التظاهر أمام البرلمان التونسى بساحة «باردو» بوسط العاصمة (أمس الأول) رفضا لعودة التونسيين الذين انخرطوا فى تنظيمات ارهابية بالخارج ليس إلا حلقة من سلسلة تفاعلات يبدو أنها ستتواصل على الساحة السياسية وداخل المجتمع حول قضية اصبحت اعلاميا معروفة باسم «عودة الدواعش». المتظاهرون الذين تجمعوا أمام البرلمان رفعوا شعارات تعكس قلق الرأى العام مما قد يفعله العائدون بمجتمعهم ومايشكلونه من خطر . وهى شعارات من قبيل: «كلنا معنيون .. كلنا مهددون» و«لاعودة لبائعى الوطن بالمال». ومع أن العديد من المحللين فى تونس ينفون ما تردد عن وجود نية عند أى حزب فى البرلمان للتقدم بمشروع قانون يحمل عنوان «التوبة» من شأنه فتح الباب ل «تعامل لين» مع الارهابيين الدواعش أو ينطوى على اعطاء فرصة للاندماج فى المجتمع، إلا أن القلق يجتاح قطاعات واسعة من التونسيين. وهو قلق تعبر عنه العديد من مؤسسات المجتمع المدنى المؤثرة فى الحياة العامة والسياسية، يتقدمها الاتحاد العام للشغل الحائز على نوبل. فالثابت أن تونس تتقدم دول العالم فى عدد الشباب المتورط فى السفر للقتال مع التنظيمات الإرهابية . وثمة هنا تقديرات تتراوح بين 5 آلاف و 13 ألفا . والآن ومع التطورات الإقليمية والتضييق على داعش فى سورية والعراق وليبيا بدا وكأنه لم يعد خيار أمام التونسيين الدواعش إلا العودة . كما أن حكومات أوروبية تسعى لدى الدولة التونسية كى تسرع باستقبال مهاجريها غير الشرعيين (يطلق عليهم فى تونس الحراقة) على ضوء تزايد ما تبين من تورط إرهابيين بين هؤلاء فى هجمات داخل أوروبا . ووفق تحليلات خبراء التنظيمات الإرهابية بتونس فإن هجومى الدهس فى نيس بفرنسا يوليو الماضى وفى برلين بألمانيا قبل أيام يؤرخان لمولد جيل جديد من الإرهابيين التونسيين جرى تجنيدهم فى أوروبا ويستهدفون أوروبا من داخلها. ولاشك أن تونسيين عديدين لم يستريحوا لما جرى تسريبه فى وسائل إعلام بلادهم من طلب المستشارة الألمانية انجيلا ميركل من الرئيس الباجى قائد السبسى فى اتصال هاتفى الاسراع باستقبال التونسيين من طالبى اللجوء الذين رفضتهم السلطات الألمانية . وثمة خشية من استخدام الحكومات ومراكز المال الأوروبية حاجة الاقتصاد التونسى الى الاستثمارات والمساعدات كى يتعافى لاطلاق أكبر حركة عودة للاجئين التونسيين الى بلادهم ، مع ما قد تحمله هذه العودة من مخاطر تسرب أعداد كبيرة من الإرهابيين أو مشاريع الإرهابيين. وبالتالى شن هجمات تستهدف أمن وسلامة المجتمع التونسى. وثمة بين المرشحين لعودة من خرج الى أوروبا ولم يكن له صلة بتنظيمات الإرهاب المعولم و جرى تجنيده هناك .تماما كما حالة «انيس العامرى» منفذ هجوم برلين. ماحمل الى التونسيين الشعور بأن الخطر داهم هو أن وزير الداخلية الهادى المجدوب أكد أمام البرلمان مساء الجمعة وقبل ساعات من المظاهرة الرافضة لعودة الدواعش ما نشرته صحف تونسية مطلع الشهر الجارى بأن 800 عادوا بالفعل . ويعرب العديد من الأحزاب والجمعيات والشخصيات العامة ووسائل الإعلام على اختلاف توجهاتها عن الخشية من أن تنتكس النجاحات الأمنية التى عرفتها البلاد منذ أكثر من عام بعد التفجير الانتحارى الذى استهدف حافلة لقوات الأمن الرئاسى فى نوفمبر 2015. وهذا مع أن وزير الداخلية فى السياق السابق ذاته قال بأن أجهزة الأمن التونسية لديها المعطيات والمعلومات الكافية عن هؤلاء العائدين، ورغم الاشارات الرسمية بأن العائدين المتهمين بالتورط فى شبكات الإرهاب المعولم إما فى السجون أو تحت المراقبة وتنتظرهم محاكمات وفق قانون مكافحة الإرهاب .وهو قانون يقضى بالسجن على من تورط فى انشطة إرهابية خارج تونس. لكن مأزق رفض السماح للدواعش بالعودة لا يتوقف فقط على الاعتبارات الدولية وبخاصة الأوروبية .علما بأن أوروبا الغربية وبخاصة فرنسا هى الشريك الاقتصادى الأول لتونس والداعم الأكبر لانجاح انتقالها الديمقراطى بعد الثورة . بل أيضا فى أن الدستور الجديد يحظر منع أى تونسى من العودة الى بلاده على أى نحو كان .كما أنه يمنع اسقاط الجنسية . لذا فإن القضية التى تشغل التونسيين على نحو غير مسبوق مرشحة للمزيد من التفاعلات والتداعيات فى المستقبل.