مطلوب من المجلس الأعلي للقوات المسلحةأن يقاوم بكل ما أوتي من قوة إغراءات وغوايات السلطة الفرعونية في مصر, ومطلوب منه أيضا أن يؤكد إلتزامه بخطوات نقل وتسليم الحكم في البلاد إلي الهيئات المنتخبة بأسرع ما يمكن, فإذا كان من الواجب أن يصبح الرئيس السابق. آخر فرعون, فعلي المجلس العسكري أن يحاذر كثيرا من أن أسس وقواعد الإستبداد مازالت راسخة وقوية في المجتمع المصري, ومازال من السهل جدا أن تصبح أكثر الهيئات حبا في الديمقراطية أشدها استبدادا وتسلطا. (1) ليس معقولا ولا مقبولا أننا لا نعرف كيف نختار أو ننتخب رئيسا, بعد أن إتضح اننا لم نعرف كيف نختار برلمانا. فقد وضعنا قانونا خاصا لإنتخابات الرئاسة و خصصنا لجنة من أكبر القضاة لهذه المهمة وجري تحديد الأيام التي ستتم فيها الإنتخابات علي جولتين, وتسابق المتنافسون علي الفوز بالرئاسة وخرجت الملايين في الجولتين وأدلت بأصواتها. الغالب إذن إنه يجب أن تستقر قاعدة أن إقبال الناس علي التصويت في الانتخابات هو إعتراف جماهيري بحجية القانون الذي تجري علي أساسه, يفوق في قوته رأي أي محكمة ولو كانت المحكمة الدستورية العليا أو لجنة الإنتخابات الرئاسية, فإذا كانت هناك أية عيوب أو ملاحظات علي إجراءات الإنتخابات أو القانون المنظم لها فإنه يمكن تدارك هذه الملاحظات في الإنتخابات المقبلة بعد أربع سنوات, المهم أن تستقر قاعدة إحترام الإرادة الشعبية, فهذا يخرجنا من المربع الأول الخبيث الذي كلما غادرناه عدنا إليه بحجج وذرائع قانونية مختلفة. فمدام أننا لا رئيس جمهورية ولا برلمان أو دستور فلمن تنتقل السلطة, لا أحد. إذن فسيبقي المجلس الأعلي للقوات المسلحة في السلطة إلي أجل غير مسمي. (2) المطلوب من المرشح الفائز وبالذات في حالة الدكتور مرسي أن يبادر فور إعلان فوزه بإختيار مجموعة سياسية متباينة الميول والأهداف لتصبح نوابا للرئيس, تضم في تكوينها إمرأة وقبطي و إثنين علي الأقل من التيارات الليبرالية, ويحدد لكل واحد من هؤلاء صلاحيات محددة حتي لايكونوا مجرد أسماء بلا أدوار فعلية, ونطالبه أيضا بأن يتبع في إختيارته لرئيس مجلس الوزراء والوزراء نفس القاعدة وأن يدرك أن هناك عناصر اخري ممتازة وعلي قدر عال من الكفاءة والنزاهة في المجتمع تتشرف أي حكومة بوجودهم فيها, وأن الأمر ليس مقصورا فقط علي الإخوان المسلمين. وندعو الرئيس القادم إلي أن يمارس صلاحياته بهدوء وبخطوات وئيدة واثقة حتي يستقر له الأمر, وعليه ألا يتعجل الدخول في صدام مع المجلس الأعلي لأنه خسارة لكليهما وعليه ألا ينسي أن القوات المسلحة وأجهزة الأمن القومي والشرطة نشأت طوال ستين عاما علي عقيدة أن الأخوان المسلمين خونة وخطر علي البلاد وضد المصالح العليا لها وأنهم لايتورعون عن التعامل مع الأعداء أيا كانوا بما يحقق مصالح الإخوان ولايحقق مصالح الشعب. ولاشك في أن مثل هذه الدعاية لاأساس لها من الصحة ولكن التعامل معها وضحدها يحتاج إلي نفس طويل وصبر, فكما نشات أجيال علي هذه الدعاية تحتاج المسألة إلي أجيال تنشأ علي فكرة أن الأخوان ناس عاديين مثلهم مثل سائر المصريين يبغون المصالح العليا للبلاد ويدفعون عنها أي ضرر, وهذا لن يتأتي إلا بممارسات وأفعال سليمة يراها الناس بأعينهم وتكون تكذيبا للدعاية السابقة وفي الحسبان دائما أن الإخوان كانوا قوة المعارضة الرئيسية للنظام طوال الفترة منذ ثورة يوليو حتي ثورة يناير (3) يتردد بين المصريين بقوة أن الرئيس السابق هو آخر فرعون حكمهم ويدركون جميعا إنه عندما نزل عن السلطة فوض المجلس الأعلي بجميع صلاحياته, وعلي ذلك فالمنطقي إذا أن السلطة الفرعونية لها أسس وقواعد قوية راسخة في المجتمع يمكن أن تعود إلي سابق عهدها من التسلط والإستبداد بسهولة, وعلي ذلك فإنه ليس صحيحا أن مصر لا يمكن أن تعود إلي الأوضاع التي كانت عليها قبل25 يناير وأن مصر قد تغيرت إلي الأبد.والحقيقة أن المجلس الأعلي أظهر عن طريق الإنتخابات النزيهة التي أجريت خلال تلك المرحلة والإعلان الدستوري الأول وتعهداته بتسليم السلطة في موعد غايته30 يونيو والكثير من مواقفه تبين إنه لا يسعي فعلا إلي الإستيلاء علي السلطة وحيازتها لنفسه, لكن المؤسف أن الإعلان الدستوري المكمل والصلاحيات الإضافية التي زود بها المجلس نفسه وقص أجنحة صلاحيات رئيس الجمهورية المقبل, كل هذا قد يكشف عن إتجاه مناقض وعن نية للإستمرار في السلطة والواقع أن الدور الذي قام به المجلس في الإنحياز لثورة يناير في أول يوم هو دور مشرف نتمني ألا يحيد عنه تحت إلحاح وغواية القوي الاجتماعيةالمناوئة للثورة بأن يستولي هو علي السلطة مادامت أنها لا تجد أمامها أي فرصة لكي تستولي هي عليها. المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن