إقبال كثيف للمصريين بدول الخليج في انتخابات النواب    جامعة المنوفية تواصل صعودها العالمي: ظهور متميز في تصنيف QS للاستدامة 2026    جيش الاحتلال الإسرائيلى يعترف باغتيال جندى واعتقال آخر فى نابلس    استشهاد شخص إثر غارة إسرائيلية استهدفت سيارة جنوبي لبنان    الأهلي ينهي استعداداته لمواجهة شبيبة القبائل في دوري الأبطال    الشوط الأول .. الجيش الملكي يتقدم علي أسيك بهدف فى نهائى أفريقيا للسيدات    تعرض لخسائر مالية كبيرة.. صاحب شركة ينهي حياته بقرص الغلة داخل فيلا بأكتوبر    بالصور..نجمات الفن تتألق على السجادة الحمراء لختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    بسبب رسامة فتيات كشمامسة.. الأنبا بولس يطلب من البابا تواضروس خلوة بدير العذراء البراموس    أبرزها خسارة الزمالك.. نتائج دوري الكرة النسائية اليوم    اتحاد جدة يستعيد الانتصارات أمام الرياض في الدوري السعودي    الذهب يستقر مع تزايد آمال خفض الفائدة الأمريكية في ديسمبر    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر صواريخ على سواحل الكاريبي ردًا على التهديدات الأمريكية    حسين فهمى: التكنولوجيا والشباب يرسمان مستقبل مهرجان القاهرة السينمائى    أحمد فؤاد سليم يكشف سر استمرار زواجه 50 عاما: الحب هو الأساس والأحفاد فلفل الحياة    شعبة مواد البناء توجه رسالة هامة للمواطنين حول أسعار الحديد في الأسواق    إقبال جماهيري كبير على حفل روائع عمار الشريعي بتوقيع الموسيقار هاني فرحات    تشكيل أهلي جدة الرسمي أمام القادسية بالدوري السعودي    ضبط طفلان تعديا على طلاب ومعلمي مدرسة بالسب من سطح منزل بالإسكندرية    «المال في مواجهة الطموح».. هل يحسم «طوفان اللافتات» مقاعد البرلمان؟    أول تعليق من نادية مصطفى على أزمة ملف الإسكان بنقابة الموسيقيين    إقبال كثيف وانتظام لافت للجالية المصرية في الأردن بانتخابات النواب 2025    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    إحالة طبيبة النوبتجية وطبيبة الأسنان بمركز «63 متر» للتحقيق    كاف يدرس تعديل آلية التصويت في جوائزه بعد عتاب ممدوح عيد    رفع 30 طنا من القمامة والمخلفات والأتربة بمدينة ناصر بحى شرق سوهاج    أصداء إعلامية عالمية واسعة للزيارة التاريخية للرئيس الكوري الجنوبي لجامعة القاهرة    بالصور.. استعدادات حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال46    ميدو عادل: خشيت فى بعض الفترات ألا يظهر جيل جديد من النقاد    حافظ الشاعر يكتب عن: دولة التلاوة.. حين تتكلم الأرواح بلسان القرآن    ضبط إشغالات متنوعة بحي العجوزة بالجيزة    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بنجلاديش إلى 5 قتلى ونحو 100 مصاب    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    المصري الديمقراطي يطالب خطوات "الوطنية للانتخابات" لمنع تكرار مخالفات المرحلة الأولى    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    طريقة عمل القرنبيط المقلي الكرسبي بتتبيلة مميزة    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    انفوجراف| الحصاد الأسبوعي لوزارة الزراعة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    دعاء يوم الجمعة لأهل غزة بفك الكرب ونزول الرحمة.. اللهم يا فارج الهم ويا كاشف الغم فرّج عن أهل غزة فرجًا عاجلًا    الحكومة الفرنسية: أطفالنا لن يذهبوا للقتال والموت فى أوكرانيا    