لا يوجد شعب اغتال تاريخه ورموزه وكل القيم فيه كما فعل المصريون بتاريخهم..نحن شعب أدمن امتهان القيمة وبدأ بالتاريخ وانتهى بالحاضر..وقد اعتاد المصريون على ذلك منذ آلاف السنين ونحن نتشدق دائما بأننا حضارة السبعة آلاف سنة, وكل ما بقى منها شخبطات على المعابد والآثار مارس فيها حكامنا كل أنواع التزوير في سرقة الأدوار والسطو على الانجازات بالكذب والتزييف. لم تخل فترة من تاريخ مصر القديم والحديث من محاولات التشويه ومن يذهب إلى الأقصر سوف يجد على الجدران كل هذه الجرائم شاهدة على اغتيال الأشخاص والأحداث والصور.. انتقلت هذه العدوى إلى عصرنا الحديث بدءا من أسرة محمد على واغتيال رموزها بالباطل وانتهاء بثورة يوليو وما تعرضت له من محاولات التشويه وحتى الأحداث التى عايشناها ورأيناها بعيوننا تحولت إلى أكاذيب ومغامرات ودسائس.. إن اخطر ما في هذه الظاهرة أننا تجرأنا على كل ىء ولم تعد أمامنا حقيقة واحدة نسلم بأنها صحيحة وكانت اكبر الشواهد هى تشويه الرموز وكأننا في حالة عداء وكراهية مع ماضينا حتى لو كان مضيئا..لقد أخذت الظاهرة سياقا غريبا في هذا الهجوم الضارى على صفحات التاريخ القديم والمعاصر والشواهد كثيرة. يخطئ من يعتقد ان ثورة يناير لم تكن صفحة مضيئة في تاريخ المصريين بل إنها من الصفحات التى سوف يسجلها التاريخ بكل العرفان.. هناك من يرى غير ذلك بدوافع كثيرة خاصة فلول الماضى القبيح من أصحاب المصالح وشركاء الفساد.. ان ثورة يناير لم تكن فقط هذه المجموعة من الشباب الذين خرجوا يطالبون بالحرية والكرامة والعيش.. انها صرخة الملايين الذين خرجوا في الشوارع والميادين ابتداء بميدان التحرير والأربعين وإبراهيم باشا ولم يكونوا عملاء أو خونة كما سرب إعلامنا المريض المغرض, وهذه الأساليب في تشويه الأحداث والرموز ليست جديدة علينا فقد مارسنا هذا النوع من القتل المعنوى والدمار التاريخى في فترات مختلفة من تاريخنا..حدث هذا مع أحداث ما قبل ثورة يوليو عندما شوهنا كل رموز الأربعينيات من الساسة وأصحاب الفكر ولم يستمر الوضع طويلا حتى كانت التصفيات التى تعرضت لها تجربة عبد الناصر في الحكم ثم انتقلت العاصفة لتطيح بتجربة الرئيس السادات حتى تم الاعتداء على اكبر انجازاته وهو نصر أكتوبر.. ان العدوان على التاريخ لم يتوقف وما تعرضت له ثورة يناير طوال 6سنوات يؤكد لنا ذلك..كان من الممكن ان نختلف حول ثورة يناير كما اختلفنا قبل ذلك على أحداث كثيرة في تاريخنا الحديث وكان من الممكن أن نكشف جوانب القصور فيها وكان من الممكن أن نسقط بعض الأسماء التى شوهت الثورة وأساءت إليها ولكن أن تمتد يد الدمار إلى كل شىء فى هذه الثورة فهذا ظلم للتاريخ والرموز والحقيقة.. والسؤال هنا لماذا خرج الملايين إلى الشوارع في هذه الثورة..وهل كانت هناك أسباب موضوعية لهذا الخروج..وهل خرجت الملايين بدوافع وطنية ام انها كانت عملية خارجية مشبوهة اقرب للخيانة منها إلى الحرص على الوطن..