الأطباء: نتابع واقعة عيادة قوص ونناشد تحري الدقة في تناول المعلومات    السيسي يصدَّق على قانونين بشأن مجلسي النواب والشيوخ    سعر اليورو اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025 في البنوك المصرية مع تسجيل فروق طفيفة للشراء والبيع    أسعار الفاكهة اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في الدقهلية    انطلاق مرحلة جديدة من الموجة ال26 لإزالة التعديات على الأراضى الزراعية    «التخطيط»: 20.4 مليار جنيه استثمارات 206 مشروعًا بمحافظة مطروح خلال 2024-2025    كاليفورنيا في مواجهة ترامب بعد نشر الحرس الوطني    استشهاد 55 فلسطينيًا خلال غارات للاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ فجر اليوم    الكرملين: لا تفاهم نهائيًا بشأن موعد نقل جثث الجنود الأوكرانيين إلى كييف    الرئيس اللبناني يصل الأردن لعقد لقاء قمة مع الملك عبد الله    اليوم.. الأهلي يشارك في مؤتمر لمناقشة رؤية فيفا لكأس العالم للأندية    موعد مباراة فلسطين وعمان في تصفيات كأس العالم 2026 والقنوات الناقلة    محمد السيد: لست متمرداً.. والزمالك بيتي    وزير التعليم: الحزم مع المخالفين لا يتعارض مع دعم الطلاب نفسيًا    انتشال جثة سيدة من غرقى تروسيكل سقط في نهر النيل بأسيوط    وزارة السياحة والآثار:استمرار انطلاق رحلات عودة حجاج السياحة المصريين لعام 1446ه إلى أرض الوطن من مطار جدة    الأرصاد: ارتفاع درجات الحرارة على أغلب مناطق الجمهورية حتى منتصف الأسبوع المقبل    ضبط 200 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة في القاهرة    عن طريق الخطأ.. ضبط المتهم بإصابة طفلين فى حفل زفاف نجله بقنا    اليوم.. «أيام إخناتون» و«شلباية» يفتتحان عروض مسرح إقليم جنوب الصعيد الثقافي    بعد انضمام المشروع X.. ترتيب جديد لقائمة الأفلام الأعلى إيرادا في تاريخ السينما المصرية    «عروسة مميزة جدا».. أسماء جلال ترافق أمينة خليل في حفل زفافها الثاني باليونان    «مش بتتنازل بسهولة».. 4 أبراج عنيدة يصعب إقناعهم    الدفاع المدنى فى قطاع غزة: الاحتلال يستهدف المدنيين بمناطق توزيع المساعدات    المأذونين عبر تليفزيون اليوم السابع: زواج شاب "داون" من فتاة يجوز شرعاً    عاجل - الحكومة تسعى لتحقيق «صفر» حالات جذام في مصر "التفاصيل كاملة"    أشرف عقبة يوضح أهم أعراض الإصابة بمتحور كورونا الجديد "نيمبوس" (فيديو)    الصحة: استحداث عدد من الخدمات الطبية النوعية بمستشفيات التأمين خلال العقد الأخير    شيكابالا لإدارة الزمالك: لن أعتزل والفريق سيعانى فى غيابى (فيديو)    الدبيس: أتمنى المشاركة أساسيا مع الأهلي في كأس العالم للأندية    مباريات اليوم.. ختام المرحلة الثالثة بتصفيات آسيا للمونديال    وزيرة إسبانية تدين اختطاف السفينة مادلين : يتطلب رد أوروبى حازم    كندا تتعهد برفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي استجابة لضغوط "الناتو"    وزير الري يشيد بجهود العاملين خلال عطلة عيد الأضحى    في أولي حفلاته بعد الحج.. أحمد سعد يوجه رسالة لجمهوره| صور    10 يوليو.. بتر شو Better Show يعود بعرض "السنجة" على مسرح نهاد صليحة    فتح باب التقديم لوظيفة مدير عام المجازر والصحة العامة بمديرية الطب البيطري بالغربية (الشروط)    حِجر إسماعيل..