تفاصيل لقاء حنفي جبالي برئيس القومي لحقوق الإنسان    بعد تعديلات النواب، 7 بدائل عن الحبس الاحتياطي في الإجراءات الجنائية    انطلاق مسابقة الطالب المثالي والطالبة المثالية بجامعة أسيوط الأهلية    كرم الضيافة    أوقاف مطروح تنظم ندوة توعوية حول خطورة التنمر بجامعة مطروح    مصر تنقل خبراتها الزراعية المتميزة لدول "الأمن الغذائي الإسلامي" في شراكة لتعزيز الاستثمار والتنمية    صناعة مواد البناء تكشف حقيقة طرح رخص جديدة لمصانع الأسمنت    توقيع بروتوكول تعاون بين «أكساد» والمجلس العربي للمياه    موعد إجراء قرعة الحج السياحي لاختيار 30 ألف فائز    هدية الوداع قاسية، كيف أطلق حراس السجون الإسرائيلية سراح الأسرى الفلسطينيين؟    دينا الحسيني تكتب: «ترامب شاهد عيان».. هل تغيّر الولايات المتحدة سياستها تجاه مصر؟    وكالة الأنباء الفرنسية: الشرع سيطلب خلال زيارته موسكو تسليم بشار الأسد    أحمد الشرع من موسكو: سوريا الجديدة تعيد ربط العلاقات السياسية مع كافة الدول    وزير الدفاع الألماني: إذا اختبر بوتين حدودنا فسنرد بحزم    مباراة الأهلي ونوار البورندي في دوري ابطال أفريقيا.. الموعد وتفاصيل الجولة الأولى بقيادة ييس توروب    قبل قرعة المونديال، تعرف على ترتيب مصر المتوقع في التصنيف القادم للفيفا    العرب في قلب المونديال.. حضور قياسي غير مسبوق في كأس العالم 2026    تأجيل محاكمة 6 متهمين في خلية داعش أكتوبر    للحُكم.. حجز محاكمة صانعة المحتوى «سوزي الأردنية» لجلسة 29 أكتوبر    ضبط 4.5 طن أرز مجهول المصدر وتحرير 325 محضرًا تموينيًا في المنوفية    جهود أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة في مواجهة جرائم التهريب    ضبط أجنبية تدير نادٍ صحي غير مرخص واستغلاله في ممارسة الأعمال المنافية للآداب    النقض ترفض طعن شركة روتانا ضد شيرين عبد الوهاب    الرعاية الصحية تطلق حملة "نرعاك تسمع" لتوفير السماعات الطبية بالمجان لمنتفعي التأمين الشامل    وزير الصحة يبحث إنشاء مراكز تدريب للجراحة الروبوتية في مصر    الإغاثة الطبية بغزة: 170 ألف مواطن فلسطيني استقبلوا بمستشفيات القطاع خلال عامين    المجلس الوطني الفلسطيني يدين إعدامات غزة ويتهم حماس بتكريس الفوضى    وزارة العمل: 134 فرصة عمل جديدة بالعين السخنة    مصر والأردن يفتتحان اجتماع المجلس الوزاري المشترك الثالث لوزراء المياه والزراعة العرب    كشف ملابسات مقتل شخص بطلق خرطوش بالقليوبية وضبط الجناة    توقيع اتفاقية تعاون بين الشركة المصرية لنقل الكهرباء وشركة K&K الإماراتية لتنفيذ دراسات مشروع الربط الكهربائي بين مصر وأوروبا عبر إيطاليا    ستايل خريفي دافئ.. ألوان هتخلي بشرتك تنوّر من غير فاونديشن    تردد قناة Star TV التركية لمشاهدة المسلسلات التركية 2025    هيقولوا مخي اتلحس.. باسم يوسف: خايف من الحلقة الجاية من برنامج "كلمة أخيرة"    ياسمين علي تتصدر تريند مواقع التواصل الاجتماعي.. لهذا السبب    أسعار وطرق حجز تذاكر حفلات مهرجان الموسيقى العربية الدورة ال 33    موتسيبي وأعضاء تنفيذية الكاف يؤكدون حضورهم مباراة السوبر الأفريقي السبت المقبل    بالصور.. وزير العمل: بدء اختبارات المُرشحين للعمل بشركة مقاولات بالإمارات على مهنة سباك    «الرعاية الصحية» تطلق حملة «نرعاك تسمع» لتوفير السماعات الطبية بالمجان لمنتفعي التأمين الشامل    وزير الثقافة: مستعدون لتنفيذ قوافل وفعاليات لأطفال غزة    مكتبة الإسكندرية تفتتح معرض الصور الفوتوغرافية "التراث الأثري الإيبروأمريكي"    قبل ما تدفع غرامة.. شوف إزاي تستعلم عن مخالفات المرور برقم العربية وانت قاعد في