تمر الثورات بعدة مراحل حتي تستطيع هدم النظام الذي قامت من أجل الإطاحة به, وبناء نظام سياسي جديد, وعلي مدي16 شهرا منذ الإطاحة برأس النظام السابق في11 فبراير2011 وحتي انتخاب الرئيس محمد مرسي في24 يونيو2012 لم تنجح القوي السياسية والثورية في وضع أسس بناء نظام سياسي جديد لأسباب عديدة باتت معروفة, وأول هذه الأسس وضع دستور جديد لمرحلة جديدة في تاريخ البلاد, فالشرعية الدستورية والشرعية الثورية لاتلتقيان, كما أن مزاحمة الأولي للثانية بعد11 فبراير2011 والارتضاء بهذه الثنائية كلف البلاد كثيرا, وعلي أي حال فقد بات وضع الدستور الجديد أمرا حتميا. لقد قام النظام السابق الذي أسس له الرئيس الراحل أنور السادات عام1974 بعد انتصار أكتوبر1973, واستكمل بناءه الرئيس السابق حسني مبارك علي ثنائية أخري, هي ثنائية الاستقطاب في الداخل.. النظام وتيارات الاسلام السياسي وعلي رأسها جماعة الإخوان المسلمين... نظام فاسد حاكم وجماعات سياسية يطاردها وهي تطارد الفساد والتبعية. ووصل الحال, بعد16 شهرا من ثورة25 يناير, كما تجلي في الانتخابات الرئاسية, إلي وضع الشعب في حالة اختيار بين نفس الثنائية, وانتهت الانتخابات بثنائية معكوسة, فقد اختار الشعب أن يمنع إنتاج النظام الذي ثار من أجل إسقاطه, وخسر المرشح المدعوم من مجموعات المصالح التي ارتبطت به, واختار الشعب من أجل التغيير الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين المدعوم من قوي سياسية وثورية لرئاسة البلاد لتأسيس نظام سياسي جديد. وإذا كان مايتردد في بعض الأروقة حول وجود تصور لدي البعض أن هدم النظام القديم لايتحقق إلا بالإطاحة بهذه الثنائية, وأن نتيجة الانتخابات الرئاسية أطاحت بأول طرف فيها, وأنها منحت الفرصة لانهاك الطرف الثاني في استحقاقات الدولة داخليا واقليميا تخصم من رصيده هو حتي تتم الإطاحة به هو الآخر, فإن هذا التصور يعني لدي أصحابه أننا مازلنا في مرحلة المعطيات ولم نصل بعد إلي مرحلة النتائج الكاملة, وأننا أمام مرحلة ستنتهي لا قدر الله بإنهاك مصر والمصريين! في مثل هذه الأجواء, فإن هناك مهام كبيرة أمام الرئيس المنتخب تتعلق بتحقيق أهداف الثورة ومطالب الناس الذين ينتظرون قرارات رئيس منهم ومهام أخري مضافة علي جدول أعماله بحكم موقعه الحالي وخبراته في مواقعه السابقة ربما من أهمها العمل علي عدم إيجاد استقطابات وثنائيات مرة أخري, واندماج جماعة الإخوان المسلمين كقوة سياسية مثل باقي القوي السياسية المدنية في المجتمع ودحض الأفكار الشائعة حول سعيها لإقامة دولة دينية في بلد ثروته وقيمته ومكانته في التعددية, وتكريس قناعة الناس بفك الرباط المقدس بينه وبين الجماعة وحزب الحرية والعدالة ليكون رئيسا لكل المصريين. ومن ثم فإن التحرك في ملف التوافق الوطني( وليس المصالحة, فالمصالحة وصف غير دقيق فالبلد لم تكن في حالة حرب أهلية أو فصل عنصري) له أولوية, ويتصل بذلك عدم الاستسلام لفكرة أن من انتخبوا منافسه( برغم الاختلاف معهم) أشباح فالبلد بها مواطنون وليس أشباحا, بعضهم أصحاب مصالح مثل كل المجتمعات