فى خلال ست سنوات، ومنذ أن قامت ثورة يناير 2011، تتابعت ثمانى وزارات على حكم مصر، وذلك بمعدل متوسط هو وزارة كل تسعة شهور، ونلاحظ أنه حتى فى خلال هذه الشهور التسعة تخرج علينا أنباء متلاحقة بتعديل أو تغيير وزارى بين كل وزارة وأخرى مما يربك حركة الحكومة خلال فتره التغيير، ثم يبدأ الأمل الجديد مع كل وزارة، ومعه تمنيات بأن ينصلح الحال ويتم التعامل بفاعلية مع المشاكل ذات الأولوية من وجهة نظر الجمهور وليس الحكومة، وكما قال اينشتين «إنه من الجنون أن تكرر نفس الأفعال مرة تلو الأخرى وتتوقع نتائج مختلفة». لذا نتمنى أن تراجع الوزارة بتشكيلها الجديد أسلوبها فى التخطيط والتنفيذ ومخاطبة الجماهير، فبينما توجهت الوزارات إلى أولوية التنمية والاستثمار والمشروعات الكبرى. وهى لا شك حلول جذرية وطويلة المدى، لم تتعامل الحكومات بنفس الحماس مع المشكلات الآنية أو الحادة بأساليب علمية أو فاعلة، وغلب على قراراتها العشوائية والتعجل والتردد، وقد يكون ذلك ناتجا من شعور خاطئ بأنها وزارات تسيير أعمال تعمل تحت ضغوط النقد أو الترصد أو الآمال العاجلة، كما ظهر جليا قصور كفاءة بعض الوزراء وتخبطهم فى القرارات، خاصة إذا صاحب ذلك عدم وضوح الرؤية وغياب الاستراتيجيات الوطنية طويلة المدى للقطاعات المختلفة، والتى لا تتغير بتغير الوزارات أو الوزراء، ووجود السلطات المنفردة للوزير التى تسمح بتغيير المشروعات الحالية، بل وكل القيادات فى الوزارة دون تبرير أو اعتماد من مجلس النواب لما هو الحال فى جميع الدول المتقدمة. أضف إلى ذلك أن مصر بها 35 وزارة وهو أكبر حجم لحكومة فى العالم - تقريبا- وغالبها تعمل كجزر منفصلة غير مترابطة، ولكى نكون عمليين وعلميين فى نفس الوقت، فعلى الحكومة الجديدة أن تثق بأنها حكومة مستقرة، مدتها تعادل دورة مجلس النواب الحالى على الأقل، وأن الرئيس قد حدد أولوياتها الواضحة فى مؤتمره الصحفى الأخير بأنها هى الصحة والتعليم بجانب الأمن، ولذلك يرجى أن تبدأ الحكومة بمراجعة أولوياتها ومواردها الحالية والمستقبلة، وتقوم بتحليل مشاكل البلاد الآنية الحادة بمشاركة نواب الشعب، ثم توزع هذه الموارد بين تمويل الحلول لهذه المشاكل وبين أهداف التنمية طويلة المدى طبقا لأولوية المشاكل وحجمها. أما ثانى الاستراتيجيات المقترحة فهو أن تتبع الدولة نظام التخطيط القطاعى وليس الوزاري، وأنسب وزارة يمكن أن تقود الحكومة فى ذلك هى وزارة التخطيط والتنمية الإدارية، حيث إن هذا هو دورها وتخصصها على أن تبدأ بوضع السياسات العامة طويلة المدى يعقبها الخطة الخمسية القادمة لعام 2018-2022. ولضرب مثل لذلك، كما ذكرت للسيد رئىس الوزراء فى لقاء تم فى نوفمبر الماضي، إننى خلال عملى مع دول شرق ووسط أوروبا بعد ثوراتها ضد الشيوعية، لاحظت انهيار قيمة عملاتها المحلية كثيرا، لكنها لم تدعمها وتفقد النقد الأجنبى الشحيح، ولم تسمح بتداولها بسعرين، لأن أكثر ما يخشاه المستثمرون هو عدم قدرتهم على تحويل أرباحهم للخارج. وكنت أتمنى أن يخرج قرار تعويم الجنيه الذى تأخر كثيرا، ضمن حزمه قرارات متكاملة، تمنع تماما الاتجار فى الدولار أو جمعه وتخزينه لغير المستوردين، مع ترشيد الواردات، عدا الضرورية ولو لوقت محدود حتى يستقر سعر الجنيه، ومنع التمويل النقدى للواردات، إلا عن طريق البنوك، وكذا منع تحويلات المصريين بالخارج إلا عن طريق البنوك والوكالات المعتمدة وربما أن بعض هذه الإجراءات قد تم اتباعا، لكن ذلك قد حدث فى تردد وتضارب بين الهيئات المختصة كل على حدة. أما مشاكل الجماهير الآنية والصارخة ذات الأولوية فهى ارتفاع الأسعار، وقصور خدمات التعليم والصحة وارتفاع الأسعار لن يجدى معه التحكم أو التفتيش أو التدخلات الحكومية مثل زيادة المنافذ الحكومية وغيرها. وقد واجهت الدول الشيوعية السابقة فشلا ذريعا فى ذلك وكان من أسباب انهيارها، أما الوسائل الناجحة التى تتبعها الدول المتقدمة فهى تقوية التنافس ومحاربة الاحتكار، وتشجيع دخول إلهيات والمنظمات غير الهادفة للربح والجمعيات التعاونية الأهلية لضرب الاحتكار والتربح الفاحش. وهذا الاتجاه يعم فى الولاياتالمتحدة ودوّل أوربا وآسيا،، بل وقد شاهدت نجاحه فى دوله الكويت مثلا، أما تخطيط قطاعى التعليم والصحة فيجب أن يتم من خارج الصندوق، فليس من المتوقع ان يقود الاصلاح هم من أوصلونا لهذا المستوى من المشاكل، سواء لعدم قدرتهم على الاصلاح، اوعدم رغبتهم فى ذلك لسبب تضارب المصالح وتفضيل بقاء الحال على ما هو عليه ما أمكن ذلك، والأمثل ان يتم التخطيط لقطاع التعليم ليتضمن وزارات التعليم الأساسى والفنى والعالى والبحث العلمى والقوى العامله والتضامن الاجتماعى والأزهر والقطاع الخاص التعليمى اما القطاع الصحى فيتضمن وزارات الصحة والسكان والتعليم العالى والتضامن الاجتماعى والبيئة والمياه والمرافق والقطاع الخاص الصحى على أن يدعم هذه العملية وزارات التخطيط والمالية والحكم المحلى (لأن الصحة والتعليم يحكمها وتديرها المحليات تماما فى الدول المتقدمة) وبحيث ينشأ لكل قطاع مجلس اعلى يحكمه ممثلو الشعب المنتخبون من مجلس النواب والمحافظات والنقابات ويدعمة علماء وخبراء مصر من غير ذوى المصالح الخاصة من الداخل والخارج، وبحيث تضع هذه المجالس السياسات والاستراتيجيات والخطط الحاكمة لهذه الوزارات والهيئات والقطاع الخاص. وفِى النهاية فإن إصلاح التعليم والصحة يوفر على الأسر المتوسطة والفقيرة أكثر من40% من دخلها ويمكن ان يتم خلال 7-10 سنوات وكأنه ارتفاع سريع لدخل هذه الأسر بنفس قيمه الإنفاق وفى فتره وجيزة. لمزيد من مقالات د. سمير بانوب