البيت    الهلال الأحمر المصري يدفع بأكثر من 400 شاحنة مساعدات عبر قافلة «زاد العزة» | صور    «الوزراء»: 58% من العارضين في «تراثنا» سيدات    إنجاز دولي في الرعاية الصحية.. «الإسكوا» تمنح «جهار» جائزة النجمات الذهبية    محافظ أسوان يدشن وحدة الكلى الجديدة بمستشفى كوم أمبو المركزي    موعد امتحانات نصف العام الدراسي الجديد 2025- 2026 واختبارات شهر أكتوبر    انخفاض درجات الحرارة يتسبب في ارتفاع أسعار الدواجن بالبحيرة    الإفتاء توضح حكم شراء الشقة عن طريق البنك بفائدة ثابتة    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء في سوهاج    محافظ أسيوط يتفقد موقع حادث سقوط تروسيكل بمصرف قناطر حواس بمنقباد    المستشار القانوني للزمالك: زيزو مديون للأبيض.. ولم نطلب التأجيل من اتحاد الكرة    متى يكون سجود السهو فى الصلاة قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح    اليوم.. المغرب يواجه فرنسا في نصف نهائى كأس العالم للشباب    الإفتاء: السير المخالف في الطرق العامة محرم شرعًا ويُحمّل صاحبه المسؤولية القانونية    مباراة بتروجت تحسم مستقبل محمد شوقي مع زد    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان غير موفقًا    هل شراء شقة عبر البنك يُعد ربا؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالم التفاهة والفوضى
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 12 - 2016

أوصاف عديدة بدأت فى الظهور مجددا فى بعض الخطابات الفلسفية حول وصف حالة العالم المابعدى الذى نتحرك فى إطاره كعالم «المديوكر»
«التفاهة» وذلك عقب فشل بعض مقاربات العولمة، وما بعد الحداثة كأطر نظرية ومنهجية وتحليلية لوضع عالمنا المتغير، وتقوض أبنيته، وتمدد العنف الهيكلى والفردى الفوضوى والدينى والمذهبى والفوضى من بعض الجماعات المسلحة والإرهابية، والحروب الأهلية. عالم يبدو إقصائيا، تفشل فيه الهبات الجماهيرية والانتفاضات الثورية كما حدث فى الإقليم العربي. لم تعد المقاربات النظرية والتحليلية، ومعها عديد المصطلحات والمفاهيم المفتاحية قادرة على إمدادنا بطاقة نور لفهم ما يحدث حولنا، وبنا وأصبحت لغتنا الاصطلاحية تبدو ميتة أو متكلسة لا تفسر شيئا بل أحيانا لا تصف شيئا. تعقدت الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وتداخلت، ولا نملك سوى آلة نظرية قديمة - أصبحت هكذا - رغم جدة بعضها تبدو عاجزة أمام انفجارات التغير السريع والمكثف، تحت وطأة العنف المتمدد، والخوف والكراهية، والإقصاءات، فى ظل انفجارات شعبوية فى القاموس السياسى لرجال الدولة ونسائها، وفى اللغة الإعلامية السطحية والآثارية والتافهة فى غالبها لاسيما لدينا فى مصر، وفى الأجهزة الإعلامية العربية الفضائية وغيرها. ظاهرة لم تعد قاصرة على إمبراطوريات التفاهة والتسطيح التى تنتج وتنشر الجهالة والغموض والفوضى والاضطراب! فى بلادنا والمجتمعات العربية، وإنما تلمس وتسمع بعض ملامحها الشعبوية فى إمبراطوريات إعلامية كونية!
الكراهية، ورفض الآخر الذى يختفى فيما وراء بعض من اللغة الناعمة يسرى فى اللغة ومفرداتها وتعبيراتها ومجازاتها، ولا أحد يتوقف أمام هذا السيل المنهمر من الازدراءات الأخلاقية والقيمية والدينية والمذهبية والمعيارية التى تجدها فى الخطابات السياسية والدينية والثقافية، وهى لغة تقود إلى الفوضى المحمولة على الهدم لا البناء، وعلى العنف المفتوح على الخوف الذى بات يوميا وآنيا، خوف فيزيقى ورمزى وكينوني، حيث يبدو وكأن لا أحد يمتلك رؤية أو رؤى حول المستقبل! هناك الخوف المقيم فى المستقبل الآتى الذى يبدو وكأنه يزرع اليأس وغياب الأمل الجماعى والفردي.