وكيف لنا ان نتصور ذلك وكان المصدر الاساسى لحماية هذه الثورة هو جيش مصر بكل تاريخه الوطنى الحافل, هل كان الجيش يقبل ان يحمى هؤلاء الذين خرجوا إلى الشوارع يطالبون بالحرية والكرامة ويرفضون توريث الحكم بأى صورة من الصور..ان الجيش بإمكانياته واجهزته ومؤسساته ساند هذه الثورة ووقف بجانبها ووفر لها كل مصادر الحماية..وهنا كان ينبغى على هؤلاء الذين خرجوا يشوهون هذه الثورة ان يدركوا ان الجيش ما كان يفكر في حمايتها إلا إذا توافرت أمامه كل أسباب الثقة واليقين بأنها ثورة وطنيه خرجت من أعماق شعب غاضب بعد كل ما لحق به من مظاهر الفقر والتخلف والضياع .. ان الشىء المؤكد ان الإعلام المصرى حاول بكل وسائله الشريرة ان يشوه ثورة يناير ولم ينجح في ذلك ولم يصدقه احد ورغم كل ما قيل عنها من السلبيات فان الذين عايشوها مازالوا حتى الآن على يقين وإيمان بأنها صفحة من صفحات المجد في تاريخ المصريين وإنها لن تسقط في خرافات الإعلام المشبوه الذى يسعى لتضليل الناس ومحو ذاكرتهم. ان الذين يشوهون ثورة يناير ويدمرون رموزها يتجاهلون حقيقة مهمة انه لولا ثورة يناير ما كانت ثورة يونيو وما كان النظام الحالى وما كانت تجربتنا المرة مع حكم الإخوان وما كانت هذه الفرصة التاريخية التى كشفت غباء الإخوان وتخلفهم..هذه كلها حقائق يجب ان نكون على وعى بها..ان الإخوان لم يشاركوا في ثورة يناير الا بعد ان تأكدوا أنها نجحت وإذا كانوا قد وصلوا إلى السلطة أمام نخبة متهاوية فقد كانت هذه الفرصة التى أتيحت للإخوان آخر عهدهم بحكم مصر بعد 80 عاما من الاحلام..ان هدم 25 يناير الثورة واللحظة والتاريخ هدم لكل ما قام عليها وما ترتب عليها من نتائج.. لولا تدخل الجيش ما نجحت 25 يناير وما رحل النظام السابق..لولا 25 يناير ما وصل الإخوان إلى الحكم وفشلوا ورحلوا.. ولولا 25 يناير ما قامت ثورة يونيو التى أصلح بها المصريون سلبيات 25 يناير ان هذا يعنى ان تدمير 25 يناير يعنى شطب كل ما جاء بعدها..ان الذين يكرهون ثورة يناير ويرفضونها هم بقايا فلول العهد البائد وهم يتصورون أنهم قادرون على شطب هذا التاريخ..إنهم يدركون ان الماضى لن يعود ولكن الهدف هو تشويه الحدث وإلغاؤه من ذاكرة المصريين ربما أصلحوا صورة الماضى القبيح الذى ثار عليه الشعب وغيره.. لقد اخرج الإعلام المصرى كل ما لديه من ملفات وتسجيلات النظام السابق وقد يكون ذلك تجميلا لأحداث عبرت ولكن الحقائق تسبق كل شىء وهى ان الشعب ثار وان يناير كان ميلادا لمصر جديدة في حياة المصريين وان الزمن لن يعود إلى الوراء.. لم أكن أتصور في ظل هذه المؤامرة التى اجتاحت ذاكرة المصريين حول ثورة يناير أن تسقط دماء الشهداء أمام محاولة رخيصة لتزييف الحقائق وتشويه التاريخ في يوم من الأيام, وبعد ثورة يناير وزعت وزارة الداخلية بيانا حول شهداء الثورة وكان عددهم يومها أكثر من 800 شهيد بالأسماء والصور وحين راجعت أعمارهم وجدت ان غالبيتهم ما بين 15 و25عاما وليس بينهم غير عدد قليل جدا في أربعينيات وخمسينيات العمر وحين راجعت أماكن سكنهم رأيت أنهم من أحياء فقيرة..