تعتبر زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لأوغندا فى الثامن عشر من ديسمبر الجارى فى خطوة جديدة مهمة على طريق تنمية العلاقات المصرية الأوغندية، التى تطورت بشكل إيجابى منذ وصول الرئيس المصرى إلى السلطة فى يونيو2014، حيث يلتقى طموح الرئيس المصرى فى استعادة الدور المصرى الفاعل فى القارة السمراء مع الرؤية الإصلاحية التى يتبناها الرئيس موسيفنى للتنمية فى بلاده. اللقاء الذى جرى بين الرئيسين المصرى والأوغندى لم يكن هو الأول من نوعه بينهما، فقد سبقته لقاءات عديدة. وتكتسب الزيارة أهميتها فى ضوء التحديات التى تجابه المصالح المصرية فى إفريقيا، سواء تلك المتعلقة بتهديد الأمن المائي، وأمن البحر الأحمر، ومراقبة الحدود، أو محاربة أنشطة تهريب السلاح والاتجار بالبشر وغيرها. وهى بلا شك تحديات توجب على القيادة السياسية التحرك لمواجهتها، فلم يعد لدينا رفاهية الانتظار أو الانعزال عن التفاعل مع قضايا القارة. فى هذا الإطار، تعتبر أوغندا واحدة من أهم الدول الأفريقية التى يشكل توثيق العلاقات معها، مدخلاً مهماً صوب استعادة الريادة الإقليمية وصون المصالح المصيرية. فهى واحدة من دول حوض النيل، التى تحتفظ بخطوط اتصال قوية مع دول البحيرات العظمى والقرن الإفريقي. كما أنها صاحبة تجربة مهمة فى التنمية التى مزجت بين الاعتماد على الذات، والانفتاح على العالم، وهو ما حولها من دولة حبيسة، إلى ثالث أكبر اقتصاد نام فى شرق القارة الإفريقية. كما تمارس أوغندا دوراً فاعلاً فى إطار التنظيمات الإقليمية التى تتمتع بعضويتها، سواء على مستوى التنظيم القارى (الاتحاد الإفريقى)، أو التنظيمات الإقليمية الفرعية. وعلى ذلك تبدو أهمية توثيق العلاقات الثنائية المصرية الأوغندية، فالمسوى الراهن للعلاقات التجارية بين الدولتين مثلاً لا يتسق مطلقاً مع ما تتمتعان به من موارد وإمكانات. فهل يعقل مثلاً أن يكون حجم التجارة المصرية الأوغندية فى حدود ال60 مليون دولار، فى الوقت الذى تعتبر فيه أوغندا ثانى أكبر مصدر للبن فى إفريقيا بعد إثيوبيا، وهل من قبيل الرشادة الاقتصادية استيراد مصر للحوم من دول أمريكا اللاتينية فى حين تزخر أوغندا بثروة حيوانية طائلة. لذا تبدو أهمية مجابهة التحديات التى تعوق انسياب حركة التجارة المتبادلة، ومن أهمها عدم وجود طرق برية مباشرة تربط الدولتين، فإذا كانت كينيا قد استطاعت التغلب على هذا التحدى عبر إنشاء خط للسكة الحديد بينها وبين أوغندا، فإن مصر أولى بذلك. وقد سبق أن طرح الرئيس المصرى مبادرة للربط بين الدول الإفريقية، عبر طرق برية، وخطوط للسكك الحديدية، بمشاركة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. وعلى صعيد الأمن المائي، تبدو أهمية إيصال الصوت المصرى إلى بقية دول منابع النيل، ومنها أوغندا بالطبع، والتى تتبنى موقفاً داعماً للسياسة الإثيوبية فى إنشاء سد النهضة، اعتقاداً منها فى أن القاهرة تمثل عقبة فى طريق التنمية فى حوض النيل. فمصر لا يمكن أن تحرم الآخرين من حقهم فى التنمية، لكنها لا يمكن أن تتحمل أى تهديد لأمنها المائي. ولهذا تبدو أهمية طرح مبادرة مصرية تقوم على تحويل نهر النيل إلى ممر للحياة والتنمية لكل أبناء دول حوض النيل، وليس محوراً للتنافس بينهم، استناداً إلى مبادئ القانون الدولى والمصالح العادلة الشعوب. من جهة أخري، فإن المسئوليات الأمنية الملقاة على عاتق مصر إزاء القارة الإفريقية، بحكم عضويتها غير الدائمة فى مجلس الأمن الدولى، وعضويتها فى مجلس السلم والأمن الإفريقى، توجب عليها التعبير عن الشواغل الأمنية للقارة. وهو ما يتطلب التنسيق والتشاور المستمر مع الدول الإفريقية الفاعلة، ومنها أوغندا. وهو أمر تتجلى أهميته فى ضوء أن كلا من مصر وأوغندا، تكتويان حالياً بنيران الإرهاب، وأن كلاهما يتأثر بشدة، جراء تفاقم الصراعات فى كل من الصومالوجنوب السودان والسودان، والتى تنعكس سلباً على إمكانات التعاون الإقليمى، خاصة فى مجال المياه والطاقة، وتهدد بانهيار الأمن والاستقرار فى القرن الأفريقى وحوض النيل، خاصة فى ظل التدفقات المحتملة للاجئين، والمجاعات التى تضرب الإقليم، والتحذيرات الصادرة عن الأممالمتحدة من احتمالات للإبادة الجماعية فى جنوب السودان. يضاف إلى ذلك أهمية التنسيق بين الدولتين فى إطار قضايا العمل الإفريقى المشترك، والتى يأتى فى مقدمتها تدعيم الرؤية الافريقية لإصلاح مجلس الأمن الدولى، بما يضمن حصول أفريقيا على مقعدين دائمين مشفوعين بحق الفيتو، وثلاثة مقاعد غير دائمة أخري. وكذا إزالة العقبات التى تعترض إنشاء القوة الإفريقية الجاهزة للانتشار السريع، والتى أضحى قيامها ضرورة ملحة، فى ضوء تواتر التدخلات الأجنبية فى القارة، مثلما يحدث حالياً فى مالى وإفريقيا الوسطى. وبعد، فإن التحديات المشتركة التى تواجه كلا من مصر وأوغندا، والمصالح الكبيرة والمتنوعة التى تربطها، توجب على قطار العلاقات بينها التحرك العاجل لإقامة مشروعات مشتركة، على جميع الاصعدة، خاصة فى مجالات التعاون المائى والزراعة والصناعات الصغيرة، وذلك على أساس مبدأ المشاركة والندية، على أن يكون ذلك نموذجاً يحتذى لتنمية العلاقات المصرية مع الدول الافريقية الفاعلة مثل جنوب أفريقيا وزيمبابوى ونيجيريا والسنغال وغانا وغيرها. ---------- د . ايمن السيد شبانة معهد البحوث والدراسات الإفريقية جامعة القاهرة لمزيد من مقالات د . ايمن السيد شبانة;