فليك: ميسي أفضل لاعب في العقد الأخير.. وتدريبه ليس من اختصاصي    بعد إحالته للجنايات.. تفاصيل 10 أيام تحقيقات مع المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    السفير المصري بنيوزيلندا: انتخابات النواب تسير بسهولة ويسر    إصابة 3 شباب في حادث مروري بنجع حمادي    وزيرة التخطيط: ملتزمون بتمكين المرأة اقتصاديًا بما يتماشى مع رؤية مصر 2030    زيلينسكي يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة فساد كبرى    اليابان تعيد تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم بعد أكثر من عقد على فوكوشيما    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    اسعار الدواجن اليوم الجمعه 21 نوفمبر 2025 فى المنيا    فيديو| ضحايا ودمار هائل في باكستان إثر انفجار بمصنع كيميائي    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إهدار الحقيقة وامتهان التاريخ
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 08 - 2014

لا يوجد شعب إساء لتاريخه وشوه رموزه كما فعل المصريون .. وللأسف الشديد ان هذه الظاهرة المؤسفة امتدت عبر التاريخ المصرى قديمه وحديثه
وكانت مثار خلافات وجدل بين اصحاب الفكر والرؤى .. فى العصور القديمة كان الحكام المصريون يسرقون الأدوار من بعضهم ويغيرون تسجيل الأحداث على جدران المعابد، وفى تاريخنا الحديث لا يوجد حدث واحد او رمز كبير إلا واختلفنا حوله وانقسمت الجموع بين مؤيد ومعارض وبقدر ما كان للبعض حواريون بقدر ما كان للبعض الآخر معارضون، وما بين التأييد الأعمى والرفض المطلق وقف التاريخ المصرى حائرا بين من زيف ومن غالط الحقيقة وفى كل الحالات كان التاريخ هو الضحية ..
فى الأيام القليلة الماضية وقف تاريخ مصر بكل زهوه ورصيده الحضارى والإبداعى يتساءل، ماذا فعلت لكى تنهال على رأسى كل هذه اللعنات فى واحدة من كبرى الجرائم ضد هذا الشعب عطاء وفكرا؟! .
لن نبدأ بالقديم ولكن آخر جريمة ضد الحقيقة والتاريخ ان يقال ان ثورة يناير كانت مؤامرة ولم تكن ثورة .. وبكل السذاجة يدعى البعض ان ما حدث فى يناير كان مؤامرة دبرتها اطراف محلية ممثلة فى الإخوان المسلمين واطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية .. وهنا يكون السؤال : ان اول شهداء هذه الثورة شاب بسيط سقط فى ميدان الأربعين فى مدينة السويس .. ولا اعتقد ان هذا الشاب كان عميلا للمخابرات الأمريكية .. او كان مجندا من إحدى الجهات الخارجية .. ولا اعتقد ايضا ان الملايين التى خرجت يوم 28 يناير فى كل ارجاء مصر قد حركتهم جهات مشبوهة او مؤامرات خارجية .. ولا اعتقد ايضا ان صورة مصر التى نقلتها اجهزة الإعلام العالمية طوال ايام الثورة كانت عملية مرسومة وضعتها مؤسسات خارجية .. ان الانتقال بثورة يناير من دائرة الثورات تاريخيا الى دائرة المؤامرات جريمة كبرى فى حق هذا الشعب ودماء الشهداء .. من حق انصار النظام السابق ان يدافعوا عنه كما ارادوا وبكل الوسائل المشروع منها وغير المشروع ولكن لا ينبغى ابدا ان نهين دماء الشهداء ونشوه صحوة شعب ثار لكرامته دفاعا عن نظام مستبد سقط بإرادة شعبية ..
اما ان يقال ان ثورة يناير صناعة او مؤامرة اخوانية فهذه مغالطة كبرى لأن الإخوان لم يشاركوا فى الثورة من بدايتها ولأن الإخوان كانوا يتفاوضون مع النظام المخلوع حتى آخر لحظة ولأن الإخوان كانوا جزءا من هذا النظام وطرفا اساسيا فى العملية السياسية طوال ثلاثين عاما حققوا فيها مكاسب مذهلة .
