على مدى عقود كانت دولة الرفاه هى النمط السائد فى منطقة الخليج، حيث متوسطات الدخول العالية مع عدم وجود ضرائب على المواطنين الذين يتمتعون بكهرباء ومياه ووقود وخدمات مختلفة بأسعار رمزية تتحمل فيها الدولة التكلفة الفعلية، ويدعم ذلك فوائض الميزانيات العامة العالية الناتجة عن التدفقات النقدية للنفط، تلك السلعة الحرية التى تخرج من باطن الأرض لتصنع لأصحابها دولة الرفاه. لكن مع انهيار أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة من نحو 120 دولارا إلى نحو 40 دولارا فى المتوسط وعدم وجود أفق لعودة الاسعار إلى هذا المستوى مرة أخرى فى المستقبل القريب، بدأت دول الخليج فى إعادة حساباتها مع ظهور عجز فى ميزانياتها العامة، ولم يكن هناك سبيل لمواجهة الوضع الاقتصادى الجديد سوى رفع الدعم عن كثير من السلع والخدمات وخاصة الوقود وفرض ضرائب على المواطنين والمقيمين، وغيرها من إجراءات التقشف التى تعنى نهاية دولة الرفاه. ويشير صندوق النقد الدولى إلى أن الإيرادات النفطية في ميزانيات دول مجلس التعاون هذا العام من المتوقّع أن تكون أقل بنحو 325 مليار دولار، مقارنة بعام 2014، أما العجز المالي المتراكم بين عامى 2016 و2021 فسيبلغ نحو 475 مليار دولار. ويعد الشكل الأبرز للتوجه الخليجى نحو التقشف وتغيير السياسات الاقتصادية بما يتناسب مع الأزمة هو التوافق بين دول مجلس التعاون الخليجى على فرض ضريبة القيمة المضافة خلال عام 2018، وسبق ذلك اتخاذ دول الخليج عددا من الخطوات المهمة حيث قامت الإمارات منذ يونيو الماضى بتحرير أسعار الوقود، ورفع تعريفة الكهرباء في أبوظبى، ويُتوقع أن يوفر ذلك مئات المليارات من الدولارات. وقامت الكويت مطلع العام الحالي ببيع بعض مشتقات النفط بأسعار السوق، كما خفضت الإنفاق بنسبة 17%، وهي في طور زيادة أسعار الوقود والمياه والكهرباء، بينما أعلنت السعودية فى نوفمبر الماضي إرجاء المشاريع «غير الضرورية»، ودراسة إصلاحات في مجال دعم أسعار مواد الطاقة، وخصوصاً أن صندوق النقد شدّد على أن السعودية قد تستنفد احتياطاتها في أقل من خمس سنوات، إذا «فشلت في تنفيذ إجراءات التقشف»، ومثلها البحرين، التي أعلنت، مع قطر وسلطنة عمان، وهي دول غنية بالغاز، أنها في طور دراسة إجراءات لتقليص الإنفاق وخفض الدعم. وفي تقرير حديث لصندوق النقد الدولى، إنه رغم تدابير الانضباط المالي التى اتخذتها دول مجلس التعاون الخليجى، فان عجز ميزانياتها سيظل كبيراً على المديين القصير والمتوسط، مضيفاً أنه إذا أُخذت بعين الاعتبار إجراءات السياسة المالية المعلنة، فمن المتوقع أن تسجل كل الدول الخليجية عجزا ماليا هذا العام، بينما من المتوقع أن تسجل الكويتوالإمارات فقط فوائض مالية في 2021. وقال التقرير إن كل دول مجلس التعاون الخليجى صاغت خطط تنمية استراتيجية، تركز على الابتكار وتهدف في الوقت ذاته إلى تقليص حصة الناتج المحلى الإجمالى الناتجة عن قطاع الطاقة. وأحرز صناع السياسة من جانبهم بعض التقدم في زيادة دور القطاع الخاص، بما في ذلك مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الكويت وسلطنة عُمان والإمارات، علاوة على أن العديد من بلدان المنطقة تقوم بتطوير خطط خصخصة طموح، منها لا يزال في مراحل التخطيط كما في الكويت وعُمان والسعودية. وذكر تقرير الصندوق أن تحسن رأس المال البشري مهم لتمكين دول التعاون من توفير فرص عمل جاذبة لمواطنيها في القطاع الخاص، مشيراً إلى أن هذه البلدان شهدت فجوات ملحوظة فيما يتعلق بالتعليم العالى والتدريب، والأبحاث ورأس المال البشرى. فعلى الرغم من النمو القوى، الذي شهده القطاع غير النفطى خلال ذروة ارتفاع أسعار النفط، فإن فرص التوظيف أمام المواطنين الخليجيين في القطاع الخاص ظلت ضعيفة. ويقول صندوق النقد الدولي ان الروابط الضعيفة بين النمو وتوظيف القطاع الخاص للمواطنين في الخليج يعكس سياسات سوق العمل، التي استخدمت توظيف القطاع الحكومى للمواطنين، كطريقة لتوزيع الثروة بين أفراد الشعب، في حين أن الطلب للعمل في القطاع الخاص تم استيعابه عن طريق استيراد العمالة. على سبيل المثال، تبلغ نسبة المواطنين الذين يعملون في القطاع الحكومي بالبحرين 37%، وفي قطر 87%، وتشير وثائق لعام 2015 إلى أن ارتفاع النمو في القطاع غير النفطي بدول الخليج لم يتم ترجمته بسرعة إلى فرص عمل للمواطنين، ورغم قوة نمو التوظيف في هذه الدول، فإن حصة المواطنين من إجمالي التوظيف لم تشهد تغيراً كبيراً. علاوة على ذلك، لفت التقرير إلى أن استثمارات القطاعين العام والخاص في دول التعاون تميل إلى الارتباط بشكل إيجابي مع أسعار النفط، على سبيل المثال، خلال الفترة بين 1991 و2002، كانت الاستثمارات الحكومية كحصة من الناتج المحلى الإجمالى أقل 4% كمعدل وسطى مقارنة بالفترة بين 2003 و2014. والأوضاع الإقتصادية الجديدة فى دول الخليج لا تهم شعوب هذه المنطقة فقط، ولكنها ستؤثر بالتأكيد على كل من يرتبط بالخليج بشكل أو بآخر، فنحن فى مصر على سبيل المثال سوف نتأثر بهذه الأوضاع من عدة جوانب، ففى كل الأحوال سيتأثر حجم المساعدات الخليجية لمصر بمختلف أشكالها بهذه الأوضاع، إلى جانب توقع انخفاض الطلب على العمالة المصرية فى دول الخليج بسبب إجراءات التقشف والاتجاه نحو توطين فرص العمل المتاحة، وعلينا أن نستعد لذلك فى أزمتنا الاقتصادية أيضا. كلمات: أى شخص يتوقف عن التعلم هو عجوز سواء كان فى العشرين أو الثمانين. هنرى فورد لمزيد من مقالات فتحي محمود;