لمع الولد الوحيد سامى فى عين والده الأستاذ محمود دياب المحامى الكبير فى مصر، حفظ القرآن وتفقه فى علوم الدين وانطلق لسانه حلاوة فى القول وبلاغة فى الأسلوب ونباهة فى الحجة ويقظة فى الضمير وحصل على الثانوية العامة بمجموع كبير، ففاتحه والده: عليك بكلية الحقوق التى يتخرج فيها رجال السياسة ورؤساء الحكومات, كما أنك سترث هذا النجاح الذى حققته فى المحاماة والمكتب الضخم الوحيد فى منيا القمح الذى يعد قبلة المظلومين وأصحاب القضايا العويصة من صغار الملاك وكبار رجال الدولة، فكانت إجابة الابن سامى: أننى سألتحق بكلية الآداب قسم الصحافة! بلع الرجل رغبة ولده بليبرالية أرستقراطية على مضض، وقال له: لابأس أن تحقق المجد والنجاح الذى حققه عمك توفيق دياب الذى صارت صحيفته الجهاد ثم البلاغ لسان حال الحركة الوطنية وحزب الوفد. فوجئ الرجل بعد أن تخرج الإبن سامى أنه التحق بصحيفة «الأهرام» وهى صحيفة الشوام التى تصارع الهبوط قبل أن يرأسها حديثا محمد حسنين هيكل المنشق عن مدرسة أخبار اليوم الوفدية، لكن .. لا بأس أيضا أن تهز الدنيا بمقالاتك على طريقة توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وعباس محمود العقاد وأحمد لطفى السيد وأنطون الجميل. فقال له يا أبى لقد دخلت «الأهرام» لأعمل ضمن أوائل كلية الآداب الذين اختارتهم «الأهرام» لتطوير المهنة وإحداث نقلة فى إخراج الصحافة الحديثة، فقاطعه والده: مفهوم يا سامى وناوى تكتب فى باب إيه فقال له: قسم سكرتارية التحرير الفنية ورغم الصدمة التى منى بها المحامى الكبير لأن ولده الوحيد تمرد على جلبابه وجلباب عمه، كتم غصته فى صدره وأسرها فى نفسه ولم يبدها لابنه ، ومات الوالد وأعاد سامى دياب تدوير الموضوع فى رأسه وفكر فى الانتقال إلى قسم الفكر الدينى بتشجيع من رئيسه الأستاذ فهمى هويدى حيث تتفجر فيه القضايا، وقال له الأستاذ أحمد نافع هذا مكان مؤقت إلى حين يفرغ مكان يليق بثقافتك العالية، وظل سامى دياب ينتظر فرصة الانتقال أربعين سنة، حتى تسلم خطاب الإحالة للمعاش فى الخامسة والستين من عمره لم يشعر بلحظة ندم واحدة على الشهرة والمجد الذى ضاع منه مقابل أنه اختار ما يحب لكنه قرر أن يجمع بين الفن والكتابة مع الحفاظ على أخلاق أبناء الذوات، ومضى فى غايته بكل كبرياء وحنان غمر به زملاءه كما فاض به على أخته سامية دياب التى كانت تعمل مذيعة فى تليفزيون أبو ظبى حرم الوزير الراحل مانع سعيد العتيبة وأم السفير يوسف العتيبة سفير الإمارات فى واشنطن فكانت محور المرحلة الوسطى من حياته الاجتماعية بعد أن اختارت أن تعالج فى مصر برعاية زوجها وإصراره يرحمهما الله. كان سامى دياب مصمما نظيفا مرتبا مهندما دقيقا فى عمله بالإخراج الصحفى، لم يفرط لحظة فى أصول العمل والقواعد التى نشأ عليها، وظل محافظا على تقاليد العمل وقيم الزمالة حتى آخر يوم من رئاسته لقسم السكرتارية الفنية، وعندما سلم رئاسة القسم الى أستاذنا سامى فريد أطلق على المسئولية فى هذا الزمان «السلطانية»، كانا يشعران بمسئولية هذا القسم فى المحافظة على شخصية «الأهرام» وهو شعور طبيعى بحكم الدور، فقد كان من أكبر ميزات «الأهرام» أن كل قسم من أقسام إدارة التحرير يشعر أنه الأهم، وكان سامى دياب يجمع حوله كل العاملين فى سهرته، كان موعد العشاء الذى يقيمه كل أسبوع الذى كان يشمل مع إدارة التحرير الديسك والعمال والفنيين فى الجمع التصويرى والخدمات، وبقدر ما كان سامى دياب مترفعا يمارس الصحافة بمنطق ابن الذوات كان أيضا متواضعا إلى أقصى حد لم يستنكف مرة فى أثناء حرب أكتوبر أن يقضى عدة دقائق يغمض فيها عينيه بين الطبعات على صندوق ورقى يستخدم لجمع ورق الدشت. هذا عن النواحى الفنية فماذا عن حكايته مع الكتابة؟ كان سامى دياب مثقفا رفيع المستوى وكاتبا رشيقا ومتميزا وكان يؤمن أنه لكى تكتب سنتيمترا لابد أن تقرأ مترى ورق كتب ومراجع وملفات، وبقدر ما شعرنا من تجربته ومصطفى سامى وسمير صبحى وفريد مجدى وماهر الدهبى بأن المخرجين المنهمكين فى مطبخ العمل بالأهرام أول المؤهلات لأن يكونوا كتابا ناجحين. حرص سامى دياب على ألا تمنعه المهنة عن مقابلة العظماء ومقارعتهم الحجة كما كان يتمنى والده، وبعد أن قضى عدة سنوات مشاركا فى الفكر الدينى، وصفحة دنيا الثقافة بترحيب من الأستاذ فاروق جويدة أجرى سلسلة من الحوارات مع خالد محمد خالد ويوسف إدريس والعظيم الدكتور إبراهيم بيومى مدكور رئيس المجمع اللغوى وشكل مع الراحل محمود مهدى ثنائيا مهما فى صالون الأربعاء وأثار قضايا تجديد الفكر الدينى وفوضى الفتاوى والحرية وحدود الإبداع والجبر والاختيار، وكانت له صولات فى صالون الإمام عبد الحليم محمود والشيخ متولى الشعراوى، والشيخ مصطفى مرعي، كان الراحل مؤمنا بمبادئ الوفد لكنه وصل إلى قناعة بالبعد الاجتماعى لثورة 23 يوليو، وكان يتمنى أن يقرن عبد الناصر اهتمامه بالطبقة الوسطى والعدالة الاجتماعية وبين إتاحة مساحة أوسع للديمقراطية والحرية السياسية، ورغم مرض عينيه والنفى الإجبارى داخل المنزل لم تفارقه الابتسامة والتفاؤل بفضل شريكة عمره وحياته الدكتورة علية دياب، ويحكى سامى دياب إلى ضاحكا أنه حين كان فى الثانوية العامة عام54 فى «عصر الانغلاق» ذهب إلى الصيدلية فى منيا القمح للحصول على دواء متوهما أنه يقوى الذاكرة اسمه «جلوتاميك أسيد». فقال له الصيدلى الذى كان عنده قلب وضمير: عندى الجلوتاميك الألمانى وثمنه جنيه، والإنجليزى وثمنه 75 قرشا، والإيطالى وثمنه نصف جنيه، ولو تريد نصيحتى الأحسن من الثلاثة تلعب ماتش كورة وتستحم وتأخد كتابك وتتمشى على الزراعية وتنام بدرى وتصحى بدرى فهذا هو إكسير النجاح والمنشط العصرى للذاكرة !. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف;