هذه الأيام طفت على السطح أحداث مفتعلة من لدن شياطين الخراب، ممن لا يعبئون بقرار أمن دانهم أو باقتراح، ممن تربوا على الاستبداد والهيمنة على مصالح البلاد والعباد. وراحوا يكيدون للوطن الغالي ليل نهار ويؤلبون أبناءه على بعضهم؛ كي يظل في تراجعه وافتراقه وتشتته ولم يتحرك لهم ضمير لرأب الصدع ولا لضمد الجرح الذي ينزف ليل نهار، فكفانا خسارة وتعطيلاً وهدرًا للثروات والطاقات يا أبناء الوطن. ها نحن قد رأينا قَتَلَةَ سيد بلال - يرحمه الله - من المجرمين الذين خلعوا إنسانيتهم، وعذبوا شبابًا برآء حتى الموت، ثم راحوا يذهبون بسيد بلال بعد أن أزهقوا روحه إلى مركز طبي؛ كي يبرئوا أنفسهم من قتله؛ محاولين أن يلصقوا به وبرفقائه جريمة فعلها العادلي ورجاله، والله غالب على أمره {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]. ورأينا حماة الوطن من رجال المجلس العسكري، الذين كم أثنينا عليهم إحسانا للظن بهم، وهوجمنا في ذلك من هذا المنبر، وهم الذين كم رددوا أنهم سيسلمون السلطة إلى رئيس مدني، وأنهم لا يرغبون في البقاء فيها؛ فإذا بهم يلتفون على إرادة الأمة، ويحلون برلمان الثورة الوليد، مهدرين مليارات الجنيهات، والشعب يئن من الفقر والجوع والمرض، بل راحوا أيضًا يعطلون الجمعية التأسيسية للدستور كي يفرضوا أنفسهم، ويجثموا على أنفاس الشعب المصري الأبي، وإذا بهم يصدرون إعلانًا دستوريًّا مكملاً لابسين عباءة التشريع التي خلعوها على أنفسهم، ولم يلبسهم الشعب إياها، فلم يستفتوا هذا الشعب الجريح في ذلك!! لماذا هذا الإصرار على تشتيت الوطن؟ لماذا هذه الهيمنة على مقدرات الوطن؟ أهي وراثة أم منهبة؟ أم أنها صارت مشاعا للقاصي والداني؟ إذا كان الشعب قد اختار رئيسه فماذا تريدون أنتم؟ أفلا نتقي الله ونعطي كل ذي حق حقه، ولتكن لنا عبرة في الظالملين، وقد رأينا ماذا فعل الله بهم، كما حدثنا سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم قائلا: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ*مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ*وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ*وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ*وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: 42-46]، فيا من تمكرون ضد مصلحة الوطن وتشعلون الوطن نارًا، ها أنتم رأيتم مبارك المخلوع، وماذا فعل الله به، بعد أن صدّع أدمغتنا بأنه صاحب الضربة الجوية الأولى في حرب أكتوبر؛ فإذا به صار نزيل طرة المحكوم عليه بالمؤبد منزوعة منه الأوسمة والنياشين، أفلا تعتبرون؟! أفلا ترون الدول المتقدمة تنتخب رؤساءها بكل حرية وتجرد، ويسلم هذا السلطة لذاك محييا إياها؟! لقد أثنى العالم على ثورة مصر السلمية فهلا حرصتم على إتمام هذا؟! ماذا فعل الله بفرعون لما طغى وتجبر في مصر؟ قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ*فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ*وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنْصَرُونَ*وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ} [القصص: 38-42]. فهيا يا رجال المجلس العسكري أكملوا الجميل وسلموا السلطة لمن انتخبه الشعب، فإنا نريد أن تكتب أسماؤكم في سجلات التاريخ بأنكم حماة الوطن، ومن حميتم الثورة، وحقنتم دم المصريين. المزيد من مقالات جمال عبد الناصر