ان القول بأن ثورة يناير انجاز إخوانى يعطى للإخوان فوق ما يستحقون لأنه انجاز لا يقدرون عليه ويحرم الشعب صاحب الثورة من حقه المشروع فيها .
كان الإخوان جزءا لا يتجزأ من النظام الفاسد المستبد وكانوا الوجه الآخر للحزب الوطنى المنحل، وإذا كان الإخوان قادرين على إسقاط النظام بهذه الصورة فلماذا لم يفعلوها من قبل .. ان النظام السابق هو الذى مهد للإخوان كل ما وصلوا اليه من انجازات سياسية فى الشارع المصرى .. كان عدد الإخوان المسلمين فى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر 18 الفا وكانت جهات الأمن تعرفهم بالإسم والعنوان وكانت قادرة على التحفظ عليهم فى ساعات .. اما الإنطلاقة الرهيبة للإخوان فى الشارع المصرى فقد جاءت فى ظل النظام السابق، وإذا كان الإخوان المسلمون قد سرقوا الثورة فليس هذا خطأ الشهداء ولكنه خطيئة اطراف اخرى فرطت وتوطأت وهذا كله لا يعنى ان الثورة كانت مؤامرة لأن الحقيقة انها كانت وستبقى لحظة مضيئة فى تاريخ شباب هذا الوطن .
ان الشىء المؤكد ان الحقيقة سوف تظهر فى يوم من الأيام فقد اختلفنا ومازلنا حول ثورة يوليو وهل كانت ثورة ام انقلابا واختلفنا حول زعامة سعد زغلول لثورة 19 واختلفنا حول عرابى وهل كان بطلا ام مغامرا..وسوف تدخل ثورة يناير دائرة الصراعات لأننا شعب لديه قدرة عجيبة على تشويه كل ما هو رائع وجميل ...
لم تكن ثورة يناير الضحية الوحيدة فى الشارع المصرى فى الأيام الأخيرة بل هناك مجزرة اخرى للتاريخ شهدتها كواليس الفن المصرى العريق طوال شهر رمضان من خلال مسلسلات شوهت اجزاء عزيزة من تاريخ هذا الشعب وهو تاريخ الخديو إسماعيل والزعيم الراحل جمال عبد الناصر وكلاهما رمز كبير من رموز مصر كان صاحب مشروع حضارى وانسانى واجتماعى كبير .. كان تاريخ إسماعيل ثورة حضارية فى مجتمع متخلف .. وكانت ثورة عبد الناصر انقلابا اجتماعيا رهيبا غير وجه مصر الإنسانى والاجتماعى واعاد للشعب المغلوب على امره حقه فى حياة كريمة .. ليس المهم فى مشوار الخديوى إسماعيل شخصه ولكن مشروعه .. وليس المهم فى تاريخ عبد الناصر انجازات شخصية ولكن مشروعه لتغيير حياة المصريين والدخول بهم الى عصر وزمان جديد .. ان الفن جزء من التاريخ وهو من اهم واخصب العناصر فى التجربة الإنسانية لأنه يخلط الحقيقة بالحلم والواقع بالخيال .. وفى رمضان شاهدنا واحدة من كبرى الجرائم فى حق التاريخ .. ان الخديو إسماعيل لم يكن بهذه الصورة المشوهة على موائد الخمر والنساء العاريات،بل كان حاكما صاحب مشروع حضارى انجز فيه واخفق فى البعض الآخر، ومثل كل التجارب الإنسانية، كان الخطأ والصواب ابتداء بتغيير حياة المصريين بالأوبرا والبرلمان وقناة السويس وانتهاء بقصة الديون التى بقيت عارا يطاردنا فى كل الأزمنة. اما مسلسل صديق العمر بين ناصر وعامر فقد افتقد الكثير من الحقائق وتوقفت احداثه عند اشياء لا تهم احدا وتحول تاريخ عبد الناصر بكل مراحله الى ايام قليلة فى تاريخ الوحدة بين مصر وسوريا ودخل المسلسل فى متاهات شخصية لا احد يعرف مدى صحتها او دقة مصادرها ..
