هي الأدوات الأكثر فاعلية في السيطرة علي التضخم وتحسين التشغيل وكذلك تحقيق فوائض في الميزان التجاري وبالتالي تحسين قيمة العملة.
ثالثا: أن تتوجه سياسات الإستثمار والإنتاج إلي التوسيع المستمر لقاعدة الإنتاج العيني والخدمات التي تضيف قيمة( مثل السياحة, والإنتاج الفكري والمهني والبحثي الذي يخدم عوامل وقطاعات الإنتاج, وأنشطة التجارة التي تقع علي سلسلة القيمة, والتعليم والصحة اللذين يسهما في تحسين قدرات وفاعلية الموارد البشرية). وينبغي أن تستهدف هذه السياسات تقليص الأنشطة الريعية وعلي رأسها المضاربات والأنشطة غير المشروعة( مثل الإتجار في الممنوعات والفساد والتهريب).
رابعا: تبني سياسات متكاملة وفعالة للتصدي للفساد بكل أنماطه وكل مستوياته, وذلك من خلال إصلاحات تشريعية ومؤسسية تمثل آليات وقاية ومنع, ومن خلال سياسات وآليات حاسمة وقوية للردع والعقاب, عنصرا هاما في إيقاف الهدر في الموارد المجتمعية التي تخرب وتشوه السياسات الاقتصادية والتنموية. وسيسهم النجاح في سياسات التصدي للفساد في تحسين بيئة الاستثمار ومناخ الأعمال.
خامسا: لا سبيل لتوسيع قاعدة الطلب الكلي الفعال, وزيادة القوة الشرائية لدي القطاعات الواسعة من كل شرئح وطبقات المصريين, إلا من خلال تحقيق العدالة في توزيع ثمار وعوائد النمو ومن خلال تلبية إحتياجات الإستهلاك للطبقات المختلفة من خلال الإنتاج المحلي. فالسياسات التي تجعل توزيع عوائد الإنتاج تتم بعدالة خاصة ما يتعلق بنصيب عنصر العمل, والتي تعطي إهتماما بتحسين قدرات الطبقات الفقيرة علي الإنتاج وتوفر لها فرصة الحراك إلي أعلي من خلال التعليم والصحة والمرافق وعلي توليد الدخل الذي يسهم في تحسين مستوي معيشتها باستمرار. ويقترن بهذا أن تتوجه السياسات المالية لتوزيع أنصبة الأعباء( الضرائب والرسوم علي الخدمات), وأنصبة الخدمات( التعليم والصحة والمرافق) بعدالة, وأن تكون في نفس الوقت محفزة علي الإستثمار المنتج والتنافسية. هذه المقومات تتطلب إعادة نظر شاملة وجذرية في السياسات التنموية والمالية لتكون محققة لتحقيق العدالة من ناحية وتحفيز إنتاجية القطاعات الاقتصادية من ناحية ثانية.
سادسا: ينبغي لتحقيق فاعلية السياسات النقدية أن تكون متوافقة ومتضافرة مع السياسات المالية, أن تسعي لتوسيع قاعدة التعامل المصرفي. ويمثل الإدارة الكفؤه لأدوات سعر الفائدة والرقابة علي الإئتمان وعلي الإصدار النقدي والسيولة المتداولة في الأسواق, وكذلك الرقابة الفعالة علي العوامل المحددة لسعر العملة, والدراسة المتعمقة والمسبقة للبدائل للإجراءات التي ستتخذ في هذه المجالات وتحليل عواقبها وآثارها والسيناريوهات البديلة لمسارات تنفيذها والتدرج في هذا التنفيذ, أساسيات ضرورية لتلافي الأخطاء التي تتسبب في جموح وإنفلات الآثار خارج نطاق السيطرة, مثلما حدث أخيرا في قرارات التعويم ورفع أسعار الفائدة في الحالة المصرية.
سابعا: سيكون مطلوبا من السياسات الاقتصادية أن تعالج الإختلالات الهيكلية في الاقتصاد, بتقليص المكون الريعي, وتحسين جاذبية الأنشطة الإنتاجية.
