تفجرت فى الآونة الأخيرة قضية «عودة المتشددين الإرهابيين» من مناطق النزاعات إلى بلدانهم، بدعوى «التوبة»، فقد خرج الآلاف من التونسيين فى مظاهرات صاخبة أمام البرلمان التونسى لرفض عودة هؤلاء الإرهابيين، وردد المتظاهرون شعارات مثل «لا توبة» و«لا حرية» للعصابة الإرهابية، كما رددوا شعارات معادية لراشد الغنوشى، رئيس حركة النهضة فى الائتلاف الحكومى الحالى، المعروف ارتباطها بجماعة الإخوان الإرهابية، وكان الغنوشى قد دعا إلى فتح باب التوبة أمام الراغبين فى العودة إلى البلاد شرط أن يتوبوا إلى الله توبة حقيقية ويتخلوا عن العنف. وتحتل تونس المرتبة الأولى بين البلدان المصدرة للمتشددين الذين يقاتلون مع تنظيمات جهادية إرهابية، خصوصا فى ليبيا وسوريا والعراق، ويصل عدد التونسيين هؤلاء إلى 5500 تونسى وفقا لتقديرات تقرير خبراء فى الأممالمتحدة جرى نشره فى يوليو 2015، وتردد أخيرا أن هذا الرقم قفز إلى نحو 8000 تونسي. ومن المرجح أن تزداد سخونة قضية هؤلاء «الدواعش»، الذين يرغبون فى العودة إلى بلدانهم الأصلية، وقد حمل المتظاهرون التونسيون بشدة على الحكومة، وأكدوا فى لافتات ومظاهرات صاخبة «لا لعودة الدواعش»، و«حماية الشعب من الدواعش مسئولية الحكومة»، وقال المتظاهرون إن الإرهابيين لا يتوبون، وانهم إذا عادوا فسوف يعودون إلى القتل والذبح مثلما توعدوا فى أشرطة الفيديو، وقد زاد الموقف التهابا اعتراف وزير الداخلية التونسى، الهادى مجدوب، أمام البرلمان بعودة 800 من المقاتلين السابقين فى ساحات القتال وبؤر التوتر، واعترف الهادى بضعف منظومة الاستخبارات والاستعلامات فى تونس. وتأتى هذه الأزمة المتصاعدة لتفرض على الكثير من الدول العربية، بل والأوروبية قضية «الدواعش»، وما الذى ينبغى عمله لمواجهة عودة التائبين والأخطر «نهاية مغامرة داعش» وتفرق هؤلاء الإرهابيين فى البلدان المختلفة، وحجم التهديد الذى سوف تفرضه عودة هؤلاء «الذئاب المنفردة» والمحملة بخبرات قتالية هائلة، وبمشاعر كراهية وحقد نظرا لهزيمة خططها ومشروعها الإرهابى، فضلا عن إحساسها بالخيانة من قبل أجهزة استخباراتية ودول إقليمية استخدمت هؤلاء، ثم تخلت عنهم فى منتصف الطريق. ويرى كثير من الخبراء فى مكافحة الإرهاب، أن الموقف الراهن يهدد بتكرار سيناريو «المقاتلين العرب» فى أفغانستان والبوسنة، الذين عادوا إلى بلدانهم الأصلية لينشروا الخراب والدمار، وأسوأ موجات الإرهاب، ولعل أبرزها «العشرية السوداء» فى الجزائر، ويبدو أن الأوضاع فى دول المغرب العربى مرشحة لمزيد من التوتر، خاصة مع تحول تونس إلى «ممر للإرهابيين» ولتجارة الأسلحة غير المشروعة، وأيضا ممر ما بين ليبيا ومالى ودول الساحل والصحراء، ومما يزيد من تعقيد المشهد أن الأوضاع فى ليبيا متدهورة، ولاتزال تعانى من فوضى السلاح والميليشيات والتهريب وهروب الكثير من الدواعش إلى هناك. ويبقى فى النهاية، أن قضية مكافحة الإرهاب والتنظيمات المسلحة، ينبغى أن تحتل أولوية القضايا المهددة للأمن القومى العربى وأمن الدول العربية منفردة، كما أن التهديد الإرهابى لم يعد يستثنى أيا من الدول الأوروبية، أو منطقة من مناطق العالم، الأمر الذى يستدعى ضرورة التكاتف والتشاور بشأن هؤلاء الإرهابيين، والدراسة الدقيقة لمسألة وتجارب «التوبة» و«التخلى عن العنف» فى ضوء تجربة مصر والجزائر، التى تثير الجدل، وباتت هناك علامات شك كثيرة حول هذه التوبة. لمزيد من مقالات رأى الاهرام;