لقد اصبح الاعتداء على التاريخ ظاهرة مصرية تعكس خللا فى الرؤى وانفصاما فى لغة التعامل مع حقائق الزمن والبشر والأشياء، وحين سقط مسلسل الخديو فى الابتزال سقط مسلسل عبد الناصر فى دوامة المغالطات وما بين هذا وذاك خسر المشاهد المصرى والعربى فرصة كان من الممكن ان تكون إضافة حقيقية للفن والتاريخ معا .. فلا نحن وجدنا فى المسلسلين فنا جميلا ولا تاريخا حقيقيا وضاع الفن الجميل فى صخب الأحداث المشوهة والشخصيات الباهتة ...
وسط هذا التاريخ المشوه تطل علينا نماذج بشرية كريهة تغير وجه الحياة وترسم امامنا مجتمعا غريبا كأننا لا نعرفه ولا نعيش فيه .. نحن امام اعمال لا تنتمى لقدسية الفن فى رسالته واخلاقياته وثوابته التى يحرص عليها فى قيمه الجمالية والأخلاقية والسلوكية .. بماذا نفسر هذه الهجمة الشرسة على ثوابت الشخصية المصرية .. شهدت مسلسلات رمضان كل انواع الجرائم وكل انواع الخمور والمخدرات وكل النماذج البشرية المشوهة .. والسؤال هنا: كيف يمكن تدمير تاريخ الفن المصرى بهذه الأعمال القبيحة والرديئة والسيئة؟! .. ان الفن الجميل كان دائما احد مقومات الشخصية المصرية وكان من اهم مصادر تميزها .. وكان يمثل احد مصادر القوة والريادة فى حياة المصريين .. ان الاعتداء على الفن المصرى بهذه الصورة الغاشمة لا يمكن ان يكون عملا ارتجاليا او بلا هدف .. ان الملايين التى انفقت على هذه الأعمال الرديئة تحمل هدفا خفيا وهو تشويه تاريخ هذا الشعب وإفساد ذاكرته .. ان جميع المسلسلات انتهت بالقتل والدم ما بين المساجين والهاربين والخارجين على الأمن والقانون، والغريب انه لا يوجد نموذج متوازن فى السلوك او الأخلاق امام العشرات من النماذج المشوهة .. إذا كان ولا بد من تجسيد القبح فيجب ان نفتح طريقا للجمال ...
على شاشة التليفزيون تمت فى ليلة واحدة ومع نهاية حلقات كل مسلسل هذه الجرائم البشعة فى نهاية الشهر الكريم .. السجينة التى انتقمت من زوجها السابق وزوجته وقطعت جسديهما على الشاشة امام اطفال صغار ينتظرون فرحة العيد بينما الشاشات غارقة فى الدماء .. الابن الذى احرق جسد ابيه على الشاشة، والأخ الذى يقتل شقيقته فى الكباريه ثم ينتقل ليقتل فى مشهد واحد الوزير وابنه ومساعده فى حفل الزواج، ثم نشاهد الخادمة التى احرقت ابنة صاحبة البيت الذى تعمل فيه ثم نراها ترتدى ملابس الإعدام الحمراء، ومع هذا نشاهد الأب الذى يعتدى على ابنته بالضرب حتى تموت، ثم نجد رجل الأعمال النصاب الذى يموت مقتولا على يد عشيقته .. ان إفلاس دراما المسلسلات هى التى وصلت بالأعمال الفنية الى هذا المستوى من السذاجة بحيث يموت جميع ابطال المسلسلات فى ليلة العيد حتى ينتهى المولد.
