في محاولات متكررة هدف التعليم العالي لرفع مستوي الأداء في المنظومة الجامعية المصرية, ومن خلال تلك المحاولات ظهرت علي السطح فكرة قديمة جديدة وهي توقيت بقاء عضو هيئة التدريس لساعات محددة اسبوعيا, وكالمتوقع فقد حاد حسن نية تلك المحاولات عن الصواب فكما يقال إن الطريق لجنهم مليء بالنيات الحسنة, اي ان نتيجة العمل هي الاساس وليس مجرد حسن النية لإحداث الإصلاح والواقع ان الأخذ بما تأخذ به الانظمة الجامعية الحديثة بالعالم ليس اكتشافا او اختراعا اذ ان هذه المحاولات الحالية تهدف إلي ترقيع وضع خاطيء, إذ انها محاولات لاداعي لها اطلاقا بداية من تقسيم هيئة التدريس إلي عدة فئات ووصولا إلي اطلاق تسميات متفرغ أو غير متفرغ بدون التساؤل عن ماذا يقصد بعدم التفرغ هذا اذ ان الموضوع هو تقسيم هيئة التدريس عمريا بدون النظر للقدرة علي العطاء وهكذا جاءت منظومة فكر الجودة بأفكار وآراء ما انزل بها من سلطان في اي منظومة جامعية حديثة ولانعرف لماذ؟. ولو حاولنا ان نعيد الأمور إلي نصابها لعملنا مثل الجامعات المتقدمة في العالم وحاسبنا هيئاتها طبقا للانتاج العلمي والتعليمي وهما هدفا العملية الجامعية برمتها, ولقد لجأت جامعات العالم لذلك المعيار اذ انه غير جارح أو مهين لهيئاتنا التعليمية ولايخل بنظام الجامعة أو يدفع الأمور خارج نطاق السيطرة اذ ان استاذ الجامعة هو اخر من تهدف الدولة إلي اخذ تمام وجوده في عمله زمنيا, بينما العالم يعيش عهد الكمبيوتر والانترنت, ناهيك عن فترة وجوده في معمله أو بين بحوثه المختلفة, ولهذا فقد ابتعدت المنظومة الجامعية الغربية والشرقية عن الربط بين فترة الوجود وجودة العمل, فالمفروض ان استاذ الجامعة الموجود دائما مع بحوثه وتجاربه وطلابه لدرجة انه قد لايستطيع متابعة شئونه الشخصية لانشغاله الدائم وضيق وقته الذي لايتسع إلا لعمله الاكاديمي بانواعه, ولاعجب في ذلك فهو شخص قد استثمرت فيه الدولة الكثير من الجهد والمال واصبحت الدقائق من وقته عالية القيمة لذا لايمكن تقييم عمله من خلال تعاقد علي اساس كم ساعة يقضيها في كذا أو كذا, فالمناطق ان يتم ذلك من خلال الانجاز والانتاج الفكري والاكاديمي من بحوث أو غيرها, لذلك فقد حادت افكار الجودة عن الصواب في تحقيق ماهدفت إليه من أهداف سامية لرفع جودة الآداء اذ اخذت معيارا خاطئا لقياس الاداء الجامعي بمجرد الوجود الزمني وهو مقياس قد يصلح لنوعيات من العمل ليس بينها عمل استاذ الجامعة إطلاقا, ولقد سبق تجريب هذا الوجود الزمني في مصر في سبعينيات القرن الماضي ولم يكن له تأثير إلا استثارة اعضاء هيئة التدريس حينذاك, وكانت ردة الفعل المباشر التغيب عن مواقع العمل دون سبب إلا الشعور بالحرية من الربط الزمني في مواقع العمل الذي نفذ في عدة شهور ثم عدل عنه. ولكل ذلك فان الجامعة بمنظومتها المعروفة عالميا لايمكن ان يكون الوجود الزمني معيارا لجودة الآداء فيها, حيث إن جودة مخرجاتها هي المقياس الطبيعي لجودة ادائها باساتذتها ومدي تأثيرها في مجتمعها ايجابا, ولعلنا نعود إلي جادة الصواب فنسمي الاشياء باسمائها حيث الجودة جودة انتاج علمي واكاديمي, ولقد كان لجامعاتنا في هذا المجال مستوي غيرته الظروف المحبطة التي احاطت بالمنظومة الجامعية, والله يوفقنا إلي خير الوطن.