البشرية, والمطلوب هو إعلاء دولة القانون, أما مثل هذه الأفكار فهي تدفع مصر ورئيسها إلي الدخول في عداءات وصراعات, هو والبلد في غني عنها. أخطر تلك الصراعات التي يروج لها البعض هو الصدام مع القوات المسلحة, فالمصريون برغم أي تحفظات لدي البعض علي أداء المجلس الأعلي خلال المرحلة الانتقالية والحاجة إلي إجراء كل الأطراف مراجعة لمواقفها خلالها تربطهم بجيشهم علاقة تاريخية خاصة, جعلت له مكانة كبيرة في قلوبهم, فالتاريخ يقول: إن مصر ليست دولة لها جيش بل جيش صنع الدولة القوية المستقلة منذ العصر الفرعوني قبل أن تدخل في مرحلة احتلال واستعمار وحكم أجنبي لأكثر من ألفي عام حتي خرج الفلاح المصري الضابط أحمد عرابي عام1881 من ضغوط الجيش معبرا عن الهوية الوطنية, وقاد الضابط جمال عبد الناصر ثورة23 يوليو1952 ليؤسس النظام الجمهوري الذي أعاد حكم مصر للمصريين والذي أوصل الدكتور محمد مرسي لحكم مصر. فالبعض وسط الانشغال بمكان أداء الرئيس المنتخب اليمين القانونية والاحتفال بتنصيب الرئيس الجديد, يحاول جر البلد إلي صراع, والمدخل لإفساد العلاقة هو احتفال آخر يحل موعده بعد3 أسابيع هو الاحتفال بالذكري الستين لثورة23 يوليو1952 واليوم الوطني للبلاد. فمن المعروف أن لجماعة الإخوان المسلمين التي وصل مرشحها لرئاسة البلاد علي أرضية ثورة25 يناير, موقفا من ثورة1952 وقائدها عبد الناصر, في وقت بدأ البعض يحرض علي الجيش وعلي ثورة يوليو وضد استمرار يوم23 كعيد وطني للبلاد لوضع الثورتين في حالة تناقض, بما يشكل فرصة لضربهما معا, وذلك علي خلفية موقفه من أداء المجلس الأعلي خلال المرحلة الانتقالية أو تصفية للحسابات, وهو تحريض يدفع نحو الصدام والانقسام في البلاد وضرب التوافق, الذي تم بين الجماعة وحزب الحرية والعدالة وقوي سياسية وثورية, بعضها يسارية وناصرية دعمت الدكتور محمد مرسي وصوتت لمصلحة في الانتخابات الرئاسية وأسهمت في فوزه بمنصب الرئيس. ومن المدهش أن تدخل علي الخط شخصيات وقوي تنتمي إلي النظام السابق والحزب الوطني المنحل, وأمانة سياساته, تتصور أن التقاءها مع الجماعة في الموقف من ثورة يوليو جسر للمصالحة؟!! وهي شخصيات وقوي سرقت من الشعب مكتسباته من ثورة يوليو مثلما حاولت في الانتخابات الرئاسية إجهاض ثورة25 يناير.... ومن المثير هنا أن أعضاء في الجماعة كانوا اتهموا ثورة يوليو بأنها أمريكية الصنع, واتهم النظام السابق وحزبه المنحل ثورة يناير بانها صناعة أمريكية قطرية! إحباط هذه المحاولات إذن مهمة ينبغي أن تكون لها أولوية لدي الرئيس محمد مرسي بوصفه رئيس البلاد, وليكن الاحتفال يوم23 يوليو إحتفالا بالثورتين معا... ثورة قادها الجيش والتف حولها الشعب, وثورة شعبية إنحاز لها الجيش وجاء منها رئيس الجمهورية الجديد. هناك استحقاقات علي جدول أعمال الرئيس لبناء نظام سياسي جديد يحقق أهداف ثورة25 يناير, وهناك من يحاول زرع الألغام في طريقه ولايهمه إن تسبب انفجارها في تهديد أمن واستقرار البلاد.. وهناك من ينتظر من الرئيس وفريقه قيادة البلاد نحو المستقبل. المزيد من مقالات محمد عبد الهادى