نصف دائرة في الحرم تسكنها بركة النبوة وذاكرة السماء    ارتفاع الأسهم العالمية والدولار مع تقدم المحادثات التجارية بين أمريكا والصين    وزير المالية يوجه بتسهيل الإجراءات الجمركية لضيوف الرحمن    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 2200 قضية «سرقة كهرباء وظواهر سلبية» خلال 24 ساعة    محافظ أسيوط يشهد انطلاق تقنية طبية جديدة بوحدة المناظير بمستشفى المبرة    حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق؟.. أمين الفتوى يوضح    فنان العرب محمد عبده والمايسترو هاني فرحات يحطمان الأرقام القياسية في حفلات عيد الأضحي 2025    أسعار اللحوم البلدي والكندوز اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    إمام عاشور: الأهلي قادر على الفوز بمونديال الأندية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في محافظة قنا    اقتحام المنازل وتعطيل الدراسة.. ماذا يحدث في مدينة نابلس؟    تحذير عاجل من عبوات "باراسيتامول" بالأسواق، وهيئة الأدوية البريطانية: فيها تلوث قاتل    استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4675 جنيها    يوميات أسبوع نكسة 1967 في حياة طبيب شاب    وفد من أمانة حزب مستقبل وطن بالدقهلية يقدم العزاء لأسرة البطل خالد شوقي عبدالعال    القبض على صاحب مطعم شهير بالمنيا بعد تسمم أكثر من 40 شخصًا    خاص| الدبيكي: نعمل على صياغة اتفاقية دولية لحماية العاملين من المخاطر البيولوجية    صحة سوهاج: 560 جلسة علاج طبيعي لمرضى الغسيل الكلوي خلال أيام عيد الأضحى    ما حكم الشرع في بيع لحوم الأضاحي.. دار الإفتاء توضح    ترامب: إيران تلح على السماح لها بتخصيب اليورانيوم    "خسارة للأهلي".. نتائج مباريات الإثنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على عبد الرازق و «جون لوك»
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 01 - 2017

يبقى الفكر النهضوى توفيقيا بالتعريف، كونه يبتغى النهوض بأمة لديها تراث عريق تتجذر فيه، وحاضر بائس يضغط عليها ترغب فى الإفلات منه، بينما تواجه عالما زاخرا بالوعود ترغب فى اللحاق به، ما يفرض عليها الجمع بين مكونات ثقافية تنتمى لأزمنة مختلفة. ولم يكن ديكارت، أبو الفلسفة الغربية الحديثة، استثناء من ذلك المنزع التوفيقى بين وعى حديث وإيمان موروث، فكانت عقلانيته المثالية، التى انطلقت من الله كمبدأ للوجود، فيما ادعت أنها تبحث عنه، إذ لم يتصور الرجل إمكانية المعرفة إلا تأسيسا على الحقيقة الإلهية، ولذا كان الشك الديكارتى منهجيا لتأكيد يقين قائم وليس فلسفيا للبحث عن حقيقة مجهولة.
فى السياق العربى كان محمد عبده توفيقيا بهذا المعنى نفسه، فثمة أصول ثلاثة من خمسة يرى أن الإسلام يقوم عليها، استند إليها الإمام فى صياغته الثورية للعلاقة بين العقل والنص، مؤكدا أن النص لا يمكنه أن يتناقض مع العقل، فإذا ما تبدى تناقضا كان بالضرورة "ظاهريا"، يفرض تحكيم العقل فيه، ليس لأن ثمة خطأ فى النص ولكن لأن فهمه قد استغلق على الذهن، ومن ثم وجب التأويل بحسب قواعد اللغة العربية، حتى لا نقع فى آفة التلوين. ومن ثم لا تبدو مركزية العقل استعلاء على النص أو رفضا له، بل وسيلة فهم يتم من خلالها تجاوز ظاهره إلى باطنه، والولوج إلى قلب الحكمة منه. هكذا اعتمد الإمام العقل أصلا من أصول الإسلام، ولكن العقل لديه ظل توفيقيا، يعمل كأداة استدلال على الحقيقة الإلهية، وليس كمنتج لحقيقة جديدة (إنسانية) عن العالم، وهى سمة كل تفكير دينى كلامي، يرى للحقيقة مصدرا واحدا، يمكن تأويله أو تفسيره، ولكن دون الخروج من فلكه العام، وإلا كنا أمام تفكير فلسفى خالص. إنه الفارق الأساسى بين نهج ابن رشد، مثلا، القائل بمبدأ ثنائية الحقيقة، سيرا على الطريق الفلسفى الأرسطي، وبين المعتزلة الذين ساروا حثيثا على طريق الفكر الكلامي، تفتيحا لأفق النص القرآنى إلى أبعد مدى ولكن دون الخروج عن فضائه. هذا النهج يمكن وصفه بالعقلانية نعم ولكن بحذر شديد يفرض علينا توصيفها ب "التوفيقية"، وهو أمر يمكن تفهمه كخطوة مهمة على طريق الاندراج التاريخى فى صيرورة العقلانية الحديثة، بما هى علمية وشكية وتجريبية، تنبع من أفق أنسانى مستقل وإن لم يكن متناقضا، بالضرورة، مع الأفق الإلهي.