وما بين مذبحة لثورة يناير تدبر الآن وتتجاهل دماء الشهداء ومذبحة لتاريخ اثنين من اهم حكام هذا الوطن هما عبد الناصر والخديو .. ومذبحة ثالثة للفن المصرى العريق بكل تاريخه ورموزه وتميزه وإهدار لكل القيم والثوابت المصرية فى السلوك والأخلاق وقفت حائرا لماذا نفعل بأنفسنا كل هذا وما هو الهدف ولحساب من !.

..ويبقى الشعر


« إن هان الوطن يهون العمر سنة 1989 »
مِنْ عَشْر سِنِينْ
مَاتَ أبِى بَرصَاصَةِ غَدْرْ
كَفَّنْتُ أبِى فى جَفْن العَيْن ِ
ولَنْ أنْسَى عُنْوَانَ القَبْرْ
فَأبِى يتمدَّدُ فَوْقَ الأرْض ِ
بِعَرْض الوَطَن ِ .. وطُول النَّهْرْ
بَينَ العَيْنَين تنَامُ القُدْسُ
وفِى فَمِهِ .. قُرآنُ الفَجْرْ
أقْدَامُ أبِى فَوْقَ الطَّاغُوت
وَصَدْرُ أبى أمْوَاجُ البَحْرْ
لمحُوهُ كَثيرًا فِى عَكَّا
بَيْنَ الأطْفَال يَبيعُ الصَّبْرْ
فِى غَزَّة قَالَ لمنْ رَحَلُوا
إنْ هَانَ الوَطنُ يَهُونُ العُمرْ
نبتَتْ أشْيَاءُ بقَبْر أبِى
بَعْضُ الزَّيُتون ِ وَمِئْذنَة ُ.. وحَدِيقة ُزهْرْ
فِى عَيْن ِ أبِى
ظهَرَتْ فِى اللَّيْل بحيرة ُعِطْرْ
مِنْ قَلْبِ أبِى
نَبتتْ كالماردِ كُتْلة ُ صَخْرْ
تسَّاقَط ُ منهَا أحْجَارٌ فى لَوْن ِ القَهْرْ
الَّصخْرَة ُ تحْمِلُ عِنْدَ اللَّيل ِ
فَتنجِبُ حجَرًا عِندَ الفَجْرْ
وتُنجِبُ آخرَ عندَ الظُّهْرْ
وتُنجِبُ ثالثَ عندَ العَصْرْ
أحْجَارُ الصَّخْرةِ مِثْلُ النَّهْرْ
تَتدَفَّقُ فوْقَ الأرض ِ..
بعَرْض الوَطن ِ.. وطُول القَبْرْ
وَمضَيتُ أطُوفُ بقَبْر أبِى
يَدُهُ تَمتَدُّ .. وتحْضُنُنى
يَهْمِسُ فى أذنِى
يَا وَلدى أعَرَفْتَ السِّرْ؟
حَجَرٌ مِنْ قَبْرى يَا وَلَدى
سَيَكُونُ نِهَاية عَصْر القَهْرْ
لا تُتْعبْ نَفْسَكَ يَا وَلَدى
فِى قَبْرى كَنْز مِنْ أسْرَارْ
فالوَحشُ الكَاسرُ يَتَهَاوَى
تَحْتَ الأحْجَارْ
عَصْرُ الُجبنَاءِ وعَارُ القَتَلةِ
يَتَوارَى خَلْفَ الإعْصَارْ
خَدَعُونَا زَمَنًا يا وَلدِى
بالوَطن القَادِم .. بالأشْعَارْ
لَنْ يَطلُعَ صُبْحٌ للجُبنَاءْ
لَنْ يَنْبُتَ نَهْرٌ فى الصَّحْرَاءْ
لَنْ يَرْجعَ وَطنٌ فى الحَانَاتِ
بأيدِى السِّفْلة .. وَالعُملاءْ
لَنْ يَكْبُرَ حُلمٌ فَوْقَ القُدْس
وعَينُ القُدْس يمزِّقُهَا بَطْشُ السُّفَهَاءْ
لا تَتْركْ أرضَكَ يَا وَلَدى
لكلابِ الصَّيدِ .. وللغَوْغَاءْ
أطْلِقْ أحْجَارَكَ كالطُّوفَان ِ..