وحين راجعت الإصابات التى أدت إلى استشهادهم اكتشفت انها في الرأس والقلب أو كليهما معا وكان أول الشهداء شاب في ميدان الأربعين بالسويس.. هذه الشواهد تؤكد إننا كنا أمام حشود من المصريين الذين واجهوا الموت ببسالة ولم يكونوا من المرتزقة الذين باعوا أنفسهم للشيطان ولم تكن الميادين بيوت دعارة كما ادعى البعض, وإذا كان لدى الدولة وثائق تكشف الأخطاء والتجاوزات والجرائم والتمويل فلماذا أغلقت هذه الملفات وكيف بقيت ست سنوات دون تحقيق أو مساءلة لأن البعض مازال يردد هذه الأقاويل ومن الظلم ان نلوث سمعة الشهداء بلا دليل أو إدانة.. إن الإخوان المسلمين يدعون إنهم أصحاب ثورة يناير وهذه مغالطة تاريخية وكذب صريح لأنهم لم يشتركوا فيها إلا بعد أن خرج الشارع المصرى كله وكان زعماء الإخوان يتفاوضون مع المسئولين في الدولة لمواجهة حشود الشباب بحشود إخوانية مضادة وحين فشلت المفاوضات أمام مطامع الإخوان خرجوا إلى الشوارع, ولهذا فإن الذين يشوهون ثورة يناير ويتركون الإخوان يتاجرون بها يرتكبون خطيئة كبرى في تشويه هذا الحدث الكبير..ان القلة التى تستخدمها فلول الماضى لتشويه يناير لن تحقق شيئا لأن يناير الآن في ذمة التاريخ وسوف ُيحكم بيننا والله خير الحاكمين.. هنا ينبغى ان نقول بكل الامانة.. ان الناس تتصور ان هذا الهجوم الضارى على ثورة يناير يأتى بتشجيع من مؤسسات الدولة, وفى تقديرى ان هذا وهم خاطئ لأن الدولة تدرك تماما ان ثورة يناير كانت بداية التغيير وإنها كانت سببا في رحيل النظام السابق وإنها كانت سببا في ثورة يونيو ورحيل الإخوان وإنها تتحمل مسئولية ما حدث في الشارع المصرى من السلبيات والايجابيات وفى مقدمتها ارتفاع درجة الوعى لدى المواطن المصرى حتى لو صاحب ذلك مظاهر للخلل في لغة الحوار والانفلات والفوضى وكلها ظواهر تصاحب عادة المتغيرات الكبرى في حياة الشعوب.. بعد 6سنوات من ثورة يناير جاء الوقت لكى نراجع هذا الحدث الكبير ونكشف عن كل ملابساته بما في ذلك السلبيات والايجابيات وان تكشف مؤسسات الدولة الأمنية والرقابية ما لديها من أسرار هذه الفترة وكل الحقائق تؤكد أنها رصدت كل صغيرة وكبيرة في الأدوار والمواقف والأشخاص وإذا كانت هناك أطراف مدانة في تمويل أو خروج على الشرعية فإن للعدالة باب واحد هو القضاء.. ان البعض مازال يتصور ان الدولة لا ترفض إذا لم تكن تقبل ما تعرضت له ثورة يناير من تشويهات خاضها الإعلام المصرى بكل ضراوة..وهنا يجب ان تحدد الدولة موقفها لأنها بذلك تخضع لحسابات تاريخية لن يفلت منها احد.. مازلت اعتقد أن السنوات الست الماضية حلقات متصلة لن يفصل شىء بينها لأنها قامت على بعضها البعض ولهذا علينا ان ننظر إليها بصورة متكاملة حتى نرى حقائق الأشياء, ان الذين أهدروا دم 25 يناير يمكن في لحظة ان يهدروا دم 30 يونيو والذين تصوروا أنهم أبناء الماضى هم في الحقيقة أبناء كل عصر وكل مصلحة وكل من يطلب منهم الطاعة والولاء لأنهم عبيد مصالحهم.. من قصيدة «هَانَتْ عَلَى الأَهْلِ ِالكرام دمَانَا سنة2012» ..