ثامنا: أحد عناصر التغيير الجوهري في السياسات الاقتصادية يتعلق بدعم وتمكين المشروعات المتوسطة والصغيرة, وكذلك المشروعات التي تقوم علي مبتكرات وإبداعات تكنولوجية. وينبغي أن يكون هذا التوجه متضمنا أدوات دعم وتحفيز( مثل هيكل الضرائب الذي يميز بين حجم ومرحلة النمو للمشروعات), وأن يكون غير محصور في مبادرة أو مشروع أو حتي وزارة متخصصة في المشروعات الصغيرة, بل ينبغي أن يمثل إستراتيجية كلية للسياسات الاقتصادية, وللبرامج الحكومية, وللإطار التشريعي والمؤسسي الذي تتعامل بواسطته ومن خلاله هذه النوعية من المشروعات. وينبغي أن يكون الهدف هنا هو زيادة فرص النجاح والنمو والتوسع والإسهام في تنافسية القطاعات الإنتاجية من خلال المبتكرات التي تحسن من إنتاجية عوامل الإنتاج, أو تخفض من التكلفة, أو تحسن من الجودة والمواصفات, أو تلبي حاجات جديدة أو تقوم بوظائف مستحدثة ومطلوبة. سيتطلب هذا هيكلية جديدة للقطاع المصرفي لإنشاء بنوك ومؤسسات مالية تخدم وتدعم هذه المشروعات, كما سيتطلب تنشيط بورصة المشروعات الصغيرة من خلال تيسيرات للقيد والتداول يقابلها رقابة تحد وتحجم ممارسات التلاعب في هذا المجال. ومن الضروري أن تتواجد سياسات وآليات مؤسسية لدعم واحتضان الإبتكارات وتحويلها إلي مشروعات إنتاجية ورعايتها, بما في ذلك إنشاء حدائق للتكنولوجيا تدعم تطوير وتنمية هذه الإبتكارات لتتحول إلي مشروعات إقتصادية وإنتاجية علي مشارف النمو والتوسع والإنطلاق.
تاسعا: ينبغي أن يكون تشغيل المصانع والطاقات الإنتاجية المعطلة والمشروعات المتوقفة بسبب الظروف التي مرت بها مصر منذ25 يناير, أحد مستهدفات السياسات الاقتصادية.
عاشرا: ضرورة الإصلاح المالي والإداري للحكومة وللآليات التي تدار بها السياسات, وفي ظروف الأزمة يصبح هذا ملحا ومطلوبا عن أي وقت آخر. ويتطلب الإصلاح المالي وضع قيود علي الاقتراض الحكومي بعدما وصل إلي حدود خطيرة, والتحول إلي نظام موازنة الأداء والبرامج, وإيلاء اهتمام بكفاءة وفاعلية الإنفاق علي الخدمات الأساسية إتساقا مع النصوص الدستورية ولتحسين مردود الإنفاق عليها( ويتطلب هذا إصلاحا جوهريا للتعليم والصحة والبحث العلمي والمرافق), والأخذ بنظام الضرائب التصاعدية علي الدخول وعلي الأرباح الرأسمالية ليس فقط البورصة وإنما أيضا كل تعاملات الأصول الرأسمالية( ومنها العقارية ومنشآت الأعمال) بعد أخذ نسبة التضخم في الحسبان, وإعادة هيكلة الضرائب الجمركية لتخدم الأولويات التنموية وتقليص عجز الميزان التجاري, هذا فضلا عن إعادة النظر في أولويات المشروعات الكبري لتأكيد عائدها الاقتصادي ومردودها التنموي في المدي القصير والمتوسط. أما الإصلاح الإداري فينبغي أن يركز علي ضبط وتحجيم تضخم الجهاز الحكومي, والتحول في نظم الإدارة والرقابة إلي الأهداف والنتائج, وتأكيد مسئولية الوزارات والهيئات والمحافظات عن إدخال تطوير في نظم عملها ورفع كفاءتها وفاعليتها مع منحها الصلاحيات المحققة لهذا من خلال اللامركزية وتبسيط الأطر القانونية واللائحية المقيدة لها. ويدخل ضمن هذه المسئوليات قيامها بمبادرات لتقوية الرقابة الداخلية وسد الثغرات التي ينفذ منها الفساد المستشري حاليا في ممارساتها. وسيعني هذا تغيير منهج عمل ومستهدفات أجهزة الرقابة بالتركيز علي الأداء والنتائج وعلي الوقاية والمنع بالنسبة للفساد بالتعاون مع الأجهزة التنفيذية. ومن الضروري أن يصاحب بل ويسبق هذه الإصلاحات جميعها إعادة نظر شاملة في المنهج التي تخطط وتصنع وتنسق وتنفذ وتتابع وتراقب به السياسات الاقتصادية; ليقودها كوادر عالية الكفاءة والمقدرة, ولتكون مدعومة بدراسات متعمقة, وليشارك في صنعها الأطراف الرئيسية المستهدفة والمتأثرة بها من داخل الحكومة ومن خارجها, وليتم تنسيقها من خلال هياكل مبسطة وفعالة, وليجري تنفيذها من خلال آليات مؤسسية قوية وفعالة, وليتم رصد ومتابعة نتائجها أولا بأول, وتقييم فعالية الإنجاز المتحقق منها من كل الجوانب لأخذ الدروس المستفادة في تصحيحها وتطويرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.