بِقَلْبِ القُدس .. وَفِى عَكَّا
واحْفُرْ فِى غَزَّة بحْرَ دِمَاءْ
اغْرسْ أقْدَامَكَ فَوْقَ الأرْض ِ
فَلَمْ يَرْجعْ فِى يَوْم ٍ وطنٌ للغُرَبَاءْ
بَاعُونَا يَوْمًا يَا وَلدِى.. فِى كُلِّ مَزَادْ
اسألْ أرشيفَ المأجُوزينَ ..
وفَتِّشْ أوْراقَ الجَلادْ
اسأْلْ أمريكَا يَا وَلَدى ..
وَاسألْ أذنَابَ الُموسَادْ
إنْ ثاَر حَريقٌ فى الأعْمَاق ِ
يَثُورُ الكَهَنة ُ.. والأوْغادْ
فتصِيرُ النَّارُ ظلالَ رَمَادْ
سَيجىءُ إليْكَ الدَّجَّالُونَ بأغنيَةٍ
عَنْ فَجْىء سَلامْ
السِّلمُ بضَاعة ُ مُحْتَال ٍ وبَقَايَا عَهدِ الأصْنَامْ
والسِّلمُ العَاجزُ مقبرة ٌ.. وسُيُوفُ ظلامْ
لا تَأمَنْ ذئْبًا يَا وَلَدى أنْ يَحْرُسَ طفْلا ً فى الأرْحَامْ
لنْ يُصْبحَ وَكْرُ السَّفَّاحِينْ وإنْ شئْنَا ..
أبْرَاجَ حَمَامْ
لنْ يَنْبُتَ وَطَنٌ يَا ولدى فى صَدْر سَجينْ
لنْ يَرْجعَ حَقٌّ فى أنفاس المخْمُورينْ
حَجَرٌ فى كَفِّكَ يَا وَلَدى سَيْفُ الله فلا تَأمَنْ
مَنْ شَربُوا دَمَّ المحْرُومِينْ
مَنْ أكَلُوا لحْم المسْجُونينْ
مَنْ باعُوا يَومًا قُرْطُبَة َ
مَنْ هَتَكُوا عِرْضَ فلسْطيِنْ
فاقْطعْ أذنَابَ الدَّجَّالينْ
واهدمْ أبْراجَ السَّفَّاحِينْ
لتعيدَ صَلاحَ .. إلى حِطِّينْ
فِى وَطَنِكَ قبرُكَ يَا وَلَدى
لا تَتْرُكْ أرْضَكَ مَهْمَا كَانْ
أطْلقْ أحْجَارَكَ يَا وَلَدِى فى كُلِّ مكَانْ
ابدَأ بخَطايَا دَاودٍ
واخْتم برؤوس ِ الكُهَّانْ
لا تتْرُكْ فى الكَعْبَةِ صَنَمًا
ولْتَحْرقْ كُلَّ الأوْثَانْ
لنْ يُصْبحُ بيتُ أبِى لهبٍ
فِى يَوْم ٍ دَارَ أبى سُفْيانْ
لا تَسْمَعْ صَوْتَ أبِى جَهْل ٍ
حَتَّى لَوْ قَرأ الُقرآنْ
فزمَانُكَ حَقًا يَا وَلدى
زَمَنُ الإيمَان .. الإيمَانْ
واجْعَلْ مِنْ حَجرك مئذنة ً
ودُعاءَ مسيح ٍ .. أوْ رُهْبَانْ
واجْعَلْ مِنْ حَجرك مِقْصَلة ً
واخْرسْ تعويذة كُلِّ جَبَانْ
فالزَّمَنُ القادمُ يَا وَلَدى
زَمنُ الإنْسَان ِ.. الإنْسَانْ
لمزيد من مقالات فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.