ويبقى الشعر هَانَتْ عَلَى الأَهْلِ ِالكرام دمَانَا وَتَفَرَّقَتْ بَيْنَ الرِّفَاقِ خُطَانَا عُدْنَا إِلَى المَيْدَانِ ِ نَسْأَلُ حُلْمَنَا بَكَتْ الرُّبُوعُ ُوحزنُها أَبْكَانَا أَيْنَ القُلُوبُ تضىء فِي أَرْجَائِه وَتَزُفُّ شَعْبًا فِي الصُّمُودِ تَفَانِي؟!. أَيْنَ الرِّفَاقُ وأين صَيْحَاتٌ بَدَتْ لِلكَوْنِ ِ بَعْثًا عَاصِفًا أَحْيَانًا؟!. أَيْنَ الشَّبَابُ وَقَدْ تَوَحَّدَ نَبْضُهُمْ وَتَجْمَعُوا فِي بَأْسَهُمْ إِخْوَانًا؟!. أَيْنَ الحناجُر كَيْفَ قَامَتْ صَرْخَةُ ً كم أيقظتْ بصهيلها الفِرْسانا؟! وَجْهُ الشَّهِيدِ وَقَدْ تَنَاثَرَ فِي المَدَى وَغَدًا نُجُومًا فِي دُجَى دُنْيَانَا جَسَدٌ يُحَلِّقُ فِي الأَيَادِي سابحا فِي حِضْنِ ِ أمُ ٍّ أَشْبَعْتُهُ حَنَانًا هَانَتْ عَلَى الأَهْلِ ِ الكِرَامُ ِدمَانَا. ********** نَامَتْ عَلَى الدَّرْبِ الحَزِينِ ِ جوانحٌ وَتَجَمَّدَتْ خَلْفَ الرُّؤَى أَجْفَانًا وَالنَّاسُ تَسْأَلُ: مَا الذى يَبْقَى لَنَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ ِ مَوْطِنًا وَمَكَانًا؟. يَوْمًا غُرِسْنَا الحُلْمَ فِي أَعْمَاقِنَا حَتَّى غَدًا فِي يَأْسِنَا بُرْكَانًا أَنْ نُطْلِقَ الشَّمْسَ السَّجِينَةُ َ بَيْنَنَا لِيُطِلَّ صُبْحٌ مِنْ خَرِيفِ صَبَّانَا فِي سَاحَةِ المَيْدَانِ كُنَّا أُمَّةَ ً وَهَبَتْ رَحِيقُ شَبَابَهَا قُرْبَانَا أَجْسَادُنَا كَانَتْ تَلُوذُ بِبَعْضِهَا حَزَنُ التُّرَابِ يُعَانِقُ الأكفانا يَتَعَانَقُ الدَّمُ الجَسُورُ عَلَى الثَّرَى كُنَّا نَرَاهُ كَنِيسَةَ ً وَأَذَانَا فِي سَاحَةِ المَيْدَانِ صَلَّيْنَا مَعًا قِمْنَا حُشُودًا نَرْجُمُ الشيطانا وَتَطُوفُ فِي المَيْدَانِ أَرْوَاحٌ بَدَتْ فَوْقَ البُيُوتِ أزاهرًا وَجِنَانًا الكَوْنُ صّلى. وَالرُّبُوعُ تَطَهَّرَتْ مِنْ رَجَسٍ ِ عَهْدُ مُظْلِمٍ ٍ أَعَمَّانَا هَانَتْ عَلَى الأَهْلِ ِ الكِرَامُ ِ دمَانَا ********** هَلْ تَذْكُرُونَ شَبَابَنَا وَصَبَانَا وَالأَرْضَ تَحْضُنُ بِالدُّمُوعِ ِ دِمانا؟!. وَنَطُوفُ فِي صَخَبِ الشَّوَارِعِ ِ لَا نَرَى غَيْرَ الرَّصَاصِ ِ عَلَى المَدَى يَلْقَانَا وَقَذَائِفُ القَنَّاصِ ِ تُطْفِئُ أَعْيُنًا فَيَتِيهُ بَيْنَ جُنُودِهُ نَشُّوانَا لَمْ يَرْحَمْ ِ الْعَين السَّجِينَةَ َ فِي الأَسَى رَسْمَ النِّهَايَةِ َ خِسَّةُ ً وَهَوَانَا يُلْقِي عَلَيْنَا النَّارَ وَهِيَ خَجُولَةٌ ُ وَالنَّارُ تَرْحَمُ بَعْضُهَا أَحْيَانًا كُنَّا نَرَى أَنَّ الوَفَاءَ ضَرِيبَةُ ٌ حَقُ لِمَنْ وَهَبَ الحَيَاةَ َ وَعَانَى عُدْنَا إِلَى المَيْدَانِ نَسْأَلُ: مَا بِهِ؟. صَرَخَ الحَزِينُ وَبُؤْسِهِ أَدَمَّانَا حِينَ اِنْتَفَضْنَا فِي الشَّوَارِعِ ِ لَمْ يَكُنْ سُوقُ الغَنَائِمِ ِمطمعًا أَغْرَانَا هَانَتْ عَلَى الأَهْلِ ِالكرام دُمَانَا [email protected] لمزيد من مقالات يكتبها: فاروق جويدة