فى سياق تلك النزعة التاريخية يتجلى كيف كان التشابه بين عقلانية محمد عبده التوفيقية، وبين عقلانية ديكارت المثالية، عرضيا وطارئا، فسرعان ما اختلفت المسارات والمصائر بينهما بحسب البيئة الحاضنة لهما، ففى السياق الأوروبى تطورت العقلانية المثالية إلى تجريبية ووضعية، بجهود الفلاسفة الذين تابعوها. أما فى السياق الإسلامى فتولد عن العقلانية التوفيقية تياران متناقضان: أولهما تقدمى حاول دفعها باتجاه نزعة تجريبية حديثة، لكنه أجهض. وثانيهما رجعي، حاول إعادتها إلى نزعة صورية تقليدية، وللأسف فقد نجح. غير أن العقلانية الحديثة هذه تتوزع على اتجاهين مختلفين وإن كانا متكاملين، يشكلان معا روح التنوير. الأول يتعلق بالعقل النظرى الذى أنتج مناهج المعرفة العلمية الحديثة (التجريبية) وصولا إلى ذروتها الداروينية. أما الثانى فيتعلق بالعقل العملى الذى أنتج مفاهيم الحرية السياسية وصولا إلى غايتها (العلمانية)، والذى يندرج فيه كتاب «الإسلام وأصول الحكم» كمحاولة جريئة من الشيخ على عبد الرازق لتطوير عقلانية الإمام النظرية نحو أفقها العملي. إنه الاتجاه نفسه الذى سار فيه جون لوك، انطلاقا من عقلانية ديكارت النظرية، لينزع عن السلطة السياسية قدسية الحق الإلهي، ويجذر لها فى مفهوم العقد الاجتماعي، المعقود بين بشر متكافئين، بدافع مصلحى هو الخروج من حالة الطبيعة الهمجية إلى أفق مجتمع متمدين، يلتصق أعضاؤه معا بصمغ الإرادة الحرة، التى يحرسها القانون العادل بدلا من صمغ القوة العارية التى يمارسها بشر همجيون. لقد أراد الشيخ المستنير، انطلاقا من ذروة المشروع الإصلاحى لدى الإمام، تأسيس علمانية سياسية معتدلة، تقيم السلطة على أساس اجتماعى واضح، يخلو من ادعاءات القداسة، فيقول حاسما: «لم نجد فيما مر بنا من مباحث العلماء الذين زعموا أن إقامة الإمام فرض من حاول أن يقيم الدليل على فرضيته بآية من كتاب الله الكريم، ولعمرى لو كان فى الكتاب دليل واحد لما تردد العلماء فى التنويه والإشادة به». ويضيف جازما: «ليس القرآن وحده هو الذى أهمل تلك الخلافة ولم يتصد لها، بل السنة كالقرآن أيضا، قد تركتها ولم تتعرض لها». بل يصل بجرأة استدلاله، واستعراضه لمراحل صعود الخلافة وتدهورها، إلى تقرير أنها عقد يحصل بالمبايعة من أهل الحل والعقد لمن اختاروه إماماً للأمة بعد التشاور بينهم، تعبيرا عن الأمة، وعن مصلحتها، ما يعنى أصلها البشرى ومرجعيتها الدنيوية. انطلقت التيارات الرجعية لتفترس الرجل على النحو المعروف، بحجة علمانيته، وهى تهمة نقبلها بوصفها تقريظا للرجل، طالما فهمناها باعتبارها محض علمنة سياسية، تنحصر فى نظام إدارة الدولة والمجتمع، وتصوغ العلاقة الأفقية بين البشر/ المواطنين، ولم نفهمها كعلمنة وجودية، تمتد إلى المجال الأخلاقي، وتطول العلاقة الرأسية بين الإنسان والله. ورغم أن بعض المفكرين الذين أرخوا لفكر النهضة العربية، خصوصا د. عبد الله العروي، قد وضعوا الرجل ضمن أرباب التيار العلموى الذى أسموه (الليبرالي) فإننى لا أرى ذلك دقيقا، بل أضعه على رأس التيار النقدي/ التوفيقى الذى نمت بذرته فى مصر منذ العشرينيات وصولا إلى لحظة الذروة فى ستينيات القرن العشرين؛ لأنه وإن دعا إلى موقف ليبرالى ينطوى قطعا على «علمنة سياسية» لم يخطر بباله أصلا أفق العلمنة الوجودية، وما تمثله من رؤية مادية للعالم، ترفض أى حقيقة خارج إطار التجربة الحسية، وتتصور العلم دينا بديلا لأديان الوحي، فليرحم الله الشيخ الجليل، والمفكر المستنير.
[email protected]
لمزيد من مقالات صلاح سالم;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.