خوف عدمى يتناسل من رؤى دينية وضعية دموية ماضوية يعود بعضهم إليها محاولا هدم العالم ومواريثه ونظراته المتراكمة، ومنجزاته، ورؤاه من أجل العودة لإعادة إنتاج عوالم مضت وانهارت. محاولة عصابية وهيستيرية ووحشية من بعضهم لإعادة تجريف الإنسان وصياغته وفق أهواء ساعية لاختزال العالم والإنسان وفق قوالب ماضوية قديمة وصارمة، تبدو وكأنها عملية لهدم التاريخ ذاته، وإعادته إلى لحظة زمنية محددة فى مكان محدد هو هذه المنطقة من عالمنا العربى التى تعانى من أزمة كبرى فى تطورها الإنسانى والسياسى والاجتماعى والثقافى والاقتصادي. منطقة وشعوب ودول تبدو عصية على اللحاق بعالمها المتغير، وليس لديها من الإرادة والعزم التاريخى على مواجهة أكاذيبها ذاتها الجماعية وذواتها «الفردية» - لايزال الفرد والفردانية مشروعا تاريخيا فى طور التشكل الاجتماعى - بأوهامها وأساطيرها الوضعية والشعبية. دول ونظم سياسية تستدعى الكولونيالية الجديدة والإمبريالية المعولمة لكى تحتمى بها من مخاطر تهددها فى جغرافيتها السياسية، وفى تماسكها، وتحملُ معها التفكك، والاضطراب، والفوضي. ثمة هيمنة للتفاهة على عقول بعض النخب السياسية الحاكمة والمعارضة، وغياب للرشادة السياسية والعقلنة والخيال والحس السياسى الخلاق، والقدرة على الاعتراف بالأخطاء والقابلية لاستيعاب التراكم فى المشكلات وفشل التجارب فى السياسة والتنمية، والتعليم والصحة والثقافة والإدارة والتربية، وأنماط التدين الشعبى السائدة، وفى فشل غالب رجال الدين - لا كلهم - وعجزهم عن التجديد والاجتهاد فى الفكر الدينى الوضعي، وعدم رغبتهم فى الاعتراف بعجزهم، فى استيعاب الأسئلة الجديدة والمشكلات المعقدة، والتحديات الوجودية التى تواجه الإنسان العربى المهدور والمستباح فى حرياته وكرامته وجسده من خلال الاستبداد والقيود والتعذيب والإكراه السلطوي.
تفاهة بعض النخب السياسية والمعارضة كشفت عنها وعلانية سنوات الانتقال السياسى والعودة إلى التسلطية السياسية مجددا، والتى قاربت على السنوات الست فى المنطقة، وما خلفته من دمار وانهيارات دول ونظم سياسية وحروب أهلية، وخوف، وتشرد وهجرة قسرية وجوع وحرمان! تفاهة إمبراطورية مهيمنة، تكشف عن انهيار التعليم والثقافة والتخصص والتربية جعل من خطاب غالب رجال الدين ودعاة الطرق وناشطى الفتن الطائفية، والمذهبية المسيسة لغوا وراءه لغو، هم سادة الفوضى والكلام الفارغ والطبول الجوفاء واللغة الخشبية العقيمة، هم يشكلون وبعض النخب سلطة الفوضى ومعهم عديد النشطاء السياسيين، ولغو وثرثرة الخطابات النمطية الغربية المستعارة. تفاهة حاملة لضوضاء لغوية لا تُبين! عالم التفاهة وراءه المديوكر، والمنيوكر - ما دون المتوسط وما دون الحد الأدنى - من المعرفة والتخصص والوعى السياسى والاجتماعي، حيث يتجلى تخصص هؤلاء المديوكر والمنيوكر فى كل التخصصات، والعلوم، ويفتون فى السياسة والاقتصاد والثقافة والدين والرياضة والفنون، إفتاء بلا علم ولا تخصص!! سلطة إفتاء لا مرجعية علمية وتخصصية لها، وإنما يمكن أن نطلق عليهم مفتو وخبراء الشارع، حيث انطباعات سطحية تقال، عارية عن المعلومات المنضبطة، والمدققة، مفتو وخبراء الشارع ومعهم بعض النشطاء الإعلاميين يثرثرون ويلغون ويشيعون التفاهة والفتنة بين المتلقين.
تفاهة وشعبوية سطحية ابنة الفوضي، وناشرة ومنتجة لها، نحن لا نملك ترف الحياة داخلها أو متعة مشاهدتها والتكيف معها، وإلا سنواجه طوفان التفاهة والفوضى والتفكك والانهيارات والجوع والموت المعلن! لا اختيار أمامنا إلا مواجهتها مصريا وعربيا وبحزم!
لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.