مازالت القرارات الحكومية مؤلمة للطبقات الوسطى والفقيرة بشكل غير مسبوق، بل إن الواقع يشهد بتراجع عن تصريحات سابقة تشير إلى ضرورة تعويض هذه الطبقات بزيادة الرواتب ب 50% حال الأخذ بتعويم الجنيه، قبل أن يصدر هذا القرار بشهور، وهو أمر عجيب حقا!! فالحديث دائر عن زيادة الأسعار التى لاتتوقف، وترك المواطنين فريسة للجشع والفساد مع استمرار الصمت الحكومى فى الفعل. والغريب فى الأمر، ما أعلنته الحكومة على استحياء ثم شرحه وزير التموين بوضوح، أن الحكومة قررت مراجعة البطاقات التموينية، ووضع سقف كحد أقصى يبلغ عشرة آلاف جنيه لمن يستحق البطاقة التموينية، ومن فوق ذلك لايستحق!! والمبرر أن الدعم يجب أن يذهب إلى مستحقيه، وهم غير القادرين، والفقراء إلخ هذه المصطلحات المبهمة وغير الواضحة والمطاطة، بل أن الاتهام أصبح مباشرا للشعب من جانب الحكومة، بأنه شعب فاسد، يتحايل على الأمور ليحصل على ما لا يستحق!! فالحكومة إذن تعالج مشكلاتها الرقمية (العجوزات فى كل شئ) لترسم واقعا رقميا افتراضيا يمكنها معادلة الاستثمار الأجنبى الذى لم يأت وأتوقع أنه لن يأت!! كما أن الحكومة هزت نفسها حبتين، وأعلنت أنها سترفع حصة الفرد فى البطاقة التموينية بمبلغ (3) جنيهات!! وقالت إن ذلك من شأنه تحميل الحكومة لأعباء حكومية تصل إلى (4) مليارات جنيه وتعجبت من هذا الكذب الصارخ، فاجمالى عدد المستفيدين من البطاقات التموينية (70) مليونا، سيتم صرف ثلاثة جنيهات لكل فرد، فالاجمالى هو (210) ملايين جنيه فقط، فمن أين إذن ال (4) مليارات جنيه؟! أليس هذا من التصريحات الكاذبة للحكومة على الشعب وتدليسا عليه واهانة له بهذا المبلغ الزهيد للغاية!! ثم رفعت الحكومة سعر السكر فى البطاقات التموينية ليصل إلى (7) جنيهات بدلا من (5) جنيهات للكيلو، فارتفع سعر السكر فى السوق، بل واختفى للأسف!! وسط صمت حكومى والأغرب أن مازادته الحكومة لكل فرد، استعادته فى رفع سعر كيلو السكر فى البطاقة التموينية، فما هذا العبث، والضغط غير الرحيم وغير الآدمى على الفقراء والطبقة الوسطى؟! إذن البطاقات التموينية وسيلة للدعم المباشر للفقراء، واستمرارها ضرورة حتمية، ومن يفكر فى الاقتراب منها، فانه يلعب بالنار، لأنها الورقة الأخيرة إذا انفرط عقدها، فلا يتصور أحد ما يمكن أن يحدث فى هذا البلد الآمن. ومن ثم أود إيضاح مايلى: 1 أن جميع أصحاب الرواتب الحكومية يستحقون الدعم، والبطاقة التموينية مهمة لكل أسرة، ولايوجد سقف كفاصل بين من يستحق ومن لا يستحق، فأيا كانت الرواتب، فالجميع يستحقون بلا جدال. ويكفى القول إن حجم القوة الشرائية للرواتب الذى لم يرتفع جنيها واحدا قد انخفض ما يوازى 50% على الأقل من لحظة تعويم الجنيه، وأقول ذلك لمن يتباهون فى الحكومة بأن القرار ناجح، حيث دخل للدولة مليارات من الدولارات ستمكنها من شراء السلع الضرورية!! 2 إن جميع أصحاب المعاشات وعددهم يصل بمن يعولونهم إلى (20) مليونا، يستحقون الدعم والبطاقات التموينية، وليس من الأخلاق تخفيض أو زيادة أسعار السلع بالبطاقة، لهؤلاء الذين لم يرتفع معاشهم جنيها واحدا!! 3 الحرفيون وعمال الزراعة والمؤمن عليهم، يستحقون البطاقة التموينية، وليس لدى رقم بهم وهم كثيرون. 4 أصحاب الأعمال الصغار، يستحقون البطاقات التموينية، وليس لدى رقم بهم وهم كثيرون. ولو حسبنا الموظفين الحكوميين حتى نائب وزير، وعددهم (7) ملايين بمن يعولونهم، يصل إلى (35) مليون مواطن فى المتوسط، وأصحاب المعاشات (20) مليون مواطن، ويضاف إليهم الحرفيون والمزارعون وأصحاب الأعمال الصغار، لوصل العدد (70) مليون مواطن هم من يحصلون على سلع البطاقات والدعم، فلماذا إذن تثار هذه المسألة بين لحظة وأخرى؟! أرى أن الحكومة تفعل ذلك كأوراق مناورة وتفاوض، لتعطى نفسها مساحة فى فعل ما تريد، وجميع ما تفعله ضد الغالبية من الشعب وهم فقراء. وكلامى لا يعنى مراجعة البطاقات التموينية لحالات الوفيات فقط، وما عدا ذلك فجميع الفئات التى أشرت إليها تستحق البطاقات التموينية والدعم العينى والسلعى، وبلاش وكفاية، الله يسامحكم، حديث عن الدعم وذهابه لمستحقيه، لأنه اهانة للفقراء والطبقة الوسطى التى تهبط إلى القاع يوميا والحكومة لاتريد أن ترى ذلك، لأن عيونها للأسف متجهة للأغنياء، وظهرها أعطته للفساد ليستمر ويستفحل، رغم تقديرنا لكل جهود جهاز الرقابة الادارية. لمزيد من مقالات د. جمال زهران